مملكة الجنون/27 يا ظالما أضرم النار في قلب الوطن...وأخرج دمعا من قلب الحجر...موتك المفجع يا محسن اهتز لظلمه عرش الرحمان...جنازة السماك أصبحت على كل لسان...موتك يا شهيد سيبقى عارا على الجبين لا يغتفر...سيجعلهم يندمون حتما حيث لا يتفع الندم...انضم حولك كل الأطياف...واستجاب لصرختك المسيحيون والمسلمون في كل البقاع... آه يا جاني يا غاشم...يا ظالم يا قاسي...يا وطنا لا يبالي...أنا ابنك البار...أنا محسن يا جبار...أنا من اختار من الأسماك مهنة، حتى لا أرحل وأتركك وحيدا...أنا من دافع جده عن الحدود بكل استماتة...كيف تسمح بأن أموت هكذا بين أنظارك مسحوقا؟...وتؤيد حكم المتآمرين علي؟...وتتركهم يلفقون تهمة الفتنة علي؟...كيف لك ألا تحميني وأنا حي...وألا تحميني وأنا ميت؟...كيف لك أن تكون هادئا لا مباليا، ومحسن تحت التراب قتيلا؟... باسمك يمتص دماء الفقراء...باسمك يسرق عرق الجياع...تحت أنظارك يتاجر بكرامة البسطاء...تغلق أبواب المدارس...ويموت الآلاف غرقا في البحار... تحت أنظارك تهوى قصور من الأحلام...تغتصب فيها براءة الأطفال... يا ظالما، عشت ثلاثون سنة، أسيرا عاشقا، مقاوما الاكتئاب...منتظرا، رغم الأكاذيب والجفاء والحب الأحادي...يا ظالما قتلتني مرتين...مرة حينما اعتبرت ميلادي نقمة...وشهادة الحياة ليس لها قيمة...فكانت هديتك لي النسيان والتهميش...ومرة حينما سحقني جلادوك في حاوية الأزبال بلا رحمة...معتبرا موتي للبلاد فتنة... أتدري ما الفرق بيني وبينك؟...أني أحببتك حتى الموت...لم أفارقك يوما كما فعل الآخرون...كان أملي أن أراك شامخا...بينما أنت كرهتني بقدر حبي لك...عشت أنت لظلمك وللحقد أسيرا متواطئا...بينما أنا عشت فيك الظلم أسيرا مجبرا...أصبحت أمامك قليل الحيلة وأقل ذكاء...بينما أنت أصبحت أمامي قليل الحياء وأكثر دهاء... بيني وبينك ثأر..وثأر..وثأر...أضرب لك موعدا نلتقي فيه غدا...في ساحة الحراك...أسمعك أغنية تقشعر لها الأبدان: آه منك ومن حرقة المظلوم، ومن قلب عاش ومات مسحوقا...يا وطنا أصبح فريسة للفساد...تعاقبت عليك المطامع والمصائب من كل المناحي...أعداؤك أبناؤك جلادوك...الاحتلال والاستحمار...الاستعباد والفساد...يكاد يكون عنوانا لك... يا وطنا مزقت أشلاءه الفساد...حتى أصبح الحلم فيك مستحيلا...ومحسن الشريف لا مكان له فيك...يغتال البريء بلا كلل...لا لشيء إلا لأن الأحلام تجاوزت السقف المرخص لها...وأن الاسم الذي يحمله محسن لم يرق الكثيرين... اعلم أيها الظالم...يا من قلبه من مرمر ناعم...أن البدايات مهما كانت سعيدة...فمزبلة التاريخ حتما تنتظرك...صدقني يا جبار، أنا السابق وأنت اللاحق...لم أحزن لموتي المفاجئ ولا لسحقي كأي شيء تافه...لكن ما ألمني هو بكاء الوطن علي...وضعه لم يعد يروق أحدا...سوف أستمر بالدعاء لك من هناك...حتى ينتهي الفساد ويعيش فيك الإنسان في سلام... خوفي عليك يا وطني من الفساد...أن تبقى رغم استشهادي وحيدا ذليلا...خوفي أن تكون موتي مجرد حدث عابر...تمتطيه الأحزاب والأحقاد...أرجوك يا وطني انتفض في وجه الفساد...حتى لا يكون استشهادي من أجلك مجرد غباء...انتفض أرجوك من أجل البقاء...لا تدعهم يغرسون في ضلوعك سهام الغدر...ولا تدع حاوية الأزبال تبتلعك مثلي... ليس أكثر ألما ومهانة من أن تراهم ينتزعون الحق مني...ويحملون نعشي أمامي...ودمعي على خدي لفراق أهلي وأحبتي قبل الأوان...لم أكن أعلم يوما أن موتي سيترك ألما وأملا...وأن تكون صرختي صوتا لمن هم أسوأ حال مني...طلبي الوحيد لك يا وطني أن تحبني كما أحببتك...وطلبي لك يا ظالمي ألا تتماهى في كذبك وتلعب بالنار...ونصيحتي لك يا ''ثرلي'' ألا تكفي عن ذكر اسمي...عن شهيد الكرامة محسن فكري...(يتبع)