عمل المغرب منذ المراحل الأولى لتجربته الدستورية المكتوبة على إقرار مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة؛ ففتح لها المجال لدخول غمار الحياة السياسية بأن تكون ناخبة ومنتخبة على اعتبار ما تمثله المرأة داخل المجتمع، وعلى اعتبار أن النهج الديمقراطي الذي سارت فيه المملكة لن يكون له معنى وآفاق بدون مشاركة المرأة في الحياة العامة لأنه من الحيف أن تظل النساء اللواتي يمثلن ما يزيد عن نصف عدد السكان على هامش هذه الحياة، في حين إن الدولة في أمس الحاجة إلى كافة طاقاتها وكافة أبنائها وبناتها. إن المرأة اليوم تمثل عنصرا فعالا ومهما في مجال التنمية الشاملة للوطن وباستطاعتها أن تغير، إن هي مارست حقوقها بشكل كامل، موازين القوة داخل المجتمع، وأن ترجح الكفة السياسية في هذا الاتجاه أو ذاك بعد أن وفر لها الدستور والقانون جميع سبل ذلك. وقد أكدت المرأة المغربية تفوقها وقدرتها على أن تنافس الرجل في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأبانت عن كفاءة عالية، وعن مسؤولية ومواطنة لا ينكرها أحد، وعن أنها قادرة على تقلد جميع المسؤوليات، وجميع الوظائف، وعلى خدمة الوطن، ومشاركة الرجل في بناء صرح الدولة المغربية الحديثة والمتطورة. غير أن وعي المرأة المغربية بهذه المكانة وبهذا الدور وبحقوقها الدستورية والقانونية لازال ضعيفا. لذلك أخذ المشرع بيد المرأة المغربية، وراح يسن ويصدر من القوانين والتشريعات، لاسيما في المجال الانتخابي، ما من شأنه أن يضمن تمثيلية محترمة لها تليق بما تمثله هذه المرأة داخل المجتمع. وهكذا اعتمد المشرع في بداية الأمر نظام الكوطا كإجراء مرحلي لتحسين تمثيلية النساء. فتم بمناسبة الانتخابات التشريعية ل 27 شتنبر 2002 تخصيص 30 مقعدا للنساء ضمن اللائحة الوطنية لتشكل النساء، نسبة 11% من مجموع أعضاء مجلس النواب. ولتعزيز تمثيلية النساء في المجالس الجماعية تم بمقتضى التعديلات المدخلة على مدونة الانتخابات بالقانون رقم 36.08 إحداث دوائر انتخابية إضافية في كل الجماعات والمقاطعات. وهكذا حققت النساء في الانتخابات الجماعية لسنة 2009 نتائج طيبة، فوصلت 3406 نساء إلى مجالس هذه الجماعات لتمثل 12.17 % من إجمالي عدد المنتخبين، في مقابل 0.56 % فقط في الانتخابات الجماعية لسنة 2003. وشكلت الترشيحات النسائية كذلك حوالي 16% مقابل أقل من 5% برسم الانتخابات نفسها. وقد تعزز مركز النساء في المجالس الجماعية بموجب التعديلات التي أدخلها المشرع على الميثاق الجماعي رقم 78.00 بمقتضى القانون رقم 17.08 الصادر في 18 فبراير 2009 من خلال إلزامه للمجالس الجماعية بإدماج مقاربة النوع والمقاربة التشاركية في اعتماد مخططاتها التنموية، وكذا من خلال إحداث لجان استشارية تدعى لجان المساواة وتكافؤ الفرص تتكون من شخصيات تنتمي إلى جمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني تبدي رأيها في القضايا المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع الاجتماعي. وكانت مدونة الانتخابات، وبمقتضى التعديل الذي أدخل عليها بالقانون رقم 36.08 سالف الذكر، قد نصت في مادتها 288 مكررة على تخصيص دعم لتقوية قدرات النساء التمثيلية بمناسبة الانتخابات العامة الجماعية والتشريعية يطلق عليه اسم "صندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء". وقد صدر المرسوم رقم 2.08.746 بتاريخ 30 ديسمبر 2008 يحدد شروط وكيفيات الدعم المذكور. وتم نسخ وتعويض هذا المرسوم بالمرسوم رقم 2.13.533 بتاريخ 7 أكتوبر 2013 الذي أدخل بعض التعديلات التي تروم خاصة تبسيط الإجراءات المسطرية وضمان الشفافية وتيسير الولوج إليه وتوسيع الاستفادة من الدعم المذكور. وجدير ذكره أن مختلف هذه المبادرات جاءت استجابة لدعوة جلالة الملك محمد السادس كلا من البرلمان والحكومة بمناسبة الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان بتاريخ 10 أكتوبر 2008 من أجل تحسين تمثيلية النساء في الجماعات