الحركية السياسية التي عرفها المغرب ' خلال الاشهر الاخيرة ' ما كان لها الا ان تفضي الى جدول الاعمال الموضوع الان امام كل الفاعلين السياسيين ممن لهم مبرر الفعل والوجود . وكما هو معروف فجدول الاعمال ' او ( اجندة ) التحرك ' يحتوى على مهام حيوية وحاسمة بالنسبة لتوجه البلاد ولترسيخ خيارها الديمقراطي . ويذكر ان التساؤلات التي طرحت غذاة خطاب التاسع مارس كانت تنصب على مسالة جدولة وتدقيق المسار الزمني لاتجاز الاصلاحات المعلنة والمهام المسطرة . وعلى عكس التصورات والتوقعات ' السائدة لدى جل الاطراف السياسية ' جاء الاخبار الذي قدمه السيد المعتصم للاحزاب السياسية ليطرح جدولة مثيرة لكثير من التردد والتخمين وربما الارتباك . فحسب ما نقل عن اجتماع المستشار الملكي مع قادة الاحزاب والنقابات فان مسودة الدستور ستكون جاهزة في مطلع الشهر المقبل وان الاستفتاء بشانها يمكن ان ينظم في اواخر نفس الشهر ' على ان يكون ذلك متبوعا بالانتخابات التشريعية السابقة لاوانها خلال الاسبوع الاول من شهر اكتوبر القادم . وبطبيعة الحال فان جدولة الاعمال وتدقيق المواعيد والالنزامات ميزة حسنة وعلامة الاشتغال المعصرنة . لكن المهام المتضمنة في جدول اعمال الساعة لا تنحصر في الاستفتاء والتشريعيات لان للاستفتاء تفرعاته وللتشريعيات تبعاتها ومرادفاتها ' ومنها ما يتعلق بالقوانين الانتخابية ' ومراجعة قانون الاحزاب ' والبت في مسودة الجهوية ' ومسالة تمثيلية المهاجرين ' الى غير ذلك من الوثائق والتشريعات التي هي الان مثار نقاش وجدال في الاوساط السياسية والاعلامية . من هنا تفهم حالة الارتباك وردود الفعل التي اثارتها او قد تثيرها الاجندة المقترحة لشهر جوان واكتوبر ' سيما وان الموضوع في شموليته وفي جوهره يتعلق بطفرة نوعية كبرى يقبل عليها المغرب في ظرفية تستدعي الكثير من الحذر واليقظة والجراة في الان ذاته . ان الدينامية السياسية وما سمي بالحركة الشبابية اكتسبت ما اكتسبت من اشعاع لكونها ' بالاساس' عبرت عمليا وفي الشارع عن حاجة موضوعية في تسريع بلورة الجيل الجديد من الاصلاحات . ومن حيث تجمعها معروف الان التيارات والمجموعات التي تتقمص الوجه الفبرايري وتتحرك خلف الستار باسم الحركة . وبتناغم مع الحاجة الموضوعية ' المعبر عنها منذ زمن سابق ' يكون من المهم بالفعل ان يكون السباق السياسي بالوتيرة المتجاوبة مع تطلعات الشعب . ولكن في نفس الوقت بالوتيرة التي توفر شروط الجودة والمتانة والجدية لكل خطوة نخطوها على طريق الاصلاحات السياسية والمؤسساتية والدستورية . فمثلا ' وقبل التشريعيات ' من المهم ان يتم اقرار التدابير السياسية والقانونية التي تعطي الاطمئنان على سلامة العملية الانتخابية ' ومحاصرة اموال المفسدين ' وتحديد نمط الاقتراع الناجع . ومن الضروري ايضا ان تاتي هذه الاصلاحات بما يعالج ويضع حدا لاعطاب ومهازل تدبير الشان المحلي ' وهناك كذلك الاضافات والتعديلات التي تخص وثيقة الجهوية . هذه القضايا وبمنطق السعي الى الجودة تجعل البعض من المتتبعين يحذرون من الخضوع ل (اكراهات) الزمن والسرعة الارتجالية . وبالرغم من ان الوثيقة الدسنورية تبقى مجرد زاوية من زوايا الاصلاحات الجديدة فان اهميتها تفترض ان يذهب الحوار السياسي الى مداه وان يتعمق النقاش مع المنظمات الجادة بخصوص الاقتراحات التي تقدمت بها . وبالاضافة الى جعل الحوار بين الاطراف السياسية منتجا فان للحوار اهميته داخل كل طرف طرف بما يعني جعل مضمون الاقتراحات النهائية للاحزاب القائمة معبرة عن اراء ومواقف مناضليها واطرها وليس فقط الدائرة الضيقة للمكاتب السياسية . من جانب اخر ' وبغض الطرف عن اهمية الاقتراحات والتصورات ' لابد من ملاحظة نوع من (الرخاوة) اوحالة التيه والغموض التي تطبع المشهد الحزبي والسياسي ' بما في ذلك بعض التقاطعات والتحالفات الغريبة التي يلتقي فيها التطرف اليساري مع اقصي اليمين الفاشي . وبمقابل ما يراه البعض (( حالة ثورية)) تنشغل الاطراف السياسية الساعية لانجاح مسار البناء الديمقراطي الملموس بما تجابهه من اشكالات التنظيم والتاطير والاشعاع ' ويبدو ان هناك ' من داخل هذه الاحزاب ' من يري بان الظرفية ومعطياتها السياسية لا تقبل التردد والرهانات الفارغة 'وان الحرص على انجاح وانجاز مهام جدول الاعمال المطروح ' بالكيفية التي تقدم المغرب ' تستوجب التحلي بالمبادرة وبالجراة المفروضة في خطابها السياسي وفي الممارسة الميدانية . وعلاوة على الاداء الذاتي لكل حزب ' ربما يطرح الان ماهو الفعل الجماعي تجاه المهام والقضايا المطروحة بهذه العجالة ' وهل ذلك ممكن ولو في اطار محدود الذي لا يصل الى أي نوع من التحالف او الجبهة او ائتلاف. جواب من الاجوبة الممكنة يقول بان الامر قد لا يكون اختياريا وبان نوع من التنسيق والمبادرات المشتركة امر ممكن بين القوى السياسية والاجتماعية العريضة ' وان من اسس هذه الامكانبة وعناصرها الموضوعية : الثوابت الوطنية ' تداخل وكثافة القضايا المطروحة ' طبيعة الاستفتاء الدستوري ' التحديات الخارجية والجهوية ' التحولات الايجابية في الحقل النقابي (ا م ش)' تاكد استمرار الخطر الارهابي .