تقضي السعدية الكوفي، التي بلغت العقد الخامس من عمرها، لياليها وهي تبكي بسبب قلة حيلتها وعجزها عن إيجاد مخرج للأزمة التي وضعها فيها صاحب البيت الذي يكترون منه "جحرا" لا تتعدى مساحته مترين مربعين، يحميها رفقة ابنتها وابنها من الأمطار فقط ولا يقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء. السعدية الكوفي، التي تشتغل مساعدة لربات البيوت بثمن زهيد، أضحت مهددة بمغادرة هذا المحل الشبيه بزنزانة نتنة آيلة للسقوط منه إلى غرفة في منزل بالدار البيضاء، والموجود بإحدى أزقة المدينة القديمة المدرجة في إطار عملية إعادة الإسكان ضمن مشروع بناء المحج الملكي؛ وذلك بسبب إصرار المالك الجديد لهذا "المحل" على إخراجهم منه بعدما قضت محكمة الاستئناف بالإفراغ رغم أداء السعدية سومة الكراء المستحق عن سنة 2017 بشكل مسبق. في ذلك المحل الضيق حيث لا ماء ولا كهرباء ولا مرحاض، تعيش السيدة السعدية الكوفي مع طفليها، تنام هي وابنتها في الغرفة الضيقة، فيما يعيش ابنها في "سدة" خشبية تفصلها 50 سنتيمترا عن السقف. المحل كان يستأجره زوجها المرحوم ناضي الطيب مند الخمسينات كمحل للسكنى، تقول السعدية، مضيفة أن الطيب كان يشتغل بائعا متجولا قبل أن يصاب، منذ عشر سنوات، بمرض مزمن أصبح على إثره مشلولا، ما دفعه إلى استقدام زوجته السعدية من بلدته قرب الصويرة. وبين عشية وضحاها وجدت السيدة القروية، التي يطلق عليها سكان الحي اسم السعدية الشلحة، نفسها أمام مسؤوليات كبرى، فخرجت تبحث عن شغل في البيوت لتعيل زوجها المريض وطفليها. قبل سنوات اشترى مالك جديد البيت الذي يتفرع منه محل سكاناها الضيق. وفي أول ظهور له، بحسب السعدية، أخبرها بأنه ليس في حاجة إلى الإيجار الزهيد الذي كانت تعطيه للمالك القديم. غير أن العز بوشعيب، المالك الجديد، الذي يملك عقارات أخرى في بوطويل وفي طاماريس، وفق السعدية، عاد بعد مدة مطالبا إياها ب 500 درهم إيجارا عن كل شهر، في حين لا تتعدى سومة كراء المحل 20 درهما كما يتبين من وصولات الأداء التي كانت الأسرة تتسلمها من المالك السابق. نصح الجيران السيدة السعدية بإيداع المبلغ لدى صندوق خاص في المحكمة، وهو ما فعلته بعد أن حاولت مرات عدة تسليمه سومة الكراء بتوثيق من عون قضائي، تقول الكوفي. غير أن المالك الجديد بعد سحبه للمبالغ المودعة، أعاد الكرة، مصحوبا بعون قضائي، مطالبا بأداء 500 درهم للشهر، قبل أن يلجأ إلى لقضاء، لتصدر المحكمة قرارها ابتدائيا واستئنافيا لصالحه رغم أن السيدة أودعت إيجار عامين لدى الصندوق المذكور، وفق إفادة ابنتها الزهراء ناضي. وتقول الزهراء: "الغريب في هذه القضية أن البيت الذي يتفرع منه محل سكنانا، والذي يضم أسرا أخرى مهددة بدورها بالإفراغ من طرف المالك الجديد للعقار، غير مدرج في إحصائيات شركة سوناداك المكلفة بإعادة الإسكان في مشروع المحج الملكي". وبحسب لائحة السكان المستفيدين الموجودة لدى "سوناداك" التي اطلعت عليها هسبريس، فإن البيت رقم 19 غير وارد تماما فيها، بل تتحدث عن البيوت الموجودة في درب كاشبار زنة 8 من رقم 1 حتى رقم 18، ثم تقفز مباشرة إلى رقم 20 وما يليه. وهو ما "يطرح السؤال الكبير حول سبب استثناء هذا البيت رغم تصدعه وكونه آيلا للسقوط، دون الحديث عن موقعه في حي خاضع لإعادة الإسكان في إطار مشروع المحج الملكي"، يقول أفراد هذه العائلة المهددة بالتشرد في الشارع العام.