من شب على شيء شاب عليه " مثل من كثرة تكراره حفظناه عن ظهر قلب ، و يهدف إلى معنيين لا ثالث لهما، مفاده أن التربية التي تلقيناها منذ نعومة الأظافر هي التي تحدد انتماءنا إما لأصحاب اليمين أو لأصحاب الشمال، لماذا لا نتمعن جميعا مكنونات هذه العبارة وما تحمله طياتها من سر دفين ؟ ألم يحن، الوقت للوقوف تأملا على ما فاتنا ؟ مازالت نفس الأسئلة تتراقص في مخيلتي بل في مخيلتنا جميعا وهي في حد ذاتها موضوع للنقاش ، أليس سبب معاناتنا راجع إلى ما تجرعناه منذ الصبا ؟ ألم تلعب الثقافة الشعبية - الهدامة- دورا كبيرا في تعلم التمييز بين ما لنا وما علينا ؟ أين هي وظيفة المدرسة ؟ ولماذا هي غائبة؟ أم تم تغييبها؟ بكل صراحة ما دفعني إلى إثارة هذا الموضوع تلك العبارة التي قالها أستاذ السوسيولوجيا المقتدر عبد الله الطني أمام طلبته والتي مفادها أن المدرسة المغربية أصبحت " متقفة " بالمعنى الشعبي وما يلزمها وصفة سحرية ، وهي حقيقة لا مفر منها رغم أنها عرفت عدة وصفات كللت بالفشل جميعها . إذا كان المجتمع بنية وله وظيفة فالمدرسة بدورها لا يمكن أن تخرج عن هذا الإطار خصوصا وأن التعليم رسالة وقضية أساسية ومحورية في نفس الآن. فيما قبل كان النسق التعليمي يركز على البرامج فسميت هذه الطريقة ببيداغوجية المضامين ، تلتها مرحلة أخرى تم التركيز على المعلم والمتعلم معا واليوم جاءت مرحلة جديدة تم التركيز فيها على المقاربة الإدارية لعلها تخرج التعليم المغربي من نفقه المظلم . لنعد إلى تاريخ التعليم بالعالم نجد هذا الأخير لم يكن قط بمهنة فأصبح بعد الثورة الفرنسية مهنة ،ومع ظهور الرأسمالية والتي كان همها الربح السريع مع اعتماد منطق الهيمنة وفي ظلها أصبح الإنسان مهمشا ، فظهرت الآلة التي عوضت اليد العاملة واقتصدت الجهد والوقت فكانت النتيجة تشييء الإنسان. بعد ظهور ما يسمى بالرأسمالية المتوحشة فعوض التركيز على المواد الأولية أصبح التركيز على الفكر والقيم والثقافة حيث قال حينها المنظر السياسي " هاردي" لقد استطعنا الآن أن نخضع الأبدان فعلينا الآن أن نبدأ بإخضاع الأذهان ." نحن على أتم اليقين أن البشرية في ترقيات مستمرة والذي يمتلك المعرفة هو الذي يسيطر على عجلة التحكم والقيادة ولهذا سارعت جميع الدول المتقدمة إلى امتلاك أجهزة الإعلام و الثقافة الرقمية وهو سلاح يساعده على القفز من براثين الجهل واحتلال الصدارة في جميع الميادين . إن مدرستنا المغربية بكل صراحة دخلت إليها القيم النفعية السلبية ، فاهتمت بالتعليم دون التربية فأصبحت مؤسسة إنتاجية لتلاميذ لهم مهارات محددة ، فتحولت منظومة القيم تحولا جذريا، وهو السؤال الذي نود طرحه مرة أخرى هل مازلنا نعيش قولة هاردي؟ من وظائف المدرسة تغيير بنية المجتمع وتطوير جنسه البشري والذي يعتمد على تربية خلاقة شعارها " لا تفاضل بين الثقافات " تأخذ في اعتبارها تنمية مجموعة من القوى منذ الصغر لتتطور معهم قناعات واعتقادات تساهم في شق الأهداف على النحو المطلوب. ومن بين هذه القوى أن ينمو لدى الفرد الاتجاه نحو الأبدية ، بدون الإحساس بالأبدية لا يمكن للفرد الأخلاقي الذي يحاول أن يتطور أن يتعامل كما نريد . فمن الضروري أن يعرف هذا الطفل أو الشاب الفرق بين الإثارة وبين السعادة الحقيقية ، من السهل أن نقع في الحب بكل حماس ويحث على أن يغير العالم وتحت مسمى مساعدة الآخرين إنما يكون ذلك بالإثارة وليس بالسعادة الحقيقية الذي يحركه إحساسه إلى الأبدية . أحد علامات فساد الأخلاق في المجتمع المغربي أننا نعيش مع أفراد نسوا ماهي السعادة فهم يظنون بأن الحماس والإثارة هو الفرح والسعادة لذا فهم دائما يسعوا وراء الإثارة ، ربما يجدوا تلك الإثارة اليوم في دين جديد أو حزب سياسي أو أية حركة فكرية، وغذا سيجدونها في شيء آخر . ولكن هذا البحث والفهم الذي لا يشبع الناتج عن الإثارة والتي تحمس الكثير من الناس بالقيام بأعمال حسنة ليست كافية بل يجب أن يكون هناك تمييز بيم الإثارة والسعادة الحقيقية . فما يجب أن نعلمه لتلاميذنا في المدرسة أن نؤكد لهم منذ البداية على طبيعة الروح الإنساني الذي يتطور في الأطفال عندما يكونوا صغارا جدا يأخذ ذلك أشكالا مختلفة ، وأن وجوده في هذا العالم ما هو إلا من أجل اكتساب الفضائل والكمالات . لماذا لا نعلم أبناءنا أن عزة الإنسان وعلوه ليستا مجرد اللذائذ الجسمانية بل أن السعادة الجسمانية فرع ، وأما أصل رفعة الإنسان فهي الخصال والفضائل التي هي زينة الحقيقة الإنسانية. إن جميع الإصلاحات التي تواترت على مدرستنا تبقى شوفينية وغالبا ما تستند على أهواء نفسية تطغى فيها مصلحة الفرد على الجماعة ، وغالبا ما تحاول استغباء الذكاءات الإنسانية متجاهلة ما يتطلب فهمه أولا دون دراسة للوضعية ضاربة عرض الحائط نوع الكفايات التي تساعد على اتخاذ القرارات الهادفة إلى تحسين وضعية مدرستنا التي ترهق ميزانية الدولة لأكثر من ثلاثين في المئة والتي لو صرفت بعناية فائقة لأصبحنا مجتمع مثالي أفلاطوني.