المحلية؛ حيث قال جلالته: "ندعو الحكومة والبرلمان إلى التعاون المثمر من أجل إيجاد الآليات الناجعة لتشجيع حضور ملائم وواسع للمرأة في المجالس الجماعية، ترشيحا وانتخابا. وغايتنا المثلى، ضمان التمثيلية المنصفة للنساء في الجماعات المحلية، وبالأساس تمكين مجالسها من الاستفادة من عطاء المرأة المغربية المؤهلة بما هو معهود فيها من نزاهة وواقعية وغيرة اجتماعية". وتكريسا وتعزيزا للمكتسبات التي حققتها المرأة على المستوى الدستوري، وعلى مستوى الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، أتى الدستور الحالي لسنة 2011 بالكثير من المقتضيات المهمة التي تصب في اتجاه تعزيز دور المرأة داخل المجتمع، وتحسين تمثيليتها داخل مراكز القرار الإداري والسياسي. فنص في التصدير على التزام المملكة بحظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان. كما حث السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وسمح لهذه السلطات بأن تتخذ جميع الوسائل الكفيلة بالنهوض بمشاركة النساء في الانتخابات. وألغى كل تمييز بين الرجل والمرأة واعتبرهما متساويين في التمتع بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. وأكد على عمل الدولة في سبيل تحقيق مبدأ المناصفة بينهما، ونص لأول مرة في التاريخ الدستوري المغربي، على إحداث هيئة في هذا الموضوع سماها "هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز". وفي هذا الإطار الدستوري العام، صدر القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية الذي أتى ببعض المقتضيات الجديدة التي من شأنها أن تعزز حضور المرأة في المجالس المحلية المنتخبة، سواء على مستوى الجهات أو على مستوى الجماعات والمقاطعات. فقد تم التخلي عن نظام الدائرة الانتخابية الإضافية الخاصة بالنساء بمقتضى القانون التنظيمي رقم 34.15 الصادر بتاريخ 16 يوليوز 2015 المغير والمتمم للقانون التنظيمي رقم 59.11 سالف الذكر، والذي خصص بموجب المادة 128 مكررة عددا من المقاعد للنساء في كل جماعة أو مقاطعة مع حفظ حقهن في الترشح باسم المقاعد الأخرى المخصصة للجماعة أو المقاطعة. وبالفعل فقد لوحظ الأثر الإيجابي لهذه المقتضيات على مستوى ترشيحات النساء في الانتخابات الجماعية والجهوية ل 4 شتنبر 2015؛ حيث بلغت نسبة 21.94% من مجموع الترشيحات للانتخابات الجماعية و38.64% بالنسبة للانتخابات الجهوية، كما حصلت النساء في الانتخابات الجماعية على 6673 مقعدا؛ أي ما يعادل تقريبا ضعف العدد المسجل خلال الاقتراع الجماعي لسنة 2009. وخصص القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب نسبة 60 مقعدا للنساء؛ بحيث قسم لائحة الترشيح على صعيد الدائرة الانتخابية الوطنية إلى جزأين: الجزء الأول يتضمن أسماء ستين (60) مترشحة مع بيان ترتيبهن، ويتضمن الجزء الثاني أسماء ثلاثين (30) مترشحا ذكرا لا يزيد سنهم على أربعين سنة شمسية في تاريخ الاقتراع. غير أن المشرع بموجب القانون التنظيمي رقم 20.16 المغير والمتمم للقانون التنظيمي رقم 27.11 سالف الذكر، وفي خطوة أخرى في اتجاه تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، ارتأى أن يفتح الجزء الثاني من لائحة الترشيح المتعلقة بالدائرة الانتخابية الوطنية للمترشحين من الجنسين معا بعد أن كان مقتصرا في السابق فقط على المرشحين الذكور دون الإناث. إن من شأن ما اتخذه المشرع من إجراءات قانونية لدعم وتحسين تمثيلية المرأة في مختلف المجالس التقريرية محليا ووطنيا أن يعطي للخيار الديمقراطي للمملكة بعده الحقيقي، وأن يقضي على التهميش والإقصاء اللذين طالما عانت منهما المرأة المغربية في مجتمع تطغى عليه العقلية الذكورية، ولا يبقي أمام المرأة المغربية إلا أن تنخرط في سياق هذه الإرادة السياسية والدستورية والقانونية لإعادة الاعتبار لها ولتأهيلها سياسيا ولأخذ موقعها الطبيعي والصحيح داخل المجتمع. *أستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط