من كثرة الفتاوى الشاذة التي دأب الشيخ عبد الباري الزمزمي ان يصدرها بين الفينة والاخرى ،استحق ان تصنف فتاويه ضمن اطار معين خاصة انها ليست المرة الاولى التي يفتي فيه شيء غريب وكل فتوى تأتي تكون اغرب من التي قبلها ،لذلك يستحق ونظرا لتفرده بهذه الفتاوى التي تعود بنا الى عصور الانحطاط حيث لم يجد بعض الفقهاء ما يشتغلون عليه فبدأوا يشتغلون على الاحتمالات والافتراضات والسؤال عن بعض الامور الغريبة التي كانت انداك مقبولة نظرا للجهل بالعلوم الطبيعية فتجد افكارا غريبة وفتاوى يستطيع أي تلميذ في القسم الاعدادي ان يردها دونما حاجة الى التبحر في علوم الحديث و الفقه .لقد انشغل الفقهاء بتلك الامور وتركوا الامور الهامة للأنظمة الاستبدادية فانتجوا لنا فقها جامدا محنطا يبحث عن توظيف النصوص الدينية وبشكل ميكانيكي .فتم حبس الفقه في بعض الاحكام الشكلية ،فما كان موافقا لها فهو مباح بغض النظر عن حيثياته وعن الظروف المحيطة به حتى صار الفقه كله مجرد شكليات كلما توفرت صار الحكم جاهزا إما بالتحليل أو بالتحريم . وصاحب هذا الفتاوى النيرة ركب موجة السياسة من خلال منبر الخطابة في المسجد وتمكن من خلال مريديه أن يصل الى قبة البرلمان والذي لم نسمع له صوتا ولا أثرا مند أن دخله فلا قدم للسياسة شيء ولا للدين شيء، بل خسر منبر الجمعة التي كان يؤمها ، فكانت الخسارة خسارتين، خسارة السياسة وخسارة الدين. والشي الوحيد الذي ربحه هو ذلك التقاعد المريح الذي كفاه عناء شظف العيش الذي يعانيه العلماء الربانيون. لقد حاولت أن أفسر هاته الخرجات الاعلامية للشيخ الجليل ، ولم أجد لها تفسيرا غير اثارة الانتباه، حيث لم يبقى له غير صحافة الفضائح والجنس لتأكيد حضوره في الساحة ،بعد أن خسر عموده وفتاواه في بعض الجرائد وخسر مسجده أيضا، وليس التوقيت أيضا بريئا حيث هذه الايام تركز الحديث عن شيوخ السلفية كالفزازي والمغراوي وغيرهم فاراد صاحبنا أن يجلب اليه الانظار من خلال هذه الفتوى الغريبة. فموضوع الفتوى لا يشكل في حد ذاته حاجة ملحة يسأل عنها الناس وتعرقل حياتهم. فالفقه يجب أن يساير حاجات الناس الملحة ومستجدات الحياة من أجل ايجاد المخارج الشرعية لها فيما له علاقة بدينهم . لكن الشيخ وبوعي منه يعلم أن الامر هنا غير متعلق بما هو مباح من عدمه ،وإنما بالسياق ففي الوقت الذي تناقش فيه قضايا علاقة الدين بالسياسة وامارة المؤمنين ،اختار الرجوع الى الوراء نحو الارث الفقهي في عصر التخلف والانحطاط ،فقه تغيب عنه الروح والحركية، فقه جامد يناقش من منظور واحد و من زاوية واحدة لعدة اعتبارات : سياق النازلة :اي موقف هذا الذي سيفكر فيه الزوج في الجماع بعد فقدانه شريكة حياته ،كيف يستقيم ان يتم اختصار العلاقة الزوجية التي تتسم بالسكينة والرحمة في مجرد اشباع رغبة جامحة ،حتى الطيور والحيوانات تحزن على فقدانها من تحب، هل يمكن لإنسان عاقل محب لزوجته ان يقبل على هذا السلوك الذي قد يكون مباحا "فقها" لكنه غير مستساغ منطقا وانسانية ،لان اسمى درجات حب الزوج لزوجته هو اكرامها والدعاء لها والصلاة عليها وتغسيلها وكفنها والتعجيل بدفنها بدليل السنة والقرأن، هذا ما يعبر عن الحب وليس ممارسة نزوة في موقف يقتضي نسيان كل شيء والتفكير في هذا المصير الذي ينتظر الجميع . مفهوم عقد الزواج :اتضح من كلام الشيخ أن في الزواج طرف واحد مهيمن ومسيطر وهو من يمتلك سلطة فعل أي شيء دون أخد بعين الاعتبار الطرف الثاني والذي تمثله المرأة وهو بلا شك أعتمد على أحاديث ضعيفة وتأولها في هذا السياق و جعل المرأة في درجة الدونية في عقد الزواج وحتى في الممارسة الجنسية ايضا. والتي عليها الاستجابة لرغبة الزوج تحت طائلة لعنة الله، بمعنى اختصار المرأة في المتاع لا اقل ولا اكثر .وهذا مخالف للقران الكريم الذي يشترط الرضا في عقد الزواج والذي وصفه بالميثاق الغليظ ، وهو من العقود الرضائية التي لابد من إرادتين متساويتين ، فبموت الطرف الثاني في العقد أو عجزه تنتفي الارادة ولا يحتاج ذلك للبحث في كتب الحديث لان الامر لا يحتاج الى برهان ودليل وهذا ما يتناقض مع بعض ما قاله عن عدم جواز بعض الممارسات إلا إذا كان ذلك برضى الزوجة ، وكيف لهذا التراضي أن يكون مع جثة . مفهوم العلاقة الزوجية: يحاول شيخنا الجليل ان يختصر العلاقة الزوجية في ممارسة الجنس لا اقل ولا اكثر ،بل حتى مفهوم الجنس نفسه يختصره في مجرد حركات ميكانيكية كأي ممارسة الجنس مع صخرة أو الة وهذا ما ذهب اليه ايضا في أحدى فتاويه السابقة اجاز فيها "نكاح الدمى. وحتى لو افترضنا معه وبنفس منطقه ان للزوج رغبة في ذلك فهدا يفترض أن يكون هناك مانع حال بين الزوج وقضاء وطره من زوجته وهذا المانع إن كان موجودا اثناء حياتها فلا شك بعد الممات يصير أكثر حضورا. وإن كان المانع زمنيا وحصل اللقاء بعد طول غياب ثم حضرت الوفاة فجأة فهول الصدمة ستكون أشد وربما تحدث لدى الزوج انهيارا عصبيا تجعل من الامر مستحيلا . الاعتبارات النفسية: ليس من السهل تصور شخص يمسك بين يديه شريكة حياته وهي تفارق الحياة ان يواصل ممارسة الجنس معها ،لان الامر يتعلق بتجاوب الطرف الثاني ومبادلته للدفء العاطفي الذي تتطلبه العملية ، فهدا الدفء سيضعف لدى الطرفين إلا أن يكون الطرف الاخر في حالة سكر او مخدر و فاقد للوعي ولهذه النازلة حكم اخر . الاعتبارات الطبية :فبعد الوفاة مباشرة تبدأ الجثة بالتحلل وتقفد حرارتها وتتصلب حتى انه يصعب بعد مدة تقويم بعض الاعضاء لذلك يبادر الحاضرون اثناء الوفاة الى جمع الساقين واغلاق الاعين وتتثبت الايدي حتى تبقى الجثة مستقيمة تيسر الكفن الدفن. الاعتبارات الانسانية: ان حرمة الانسان قدسها الاسلام أيما تقديس ، فحرم نبش القبور ، والتمثيل بالجثث ،لأنها فقدت حرية الدفاع عن النفس. لذلك لابد من ضمان حقها ، وهكذا فحرمة الجثة وملكيتها لم تعد تخص الزوج ، وبمجرد مغادرة الروح للجسد انتقلت الملكية الى صاحبها الاصلي فتسقط بذلك كل الحقوق ، حقوق الزوج والاولاد وغيرهم وتحضر حقوق الله التي حددها سلفا من إرث أو وصية .