وجه الملك محمد السادس، في خطابه الأخير بمناسبة عيد العرش، العديد من الرسائل إلى النخبة السياسية المغربية، خصوصا مع اقتراب الانتخابات التشريعية. وهي الرسائل التي اختلفت في قراءتها الأحزاب السياسية حسب موقعها، في الأغلبية أو في المعارضة، بيد أن إشارة الملك إلى الأشخاص غير المصوتين في الانتخابات تعتبر الأولى من نوعها، مؤكدا أنه ملك للجميع، بمن فيهم هذه الفئة التي كانت بعض الأصوات السياسية ترى ضرورة فرض غرامة مالية لمقاطعتها للانتخابات. وقال الملك محمد السادس: "بصفتي الساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، فإنني لا أشارك في أي انتخاب، ولا أنتمي لأي حزب، فأنا ملك لجميع المغاربة مرشحين، وناخبين، وكذلك الذين لا يصوّتون"، وهي العبارة التي تظهر حرص الجالس على العرش على أنه "ملك لجميع المغاربة، ودقق في الأمر وذكر حتى الأشخاص غير المصوتين في الانتخابات"، بحسب محمد حفيظ، قيادي في الاشتراكي الموحد. وأكد حفيظ أن هذه العبارة "إقرار من الملك بالحق في عدم التصويت، وبأن هؤلاء مواطنون لهم كامل الحقوق"، معتبرا أن هذا الخطاب الجديد يأتي بخلاف من لا يقبلون بالأشخاص غير المصوتين، "وأيضا بخلاف الذين كانوا يصلون حد تخوين من يختار عدم التصويت على أي حزب، بل وكان الأمر يصل إلى حد اعتقال من لم يكن يصوت في الانتخابات". وخلال الانتخابات الماضية التي شهدها المغرب، كان دائما يظهر أن نسبة المشاركين أقل من نسبة المقاطعين. وقدم حفيظ المثال على ذلك بالانتخابات التشريعية لسنة 2011 التي منحت حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى؛ حيث بلغت نسبة المشاركة حوالي 45 في المائة، بينما اختار 55 في المائة من الأشخاص المسجلين في اللوائح الانتخابية عدم التصويت، دون الحديث عن الأشخاص غير المسجلين رغم أنهم ينتمون للكتلة الناخبة في المغرب، "والخطاب يظهر أن الملك يأخذ بعين الاعتبار نسبة المشاركة في الانتخابات. كما أن الأشخاص الذين قاموا بالتسجيل في اللوائح الانتخابية طواعية ولم يصوتوا، يعني أنهم أبدوا اهتماما بالعملية السياسية والانتخابية ولكنهم قرروا عدم التصويت عن سبق تفكير وتدبر". وشدد حفيظ على أن الكتلة الكبيرة من المغاربة الذين لا يصوتون، "تجعل الحديث عن قوة سياسية تحتكر شرعية التمثيل الانتخابي غير واردة، وذلك مقابل الملك الذي هو بشرعية ملك لجميع المغاربة"، لافتا إلى أن هناك 31 حزبا يتنافسون على جزء من الناخبين. وخلص حفيظ إلى أن ارتفاع نسبة المقاطعين للانتخابات في المغرب، مقارنة مع المصوتين، تفيد بأنه "لا يمكن لأي حزب مهما كانت قوته السياسية، أن يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الملك"، موردا أن إشارة الملك إلى أنه "ملك لجميع المغاربة تعتبر ردا على السياسيين الذين يحاولون إقحام شخص الملك في الصراعات الحزبية". من جهته اعتبر المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي أن حديث الملك عن غير المصوتين في خطابه "يعتبر توجها ليبراليا محمودا"، معبرا عن أمله بأن يترجمه رجال السلطة في تعاملهم مع الأشخاص الذين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات، "لأنه دائما ما يتم تعنيفهم، ومنهم من تعرض للاعتقال والمحاكمة". وعبّر النويضي عن "ارتياحه" لهذا الموقف "الذي يدخل في صميم حقوق الإنسان، لأن المقاطعة هي اختيار حر ما دامت بعيدة عن العنف أو التحريض عليه"، معتبرا أن الشخص المقاطع للانتخابات هو مواطن له كامل الحقوق تماما كما المصوت، "وكما أن الشخص الذي اختار التصويت له أسبابه، فإن المقاطع له أسبابه العديدة التي تدفعه إلى تبني هذا الموقف". وشدد الحقوقي المغربي على أن المشكل ليس في المقاطعة، "وإنما في أن يتم التلاعب بالانتخابات، لأنه لو حصل هذا الأمر فالأكيد أن نسبة العزوف سترتفع وستشكل ضربة للمؤسسات. ولتشجيع المشاركة في الانتخابات، فإن الرهان هو أن تكون نزيهة".