سؤال اليوم: هل لاحظتم كيف يتغيّر العالم من حولنا؟ لا يُزعجُني منظر المنقبات ولا يثير فضولي، فقد أضحى منظرهن مألوفا لدينا بالدول العربية! ولكنها ظاهرة استَفزتني عندما صادفتُ منقبة بكندا! ظاهرة المنقبات بالدول الغربية هي، دون شك، رمز على دينامية عالم يعيش تحولا كبيرا ! ومقالتي هذه تسجل إحساسا بالظاهرة، وليست تحليلا للظاهرة بذاتها؛ لأنني كنت وما زلت من دعاة احترام الهوية الدينية. بدأ كل شيء.. عندما لمحتُ امرأة ب"السوبرماركت" بثوب أسود طويل غطى رأسها وجسمها كاملاً .... بدت لي كشبح مُتخفٍ تحت قماش أسود... فقررت أن أمشي وراءها! تتبعتها من مكان إلى آخر، بالرغم من أنني أعتبر هذه الحركات تجسسا ... بعضٌ من أفكاري نهرتني ولم تسمح لي بذلك وذكرتني أن الله سيغضب عليّ! ودار حوار داخلي بيني وبين نفسي وطرحت نظريات مختلفة: ما الذي يدفعها إلى التخفي في بلدٍ لا يُجبر المرأة على فعل ذلك؟؟ وهل هي امرأة متصالحة مع ذاتها وجسمها؟ ربما أنها تعاني من نفسية معكوسة باعتبار أنها تقوم بسلوك عكسي لما تحب النساء أن يقمن به! وربما هي امرأة تحقد على أنوثتها، وتعاني من تناقض في المشاعر بين ما تحب أن تفعله وبين ما يقيدها باسم الحياء؟ ليست هذه أحكاما... إنه النقاب من يتحدث ! إنه يتكلم حتى وان سكتت الأنثى التي ترتديه... رسائل كثيرة يُرسلها النقاب الأسود ! وبرأيي أنه يجعل الرجل متهما بتهم رخيصة.. ألا يجعل منه حيوانا مهيئا للتحرش بالمرأة في كل لحظة ألا يجعل منه مهووسا جنسياً وبارتدائها النقاب تُجنبه ألا يقع في الخطأ ثم ألا يجعل منها امرأة تدعي العفاف وتضعني أنا في الاتجاه المعاكس ألا يجعل منها متمردة تخرج عن القواعد وتخرق قوانين البلد المضيف يحزنني حين أرى النساء يخفين أجسادهن ورؤوسهن بقماش أسود غير متناغم في ذاكرتي لا أجد دلائل تُقنعني بأنه زي إسلامي.. هناك إشارات في القرآن الكريم أن الحور العين جميلات ولسن منقبات.. أنا لا أتصور حياتي دائما بقماش أسود يحبس أنفاسي ويُعيقُ خطواتي... أحب حياتي كامرأة... أستيقظ في الصباح، عادة أرتشف القهوة وأنا أسأل حالي ماذا ألبس اليوم ثم أقوم بفرز بعض القطع لكي أجد ملابس ألوانها متناغمة ولا أتردد أن أبحث عن شالٍ بلون فاتح أحيط به عنقي... بَدل أن أضعه على رأسي! وفي أثناء حواري الداخلي، نبهني فضولي إلى أنها اتجهت إلى جناح مواد التجميل والإكسسوارات.. فعدتُ مرة أخرى إلى مطاردتها وظلت عيوني تتجسس عليها.. تبعتها إلى طاولة عريضة وضعت عليها مواد تجميل ... نظرَت إلى أحمر شفاهٍ بلونٍ قاتمٍ كنتُ أمسكُه...وحركَت حاجبيها وكأنها تؤكد لي أنه اختيار جميل، ابتسمتُ... وناولتُها أحمر الشفاه ذا اللون القاتم، ثم سألتُها بوقاحة: ألا تحبين اللون القاتم؟ ضحكَت وقالت :بلى! ولكنني أود التغيير بعض الشيء، فلديّ الكثير منها.. دار بيننا حديث واكتشفتُ أنها أنثى تحب المساحيق وتقتني العطر الباريسي وتلبس كعبا عاليا... وكدتُ أنسى أنني كنت أتتبعها! لوحت بيدها تُودعني، وبقيت في مخيلتي صورة لامرأة لطيفة تختفي وراء قماش أسود طويل.... في طريقي للخروج من "السوبر ماركت" صادفت رجلا... رجل بلحية طويلة وقميص يصل إلى ركبتيه.. كدت لا أصدق عيني... وتوقفتُ، لبرهة، أتأكد من الأمر لقد أضحى فضولي يضايق حرية الآخرين في بلد الحريات... تجاهلت فضولي وقررت ألا أُلاحقَ الرجل! فقط لأنني أدركت أن العالم يتغيّر!