سنة 2007، وقبيل الانتخابات التشريعية، صدر كتاب للدكتور العلامة فريد الأنصاري بعنوان: "الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب"، انتقد من خلاله سياسة الحركات الإسلامية بالمغرب، وفي مقدمتها حركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية. ولما كان النقد من ابن الدار؛ ذلك أن فريد الأنصاري رحمة الله عليه كان من جنود الحركة في وقت من الأوقات، فإن النقد كان جارحا وحادا وقع على أبناء الحزب والحركة وقع الحسام المهند.. كما أنه أتى من رجل خبر الدار وعرف سواريها، وقرر الانسحاب بعد أن لاحظ التخبط المنهجي الذي باتت تعيشه؛ فلا الحركة حافظت على منهجها الدعوي، ولا الحزب استرشد في سياسته بالشريعة الإسلامية التي أعلنها مرجعية له. وسنقف في هذا المقال على ستة أخطاء وقع فيها رئيس الحكومة في سياسته الحكومية، سيرا على تصميم الكتاب سالف الذكر. الخطأ الأول: عفا الله عما سلف لما تبوأ حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى في استحقاقات 2011 التشريعية، وبصدور دستور الدولة الجديد، كان المواطن المغربي يعقد آمالا كبيرة على الحكومة بعد سلسة الشعارات التي رفعتها، من قبيل محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين. لكن، وفي سنته الأولى، صدم السيد رئيس الحكومة المواطنين بإعلانه سياسة عفا الله عما سلف؛ وهو ما أثار دهشة واستغراب وتنديد المواطنين الذين كانوا بالأمس القريب ينتظرون خيرا ممن جعلوهم على رأس الأحزاب في الانتخابات التشريعية. لم تكن تبريرات المتعاطفين مع الحزب والحكومة عامة لتلقى صدى عند عموم المواطنين؛ فلا أحد فوق القانون يا سيادة رئيس الحكومة؛ ومن نهب أموال المغاربة كان لزاما عليه أن يحاسب ويعيدها، لا أن يفترش الدرهم ويلتحف الدينار ويغادر مكتبا بإعفاء سئم أصلا المكوث فيه. وهاهي ذي وفي نهاية ولايتها تظهر ملفات فساد ما يعرف بالبرنامج الاستعجالي، فما سمعنا بمحاسبة مختلسي ملايير الدراهم، بل طالعتنا المنابر الإعلامية بإعفاءات لرؤساء أقسام ومصالح لا تسمن إعفاءاتهم ولا تغني من جوع. الخطأ الثاني: إقحام المؤسسة الملكية جاء الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش تقريعا للسيد رئيس الحكومة، الذي أخطأ توظيف المؤسسة الملكية في كثير من الأحيان... الملك كما أعلنها في خطابه ملك لجميع المغاربة، والحزب الوحيد الذي ينتمي إليه هو حزب الوطن. توالي توظيف رئيس الحكومة في كل خرجاته عبارة: "هذه حكومة جلالة الملك" تجعل المفهوم بتعبير الأصوليين من المنطوق هو أن المعارضة معارضة جلالة الملك؛ في حين أن الخطاب الملكي كان واضحا، فالملك ملك الجميع أغلبية ومعارضة، والحكومة هي حكومة عبد الإله بنكيران بحسناتها وعيوبها. الخطأ الثالث: الضحية ونظرية المؤامرة لجأ بنكيران في ولايته هاته إلى رسم صورة الضحية، رغم أنه يمثل ثاني أكبر مؤسسة في البلاد. وقد أعلن مذ تبنى سياسة عفا الله عما سلف وجود عفاريت وتماسيح تحارب سيادته وتعوق إصلاحاته وتكيد له المكائد، فأصبح الفساد يحاربه، وهو الذي أتى ليحارب الفساد.. هو خيار لم يلق ترحيبا من المواطنين؛ لأن السياسة هي حقل الأسود والأقوياء، فإن لم تكن قادرا على المجابهة، فلم الوعود والخرجات غير المحسوبة والانزواء في ركن المغلوب على أمره