جنحت النفوس نحو "الهدوء" أسبوعا بعد حادثة مقتل بائع السمك محسن فكري، ابن إمزورن بإقليم الحسيمة، على إثر طحنه بآلة لضغط الأزبال بعد أن حاول التصدي لمصادرة سلعته من السمك، وبقي السؤال حول خلفيات وما وراء هذه المأساة التي هزت مشاعر المغاربة معلقا إلى حين. وكشفت الوفاة الدرامية لبائع السمك أن شجرة مقتله كانت تخفي غابة من الاختلالات الإدارية والاقتصادية، فالشاب "الريفي" اشترى شحنة سمك محظور من ميناء يقع تحت سلطة إدارية وزارية، ومسؤولين محليين، كما أن محسن لو وجد عملا آخر أكثر "تنظيما" لما رمى بنفسه في تهلكة اقتصاد غير مهيكل. الباحثة في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط نزهة الوفي أكدت أن المتأمل في فاجعة الحسيمة سيقف عند شبكة معقدة من العوامل التي قد تخلف ضحايا آخرين غير محسن فكري، مبرزة أنه "من بين أبرز تلك العوامل انتشار بنيوي واسع للقطاع غير المهيكل". وتابعت الوفي أن "هذا القطاع الذي ينخر مالية الدولة لا يتسبب فقط في تراجع معدلات النمو الاقتصادي الوطني، وما يترتب عن ذلك من انكماش اقتصادي، وإنما يطحن يوميا حقوق 216 ألف مواطن ومواطنة يعدون مصدر الجهد الذي يحرك هذا القطاع الضخم حيث تختفي الحيتان الكبيرة محمية بفساد إداري خطير". وأوردت الباحثة ذاتها أن "هذا الاقتصاد غير المهيكل يعيش مفارقة مقلقة بسبب القناع شبه المقنن الذي توفره له العولمة، والاعتماد المتبادل بين الدول، وتطور وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في الكثير من القطاعات، مما يجعل محاربته أكثر تعقيدا، لكن أيضا أكثر إلحاحا". ودعت الوفي، خاصة في خضم الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يعيش عليها المغرب، الحكومة المقبلة إلى أن يكون من بين أولوياتها اجتثاث أسباب الطحن المستمر للمواطن، وحماية مالية الدولة التي تتكبد خزينتها خسائر كبيرة بسبب التهرب الضريبي الذي يعتبر قاعدة ذلك الاقتصاد الأخطبوط. الباحثة اعتبرت أن "الحادثة المؤلمة البشعة التي راح ضحيتها المرحوم محسن تفرض إيجاد رؤية واضحة لدى أصحاب القرار لحل ملف القطاع غير المهيكل، خصوصا أنه يفوق مليونا ونصف مليون وحدة إنتاجية غالبيتها توجد في الوسط الحضري". وذهبت المتحدثة ذاتها إلى أن "هذا النوع من الاقتصاد يمثل زهاء 45 بالمائة من الاقتصاد الوطني، بحسب آخر دراسة للمندوبية السامية للتخطيط"، مشددة على أن محاربته لن تتأتى إلا إذا تم "التأسيس لمنطق يعزز الرقابة والمسؤولية، ويجفف منابع الريع والفساد والشطط في استعمال السلطة". الوفي دعت صناع القرار إلى أن يكون لهم الجواب السياسي المناسب عن انتظارات الشباب، بشكل يفكك بنيات الفساد الحامية للقطاع غير المهيكل، وإحداث ثورة صناعية منظمة تحكمها التنافسية الاقتصادية المؤطرة بالجواب السياسي الديمقراطي، كما بينت ذلك التجارب في أمريكا اللاتينية، وفي إسبانيا وغيرهما. وخلصت الباحثة السوسيولوجية إلى أن الحراك الشبابي برسائله الاحتجاجية الراقية أكد على منطق جديد يقوم على جعل الدولة والإدارة في خدمة المجتمع والمواطن، والإنهاء التدريجي للريع كمنطق للتحكم والفساد، واحترام الكرامة وتأسيس العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على قيم النزاهة، وتكافؤ الفرص، واحترام القانون.