اختارت الأحزاب السياسية المغربية ممن عقدت مكاتبها السياسية اجتماعات لتقييم نتائج الانتخابات أن تخرج بمواقف متحفظة حول تموقعاتها السياسية خلال الأيام المقبلة. وباستثناء حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة اللذين عبّرا بشكل صريح أنهما لن يتحالفا نهائيا وبشكل قاطع مع بعضهما خلال الحكومة المقبلة، اختارت أحزاب أخرى الدخول في تقاربات "مبهمة" لم يعلن عنها إلا بعد كشف نتائج الاقتراع؛ كما هو الحال بالنسبة إلى حزب الاتحاد الدستوري، الذي أكد في بلاغ اجتماع مكتبه السياسي عن الدخول في مرحلة التقارب مع حزب التجمع الوطني للأحرار، مع إمكانية النظر في تجسيد هذا التقارب عبر تشكيل فريق مشترك على صعيد مجلس النواب في أفق تحالف مستقبلي بين الحزبين. حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ربط كذلك مستقبل تموقعه السياسي بحزب الاستقلال، حسب ما تسرب من البيت الداخلي لحزب الوردة؛ بالرغم من أن حزب الاستقلال يبدو قريبا من التحالف مع "البيجيدي"، في الوقت الذي لم تكن فيه صياغة بلاغ المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ودية تجاه "البيجيدي". هذه التقاربات الحزبية التي برزت في الوقت الذي ينتظر فيه المتابعون للشأن السياسي خارطة تموقع الأحزاب السياسية ما بين الحكومة أو المعارضة كخطوة واضحة، على غرار الترشيحات والبرامج الانتخابية؛ إلا أنها تبقى مسألة غير واردة إلى حدود الآن في تدبير وتخطيط الأحزاب السياسية المغربية، حسب عبد الحفيظ ادمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط. وهذا راجع، حسب الباحث ذاته، إلى ضبابية المشهد الحزبي وكذلك عدم ضبط قواعد المنظومة الانتخابية من خلال قواعد واضحة يمكن أن تفرز أغلبيات وتحالفات بارزة. وزاد الباحث السياسي بالقول إن نتائج انتخابات 2016 ربما أثبتت أن المشاركة في تدبير الشأن العام يمكن أن تعطي دفعة إضافية وأن تكون عاملا مساعدا لضمان قوة داخلية للأحزاب السياسية؛ على اعتبار أن نتائج الأحزاب التي تكلفت بتدبير الشأن العام، وحتى وإن حصلت على أقلها، ستكون أكثر كارثية لو تواجدت في المعارضة. وهذا ما يتضح من خلال النتائج التي حصدتها أحزاب المعارضة، حسبه. هذا الوعي دفع بعض الأحزاب السياسية إلى الدخول في تحالفات برلمانية، كما وقع بين الاتحاد الدستوري والتجمع الوطني للأحرار؛ بالرغم من أنه ليس بجديد، "فخلال الولاية التشريعية الماضية، عرف مجلس المستشارين 'تجمعا دستوريا'، وهو تحالف ما بين حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاتحاد الدستوري؛ لكن يبقى تحالفا برلمانيا بالرغم من أنه بالفعل له قيمته وتأثيره. وكما لاحظنا، فإنه لم يقفز للتأثير على التركيبة الحكومية". ويضيف الباحث السياسي أن المقاربة نفسها هي التي تحضر اليوم، فالأحزاب التي اختارت الإعلان عن تقاربات ما قبل الإعلان عن الحكومة ستستفيد بالأساس من قوة تفاوضية إضافية؛ "فالآن لا يطرح مشكل المشاركة في الحكومة من عدمه بقدر ما يطرح إشكال الكيفية التي ستشارك بها هذه الأحزاب في الحكومة وقوة الحضور فيها"، يردف ادمينو. ويستطرد أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط أن التحالفات البرلمانية التي تسعى الأحزاب السياسية إلى الدخول فيها، خاصة على مستوى مجلس النواب من خلال فريق موحد، الغرض منها هو الضغط على رئيس الحكومة خلال مشاورات تكوين الحكومة، "على اعتبار أن الأمر يتعلق بقوة برلمانية لا يستهان بها". وختم المتحدث نفسه بالإشارة إلى أنه من الممكن أن تؤثر هذه التحالفات البرلمانية بشكل نسبي على الكيفية التي ستشكل بها الحكومة؛ "لكن الإشكال الذي يطرح، فعلا، هو السهولة في الانتقال من الحكومة إلى المعارضة في المشهد الحزبي المغربي. وهذا راجع إلى النظام الانتخابي، الذي أفرز لنا أحزابا بولاء لتسيير الشأن العام أكثر منه ولاء للبرامج السياسية وللمرجعية الحزبية" يقول ادمينو.