مع اقتناعي بطغيان عوامل متداخلة لا علاقة لها بالفن والثقافة هي الدافع الأساس في تنظيم مهرجان موازين بالشكل والهالة الرهيبة التي تعطى له، فإنني استرقت بعض الدقائق لقراءة مقال السيد لحسن حداد بعنوان: "بلطجية الفن ... حرب الأصوليين على 'موازين'"، وذلك لعلي أجد فيه ما يمكن أن يعدل من موقفي أو يصحح شيئا من نظرتي إلى القائمين الفعليين على تدبير السياسة العمومية في مجالي الثقافة والفن؛ إلا أنني حقيقة أصبت بالخيبة من طريقة المقاربة التجزيئية والسطحية التي طغت على مقال من المفترض أن ينبني على تحليل دقيق ومتجرد من الخصومات الإيديولوجية لموضوع أثار جدلا حادا في الأوساط الفكرية والشعبية بالمغرب. واعتبارا لتشعب مآزق التحليل في تناول السيد حداد للموضوع، فقد فضلت الاكتفاء بإبداء الملاحظات التالية: - أولا: المعضلة الأولى أن صاحب "المقال" الذي ركب على فزاعة الأصوليين وهو ينتمي إلى حزب إداري إسمه الحركة الشعبية، طمس بشكل تعسفي قد ينم عن انتقاص لذكاء وذاكرة القراء أن مهرجان موازين الذي يدافع عنه لم يلق اعتراضا شعبيا فقط بل كان موضوع أسئلة شفوية من طرف عدة فرق برلمانية ومنها – للغرابة - الفريق الحركي ، وهذا المعطى لوحده ينسف مضمون الفكرة الجوهرية التي بنى عليها "الكاتب" مقاله، والقائمة على القول بأن الجهة الوحيدة المناوئة للمهرجان هم من سماهم الأصوليون والظلاميون... (يمكن الإطلاع على الفيديو الموثق لتدخل ممثلة حزب صاحب المقال حول المطالبة بإلغاء مهرجان موازين من خلال الرابط التالي (الدقيقة:2:30): ثانيا: الإشكال لا يتعلق بشيء إسمه الفن واختلف الناس حول الموقف منه، بل الإشكال يتعلق بعدة معطيات جوهرية مرتبطة بتنظيم هذا "النشاط" الخارق للعادة في دولة مثل المغرب تصنف في ذيل الترتيب العالمي من حيث مؤشرات التنمية، ومن أهم تلك المعطيات: 1- الجهة المنظمة: جمعية بدون أهداف واضحة، والمشرف عليها هو مدير الكتابة الخاصة لملك البلاد، وتتصرف في المؤسسات العمومية والسلطات العمومية وسائر مؤسسات الدولة بمنطق المالك وليس بموقع هيئة مدنية كما حدد إطارها وقواعد عملها القانون؛ 2- استغلال المال العام في تمويل "النشاط" وهو مالا يمكن أن تقوم به إلا الدولة ذاتها أو السلطة العمومية المكلفة بتدبير قطاعي الفن والثقافة؛ 3- ثبوت شبهة الابتزاز والضغط واستغلال النفوذ (وهو ما يسمى بالعربية :الفساد) في تعبئة الموارد المالية الخاصة بالمهرجان، وهو ما كشفت عنه وثيقة قضائية أمريكية للمدير السابق للشركة الإماراتية المالكة لمحطة الجرف الأصفر الكهربائية تتحدث عن ضغوطات للحصول على 5 ملايين دولار سنويا طيلة خمسة سنوات كدعم للمهرجان من طرف الشركة الإماراتية؛ 4- تناسى "الكاتب" بكل أسف التعامل العنيف -وسياق حديثه هنا عن "الفن"- الذي جوبهت به الوقفات السلمية للمواطنين والشباب المعارض للمهرجان. ولم تستحق التدخلات العنيفة لقوات الأمن ضد المحتجين أي إشارة من "الإحساس الفني المرهف" للسيد الحداد. وفي نفس السياق كشفت فضيحة التهجم اللاأخلاقي والتعامل الاستعلائي للمدير الفني للمهرجان في برنامج تلفزي بثته محطة بي بي سي ضد أحد منظمي الحملة الوطنية لإلغاء موازين، عن انحطاط واضح على مستوى الخلفية الفكرية والثقافية لبعض القائمين على هذا "النشاط"؛ 5- الكلفة المالية الضخمة جدا التي تصرف لتمويل المهرجان، وهو ما يتعارض تماما مع منطق التوازن بين إمكانيات الدولة المغربية التي أصبحت تتصرف فيها - للمفارقة - جمعية "ثقافية"، وبين طبيعة وخصوصية الفن الذي يحتاجه فعلا المغاربة؛ 6- التغطية الإعلامية والأمنية الخارقة للعادة في تغطية الأنشطة، الثقافية منها والفنية والسياسية وغيرها، التي حظي بها المهرجان حيث ترسخ الانطباع لدى المواطن بأن هذا النشاط تنظمه "الدولة". والمفارقة أن الدولة ممثلة في وزير الثقافة تبرأ في البرلمان من علاقته ووصايته وتحكمه في فعاليات المهرجان، مع العلم أن السيد الوزير هو المسؤول الأول عن السياسة العمومية في مجالي الثقافة والفن !!! الملخص المفيد مما سبق ذكره هو أن مهرجان العجب "موازين" ليس مجرد معطى أو مادة فنية يصطف الناس بشأنها قبولا أو اعتراضا بسبب انفتاح فريق وانغلاق آخر، كما حاولت المقاربة السطحية للسيد حداد أن تقنع به الناس، بقدر ما يجسد هذا المهرجان نموذجا في التدبير السياسي منبني على عقيدة التحكم وتوجيه الذوق العام حسب أجندات معروفة؛ لذلك تم فرضه بالقوة والهراوات، ولم يكن نتيجة حاجة حقيقية لنوع محدد من الفن لدى المغاربة. ومن جانب آخر، فإن طريقة تدبير وتمويل وتسويق وتأمين هذا المهرجان تجسد صورة من حالة التدبير اللاديمقراطي وتختزل جانبا واضحا من الفساد الذي ينهك كاهل المغرب ويجسده بالأساس عنصر الجمع في يد واحدة بين الثروة والسلطة.