تأتي جولة الملك محمد السادس بإفريقيا، التي انطلقت أمس الثلاثاء من كيغالي كمرحلة أولى من جولة ملكية إلى تنزانيا وإثيوبيا، لتؤكد على تناسق استراتيجية الامتداد متعدد الأشكال للدبلوماسية الملكية بالقارة، وفق قاعدة شراكة رابح–ربح وتنمية متضامنة تضع الإنسان الإفريقي في صلب الانشغالات. ووضع الملك الاستراتيجية الإفريقية والتعاون جنوب–جنوب في صلب الدبلوماسية المغربية، مشددا على الضرورة الملحة لكي يتخلص التعاون الدولي من العوائق البيروقراطية من أجل تنمية مستدامة حقيقية بإفريقيا، وخلق الظروف المواتية لتضافر كل الطاقات الإيجابية عبر القارة. وتعد الجولة الملكية إلى كل من رواندا وتانزانيا وإثيوبيا لحظة قوية في العمل الدبلوماسي للمملكة الرامي إلى تعزيز التجذر الإفريقي للمغرب، عبر زيارة هذه البلدان في هذا الجزء من القارة، ليتم بذلك طي المسافات الجغرافية، وتحدي عائق اللغة، ومد روابط الوحدة والأخوة الإفريقية. وعلى غرار علاقاتها العريقة المميزة مع بلدان إفريقيا الغربية، تسعى المملكة إلى نسج الروابط الخاصة أيضا مع عدد من بلدان إفريقيا الشرقية، رغم العراقيل المرتبطة بالجغرافيا واللغة، وذلك في سياق نموذج التعاون جنوب-جنوب الذي انطلق بدفعة من العاهل المغربي. ويعد تعيين الجالس على عرش المملكة مؤخرا لسفراء جدد في عدد من بلدان المنطقة، متمثلة في تنزانيا وأوغندا وإثيوبيا وجيبوتي ورواندا وكينيا والموزمبيق، دليلا آخر على الرغبة القوية للمغرب في المزيد من ترسيخ روابطه وعلاقاته الدبلوماسية مع إفريقيا الشرقية. المحلل السياسي مصطفى طوسا يعلق على الزيارة الملكية إلى شرق إفريقيا بالقول إن الجولة الملكية تكرس الاستراتيجية المغربية تجاه القارة السمراء، مضيفا، في مقال نشره على موقع "أطلس أنفو"، أن هذه الجولة تأتي في سياق خاص يتميز بقرار المغرب العودة إلى الاتحاد الإفريقي. وأشار المحلل السياسي إلى أن المملكة تعتزم وضع خبرتها الاقتصادية الجيدة رهن إشارة هذه البلدان الإفريقية من أجل تعزيز تنميتها، مبرزا أن نوعية رجال الأعمال ورؤساء المقاولات الذين يرافقون الملك في هذه الجولة يعتبر مؤشرا جديا على الأهمية التي يتم إيلاؤها للاستثمار في هذه البلدان والنهوض بنسيجها الاقتصادي. وأكد أن الدور الروحي والديني الذي يجسده الملك محمد السادس، والذي يسعى إلى النهوض بإسلام معتدل وسطي، يعد ضروريا اليوم في بعض البلدان الإفريقية التي تهددها مجموعات متطرفة، مذكرا في هذا الصدد بأن المملكة تستقبل طلبة أفارقة ضمن معهد تكوين الأئمة بالرباط. وتابع بأن ذلك يترافق أيضا بدور سياسي وعسكري يكمن في المساهمة في حل النزاعات بالمنطقة، والتصدي لعوامل عدم الاستقرار، مؤكدا أن السياسة المتبعة من قبل المغرب تجاه إفريقيا ليست نتاج صدفة، بل ثمرة تفكير ناضج للملك الذي جدد دوما عزمه على خلق شروط نهضة إفريقية لفائدة الإنسان الإفريقي. وأبرز طوسا أن المغرب لديه نموذج لتصديره إلى حلفائه الأفارقة، مشيرا إلى أن هذا النموذج يتمثل، من بين أمور أخرى، في كونه قوة اقتصادية صاعدة قادرة على تجاوز المعيقات، وخلق نسيج صناعي ومالي جذاب، فضلا عن تجربته الديمقراطية التي تتجسد في تعزيز دولة القانون.