وهكذا فحق الانسان الميت مكفول من الله ولا يمتلك أي شخص انتهاكه ،وهذا المبدأ اتفقت عليه جميع المواثيق الانسانية ومبادئ الفطرة السليمة . أي تصرف هذا الذي يحاول الفقيه أن يبرره للناس كأن هناك معضلة تحتاج منه الى فتوى والناس مضطرون الى جماع الجثث . بأي ميزان يقيس الزمزمي الامور، ربما بميزان فقه السواقط عوض فقه النوازل .إن الإسلام و لله الحمد دين القيم الإنسانية النبيلة وليس دين الكبث وانتهاك حرمات الموتى وليس دين الاغتصاب لان ممارسة الجنس على الجثة بدون رضاها لا يمكن تصنيفه الا في دائرة الاغتصاب وأي اغتصاب .والعلاقة مع المرأة ليست علاقة جنس فقط وانما هي السكينة والمودة والرحمة وما يعتبره الشيخ مباحا لا يمت لتلك القيم بصلة . ان هذا النموذج من الفتاوى يفسح المجال للكثيرين للجرأة على العلماء والتقليل من شأنهم كمثل الرجل الوقور الذي كان دائما يمر على أولاد يلعبون وعندما يرونه يتوقفون عن اللعب حتى يمر احتراما له ، فاراد ان يعرف قيمته عندهم فافسد لعبتهم، فلم يكن أمامهم سوى مهاجمته بالحجارة ، ولم يكن أحد ليلومهم بل لام الشيخ الوقور نفسه وأستخلص العبرة انه بقدر ما تحترم نفسك يحترمك الاخرون . المغاربة اليوم ليسوا في حاجة الى فتاوى تبيح لهم ممارسة الجنس مع الجثث، ولا مع الدمى و لا إباحة الرضاعة بين الموظفين ،لان هذا لا يشكل حاجة ماسة لديهم و الاسلام أوسع مما يريد صاحبنا أن يبين لنا وارحم مما يريد ان يثبت لنا ورحمة الله وغفرانه أعظم من معصية خاف الشيخ على الناس الوقوع فيها لكنه افتى بما هو أعظم منها فرب معصية أهون عند الله من فتوى الشيخ الجليل. كان على الشيخ الجليل ان يتفرغ كالجميع للإفتاء حول الاصلاح والدستور ومسائل البيعة ومحاسبة أولي الامر وحكم التسلط باسم الدين والافتاء حول الرشاوي وبيع الاطفال الرضع وشراء المناصب ، لكنه في هذا كله لا يرى غير جواز حج البرلمانيين بأموال الشعب، ولا يرى مانعا في اخد الراتب عن تمثيل الناس في البرلمان حتى ولو كان ذلك دون عمل حقيقي يؤديه النواب وهو واحد منهم . لو افتى الشيخ المحترم حول إحراق الجثث أو "حريق" الجثث وهي ظواهر كثيرة يشهدها المغرب والعالم باسره لقلنا انه متفاعل مع احتياجات العصر ، فألاف الجثث تحرق يوميا على شواطئ تونس وليبيا والمغرب .لو تكلم عن سجن الجثث واختطافها لقدرنا موقفه ايضا فكم من أحياء تحولوا الى جثث وكم من أحياء اختطفوا وعذبوا وانتزعت ارواحهم وأهينت كرامتهم الا يستحقون فتوى . انه فقه النوازل التي كلما اردنا ان نتخلص من ثقافة عصور الانحطاط هناك من يحب ان يرجعنا الى نقاش كروية الارض وعن وعدم وطء الحائض حتى لا يأتي الولد احول ،وعن حجب الشياطين والجن للشمس اثناء الكسوف الخ ...، رحم الله الامام مالك الذي كان يسأل مائة سؤال فكان جوابه في الغالب "لا ادري" ،عكس هؤلاء الذين يجيبون على أسئلة لم يسألوها انها زمزميات القرن الواحد والعشرين التي تستحق ان تدخل كتاب غينس للفتاوى الشاذة.