منذ مدة والكتابة في هذا الموضوع تشغلني ، نظرا لأهمية الموضوع والعلاقة التي تربط بين جميع مكوناته، وكان الدافع الأول لإثارته هو الترابط البنيوي لكل من التربية والصحافة وتدريب النشئ على تحري الحقيقة منذ الصغر، أما الدافع الثاني وبكل صراحة إحدى الوقائع التي جرت أمام عيني مند مدة بالملتقى الدولي للفلاحة بمكناس عندما أعطى عميد شرطة أمره بتدوين بعض المخالفات لبعض السيارات التي كانت راكنة في جهة غير مسموح بها قانونا ، والمفاجئة أن كاتبا صحفيا بإحدى الجرائد الإلكترونية قال بصريح العبارة لرجل الأمن – دير شغلك ونديرشغلي- لأنه رفض أداء الغرامة في الأول ،أثارتني هذه القضية عندما وجدت تلك الجريدة الإلكترونية صباح اليوم التالي كتبت ما ليس له علاقة بالواقعة وأضافت تهما باطلة ، ضد رجل الأمن الذي أعطى أوامره في ظل القانون لكي لا يقع اختناق مروري ، فإذا كان كل واحد منا يرى القضية بعينه الواحدة ويخيطها حسب مقاسه الفكري لإرضاء نزواته سنظل الطريق الصحيح الذي خلقنا من أجل إصلاحه وإغنائه ، وستذهب جميع الإصلاحات مهب الريح . تلعب التربية دورا مهما في حياة الفرد والمجتمع ، والمدرسة هي الآلية الإنتاجية التي تساهم في تكوين الفرد وتعلمه انطلاقا من برامج ومناهج مختلفة تراعي الجانب الاجتماعي والمعرفي والحس حركي من شخصيته ، وهي مؤسسة تضطلع بعدة وظائف كالتخطيط والتنظيم والمراقبة والتقويم ، في ظلها يكون التلميذ بمثابة المادة الخام أما الموارد البشرية والمادية بمثابة وسائل للتوجيه والإرشاد ويبقى هدفها الأساس تكوين شخصيات متعلمة ترقى إلى تحمل المسؤولية في المستقبل . إن الصحافة هي مجموع الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة التي تنتج وتعالج وتنشر الخبر، وتستمد الصحافة أخبارها من وكالات الأنباء، التي هي عبارة عن مؤسسات تقوم بجمع المعلومات وتخزينها وتوزيعها مثل وكالة المغرب العربي للأنباء. فإذا كان هذا هو تعريفها، ما علينا إلا ربط موضوعنا بالنازلة السابقة ونتيح الفرصة قليلا للتفكير في دور الصحافة كجهاز له رسالة سامية في كشف السلبيات وإعلام المواطنين بما يجري من أحداث ( بعيدا عن تلفيق التهم) ، والمساهمة في طرح الحلول لمشاكل المجتمع ( بعيدا عن زعزعة أنظمة البلدان وإثارة الفتن)، و التعبير عن آلام وهموم الأفراد في المجتمع( بعيدا عن تحقيق المكاسب واستغلال المحن)، وهي الصوت الحر والقناة الرئيسية بين المواطنين المسؤولين الذين يستطيعون من خلال ما ينشر تقويم خططهم بما يحقق مصلحة الجميع ،( لا المصلحة الشخصية التي تقول أنا والطوفان من بعدي). فإذا كان هذا دورها - الصحافة- فلماذا نخفق أحيانا وندع أهواءنا المادية تسيطر علينا ؟ ولا ننظر إلى الحقيقية من جميع جوانبها ونغض الطرف عن الهدف الأسمى لها ونطبق المبدأ (الشعبي إما معنا أو ضدنا) في حين أن واجبها التنويري يفرض علينا قول الحقيقة والنظر إليها بعين الإنصاف ، ومن خلالها سنساهم في إرساء قاعدة متينة تعتمد نشر المبادئ العامة والهادفة إلى الإصلاح. لأن الحقيقة واقع وإرساء مبادئها أمر لا مفر منه يبقى على عاتق المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام. فكيف يمكن لنا إرساء مبادئ تحري الحقيقة في جميع الأمور ؟ كلنا نعلم أن الفرد اليوم أصبح يميل إلى ما يسمى بالاستهلاكية في جميع الشؤون ، ولا يحبذ استغلال مواهبه خصوصا منها استعداداته الفكرية وتصوراته الذهنية والتي من مميزاتها الذكاء الذي يتسم صاحبه بالتصور والتخيل والتمتع بشخصية منفتحة تتقبل جميع الأفكار ، وتهدف إلى إرساء مبدأ التشاور والحوار، واحترام المبادئ الكونية والقيم ، ونشر ثقافة التسامح والإتحاد والاتفاق ، والإيمان بالسلام العالمي ، وتعزيز دور المرأة في المجتمع . من منا ينكر دور التربية في غرس الكمالات جميعها منذ نعومة الأظافر ، وهي سبب رئيس يساهم في تعلم مبادئ تحري الحقيقة أولا والجهر بها ثانيا في حدود المعقول ، وهي حقيقة لا يمكن نكرانها، لأننا عندما نحلل الواقع الحالي نجد سيطرة المثل القائل "من شب على شيء شاب عليه" . قد تكون النتيجة عكسية إذا كان دور التربية يخالف أهداف الصحافة، بالطبع سيعيش " المتلقي" للخبر تناقض التحليل، وبالتالي سيفقد الثقة في وسائل الإعلام كشريك أساسي في البناء والإصلاح. إن التنافس بين وسائل الإعلام الإخبارية لتقديم أفضل الخدمات لزبنائها قد جعلها تتسابق في ابتداع الأساليب الحديثة التي تجذب اهتمام الجمهور بمادتها الشفافة. إن العمل الصحفي ككل فن يعتمد على الذوق السليم المبدع والموهبة الفطرية مقرونا بالثقافة الواسعة ، إذا ما اقترن بنشر الحقيقية وتوحيدها بين جميع المؤسسات، وأدرك كل واحد منا أننا سواسية أمام القانون الذي جاء فقط لينظم العلاقة بين الأفراد والأفراد ثم بين الأفراد والمؤسسات . هذه العلاقة التي تربط بين هاتين المؤسستين وطيدة (الصحافة – التربية) رغم أن التربية تندرج داخل إطارين اثنين إما أسري أو تعليمي ، إلا أن دور الصحافة يبقى له تأثير كبير على المتلقي ، خصوصا ما وصل إليه العالم الحديث من ترقي في ميدان التكنولوجيا والاتصالات ، وما قد تزرعه المدرسة أو الأسرة في الشخص منذ سنين ، قد تهدمه وسائل الإعلام في دقيقة ، وهي حقيقة لابد أن نعترف بها أولا ونأخذها بعين الحسبان ثانيا ، إن تعليم الأبناء كيفية تحري الأمور في جميع الشؤون واجب وضروري يساهم في بناء التصورات والتخيل لدى الطفل ، ويساعده على إدراك الحقائق والتفكير داخل نسق منطقي لا يقبل التأويل ، ومسؤولية تحقيق هذا كله تبقى على عاتق الأسرة والمدرسة والصحافة الحقيقية بما تحمل الكلمة من معنى.