بعد مرور عشر سنوات على رحيل "أديب نوبل" المصري الشهير نجيب محفوظ، لا تزال روح فنه وعبق رواياته تتجددان وتغوصان في الجوانب الاجتماعية والسياسية والدينية لبلاده. توفي الأديب الراحل قبل عشر سنوات تاركا وراءه إرثا كبيرا من أكثر من أربعين عملا، ترجمت إلى عشرات اللغات وتم تحويل بعضها إلى أفلام سينمائية، ولا يزال أسلوبه وأدبه القصصي محط أنظار الدارسين والباحثين. ويؤكد صديق محفوظ الكاتب المسرحي البارز والشاعر محمد سلماوي أنه "أديب عالمي، مثل شكسبير وجوته. هناك بعض الحائزين على جائزة نوبل ولكن لا أحد يقرأ أعمالهم، إلا أن الوضع مع محفوظ مختلف، فلا تزال أعماله تترجم وتنشر طبعات جديدة منها". وحصل محفوظ (11 دجنبر 1911 - 30 غشت 2006) على جائزة نوبل للآداب عام 1988، ليصبح بذلك الكاتب العربي الوحيد الذي يفوز بهذه الجائزة، حتى الآن. وفي تعليقها على أعماله، قالت مؤسسة نوبل إن "أعماله متنوعة، واقعية في بعض الأحيان وغامضة في أحيان أخرى، إلى درجة أنها تنطبق على البشرية كلها". ويرى سلماوي، الذي كان بمثابة اليد اليمنى لمحفوظ خلال السنوات الأخيرة من حياته، أن هناك مراحل عدة في إنتاجه الأدبي الغزير، من الأعمال التاريخية إلى "الواقعية" في كتابه الشهير "الثلاثية" الذي صدر أواخر الخمسينات مرورا ب"الرمزية" في "أولاد حارتنا" عام 1959. وأكد سلماوي، مؤلف كتاب "أجنحة الفراشة" في 2013 الرئيس السابق لاتحاد كتاب مصر الذي قرأ نيابة عن محفوظ كلمته خلال حفل جائزة نوبل، أن محفوظ "كان قادرا على فتح آفاق جديدة للأدب العربي". ولم يمثله سلماوي فقط في تلك المناسبة، لكنه تحول إلى قلم للأديب الراحل؛ حيث أملى عليه محفوظ عمله الأخير "السماء السابعة" في 2005. وعلى مدار 12 عاما، نشرت اللقاءات الأسبوعية بين محفوظ وسلماوي لتحل محل الأعمدة التي كان يكتبها الأديب لجريدة الأهرام، قبل أن يتعرض لمحاولة اغتيال عام 1994 تركت يده اليمنى شبه مشلولة. كان الأديب العالمي قد تعرض للتهديد بالقتل من قبل التنظيم المتطرف "الجماعة الإسلامية"، قبل أن يتعرض لمحاولة اغتيال على يد أحد المتطرفين بسبب نشره لرواية "أولاد حارتنا". وكانت الرواية تصنف على أنها من الأعمال المسيئة للإسلام بسبب تناولها الذات الإلهية والأنبياء بجرأة شديدة، وعلى إثر ذلك تم منع نشرها في مصر على مدار عدة عقود. وذكر صديقه المقرب أنه "لم يغير من أفكاره على الرغم من التهديدات التي تعرض لها. لقد كان رجلا قويا، يتأمل في كل نواحي الحياة: الدين والسياسة والمجتمع والحب". ويؤكد سلماوي أن أكثر ما كان يميز شخصيته أنه كان "إنسانا عظيما"، بالإضافة إلى أنه كان "ذكيا، متواضعا، متسامحا ويتمتع بروح الدعابة". وترجع تلك الصفات إلى أصوله المتواضعة في حي الجمالية الشعبي بالقاهرة. وتتكون الثلاثية الشهيرة من "بين القصرين" في 1956 و"قصر الشوق" في 1957 و"السكرية" في 1957، وتشكل جزءا هاما من المخيلة الجماعية للمصريين بكافة مستوياتهم التعليمية، حتى غير المتعلمين منهم، ما جعلها تتحول إلى عمل سينمائي وعمل تلفزيوني شهير. وفي تعليقها على الثلاثية، قالت شيماء مجدي، أستاذة بجامعة الأزهر باحثة في أدب نجيب محفوظ، إن أجيالا "تربت عليها". ومع ذلك، تميل مجدي إلى "زقاق المدق" في 1947، التي قدمها المخرج المكسيكي خورخي فونس تحت اسم "زقاق المعجزات"، بطولة النجمة ذات الأصول اللبنانية سلمى حايك، بالإضافة إلى العمل الأدبي المتميز "ميرامار" في 1967. وترى مجدي أن محفوظ "يولي اهتماما كبيرا بالتفاصيل" في أعماله، ويقدم "مزيجا من اللغة العربية الفصحى واللهجة المصرية"، و"يفتح نافذة جديدة على عصر آخر".. وكل ذلك أفضى إلى حصول محفوظ على جائزة الدولة المصرية وقلادة النيل، وهي أعلى الأوسمة في بلده. ومن المنتظر أن تعقد الدولة المصرية ندوة أدبية كبرى تكريما لذكرى "أبو الرواية المصرية الحديثة"، كما تخطط في الوقت نفسه لافتتاح متحف لتخليد تراثه الأدبي الكبير. * إفي