بعد تسلم مقاليد الحكومة. إن المواطن وهو يسلمك صوته يا سيادة رئيس الحكومة كان حالما بالهجوم، وفضح المستور، ومحاسبة المتورطين في الفساد، وتحسين وضعيته الاجتماعية، لا تعليق العجز على مشجب تماسيح وعفاريت لم ننعم حتى بمعرفة أسمائها ونحن على بعد أسابيع من نهاية ولايتكم الحكومية. الخطأ الرابع: معاناة الطبقة المتوسطة في كثير من خرجات السيد رئيس الحكومة طلب من الطبقة المتوسطة أن تصبر عليه (نتوما صبرو علي)، وفي ذلك خرق لمبدأ التعاقد الانتخابي الذي كان في حملته الانتخابية. صحيح يا سيادة رئيس الحكومة أنك ساهمت في بعض المشاريع التي مست الطبقات الهشة، لكن الذين انتخبوك ينتمون إلى مختلف الفئات والشرائح، وتعاقدت معهم على أشياء كثيرة لم يروا منها شيئا. بل لا يمكن التسليم حتى باستفادة الأسر المعوزة من البرامج الحكومية للدعم المباشر والتغطية الصحية، لما يشوب عملية الاستفادة من هاته المشاريع من شوائب واختلالات. إن الطبقة المتوسطة يا سيادة رئيس الحكومة زاد وضعها تأزما؛ فلا الترقيات فرحت بها ولا العلاوات الاستثنائية نتيجة مجهوداتها رأتها؛ بل إن إصلاح صندوق المقاصة انعكس عليها هي الأخرى سلبا ولو بنسبة أقل مقارنة بالطبقات الميسورة..أفليس للطبقة المتوسطة من الطيب نصيب يا سيدي؟ الخطأ الخامس: الائتلاف وإعادة الائتلاف يمكن أن نميز بين شخصيتين للسيد رئيس الحكومة، شخصية بنكيران قبل انسحاب حزب الاستقلال وشخصيته بعد انسحاب حزب الاستقلال. شخصية الأسد الذي رفض مقترح الأمين العام ل"حزب الميزان"، والذي دعا من خلاله إلى ضرورة إجراء تعديل حكومي لتسريع وتيرة عمل الحكومة، وشخصية الحمل الوديع الذي يضع يده في يد صلاح الدين مزوار، سوبرمان التجربة الحكومية، المنقذ المخلص من الاندحار. هذا السوبرمان الذي كان بالأمس القريب العدو اللدود، والذي نال من بنكيران نفسه سيلا من الانتقادات والاتهامات، أصبح اليوم جناحا من أجنحة الحكومة، وبالشروط التي يريد، وبعدد الحقائب التي يرتضي، بل وبنوعيتها أيضا. وسحب البساط من تحت أقدام العدالة والتنمية في وزارة الخارجية خصوصا. الخطأ السادس: إصلاح صندوق التقاعد كان طبيعيا أن يرافق سياسة عفا الله عما سلف عدم البحث عمن وراء اختلاس الصندوق المغربي للتقاعد، ومسمار آخر يدق في نعش الطبقة الشغيلة. فعلى بعد أشهر قليلة من نهاية ولايتها، مرر سيادة رئيس الحكومة قوانين إصلاح التقاعد التي سيؤدي ضريبتها شغيلون غاليا إذا لم يعد النظر فيها مع حكومة إنقاذ مقبلة. ولا ذنب للشغيلة غير أنها سددت وعملت وعلمت وتفانت، ليكون جزاؤها المساهمة الكبيرة والمؤثرة في إصلاح صندوق مختلس. نسبة الاقتطاع وقيمة التقاعد ستؤثر لا محالة على الموظف البسيط أثناء وبعد فترة العمل التي قدرت له.. لم تكن الشغيلة تنتظر هذا الكرم والجزاء الكبير من بنكيران في نهايته ولايته. كانت هاته أخطاء من بين أخرى وسمت سياسة عبد الإله الحكومية، التي مست الطبقات الشعبية والجماهير التي كانت وراء تقلد الرجل سدة الحكومة. لكن المتأمل في المشهد السياسي المغربي وسخط وغضب الطبقات الشعبية على القرارات الحكومية اللاشعبية، يجعل انتخابات السابع من أكتوبر المقبل حاملة لمجموعة من المفاجآت العقابية من الشعب المغربي لأولئك الذين خانوا الوعد ونسفوا المكتسب بعد خمس سنوات عجاف.