عند بداية الحراك السياسي الشعبي بمختلف الدول العربية انطلاقا من تونس مرورا بمصر و وصولا للبيا و اليمن و سوريا و غيرهم ،انفجر في المغرب نقاش كبير اختلف فيه المتدخلون بين قائل بكون الثورات العربية ستصل المغرب لا محالة ،وبين قائل بان المغرب بلد استثناء في العالم العربي لكونه أطلق قطار الديمقراطية و التنمية مند بداية عهد التناوب . فهل المغرب بلد استثناء ؟ ماهي انعكاسات الثورات العربية على مسلسل الإصلاحات في المغرب؟ وهل يمكن أن يتفوق الفكر الإصلاحي على الفكر الثوري بالمغرب؟ إن انطلاق شرارة الثورة بتونس جاء نتيجة سياسة اقتصادية فاشلة جعلت فئات اجتماعية كبيرة تعيش الفقر و التهميش و كبت الحريات ،خلقت طبقة سياسية فاسدة تعمل على مراكمة الثروات ونهب خيرات البلد كما خلقت نظاما سياسيا به سلطا متداخلة فيما بينها يتحكم فيها أشخاص معدودون غالبا ما يكون الرئيس و من يدور بفلكه ،وهذه الطبقة السياسية تكون مستعدة للتضحية بكل شئ مقابل الحفاظ على السلطة ،فكل من يحاول مناقشة الحاكم و زبانيته يكون مصيره أنواع السجون المتعددة أو المنفى أو التخوين و غيرها من الأساليب .وهذه الصورة يمكن تعميمها على مختلف البلدان العربية . وفي ضل هذا الوضع و نظرا للضغط الكبير الذي أصبح يعيشه المواطن العربي فانه كان مستعدا للانفجار في كل لحظة و حين و كان ينتظر فقط نقطة الانطلاقة التي أعطتها تلك الشرطية على خد المواطن البسيط محمد البوعزيزي و تمت ترجمتها بعملية إحراق لذات كان نتيجتها نهاية أنظمة استنفدت كل مشروعيتها و تأكد بالملموس أنها كانت قائمة بلا سند شرعي يحميها . لكن الوضع مختلف بالمغرب، فبالرغم من كونه يعيش وضعية اجتماعية و اقتصادية صعبة مشابهة لباقي دول العالم العربي وبالرغم من كون الفساد أصبح ركنا من ركن الحياة العامة ببلادنا إلا أن تميز المغرب جاء من خلال رد الفعل المباشر لملك البلاد على مطالب الشباب المغربي خاصة والشعب المغربي عامة . فمباشرة بعد المسيرات الحاشدة التي دعا إليها بعض لشباب على المواقع الاجتماعية في 20 فبراير و التي كانت شعاراتها واضحة و طالبت بإسقاط الفساد بكل أنواعه كما طالبت برحيل المفسدين و سمتهم بالاسم، كما طالبت بإصلاحات سياسية ودستورية شاملة تكون فيها اختصاصات كل المؤسسات الدستورية واضحة ومحددة من أعلها هرم السلطة إلى أسفلها، كما يكون فيها فصلا حقيقيا بين السلط حتى تعود الهيبة إلى كل مؤسسة على حدة و بالتالي تعود ثقة المواطن بالمؤسسات . وطالبت الحركة كذلك بإصلاحات اقتصادية في العمق حيث يتم قطع مع اقتصاد الريع و الكف عن نهب ثروات البلاد من طرف فئة قليلة محظوظة بينما السواد الأعظم من الشعب يعيش الفقر و التهميش و البطالة ،.فلم يعد هناك مجال للجمع بين الثروة و السلطة. فالثروة يجب أن يكون الطريق إليها واضحا فهي تأتي بالعمل و الاستثمار و الاستغلال الأمثل للثروات فلا يمكن إثراء أطراف أو أشخاص بمجرد حصو لهم على رخص لاستغلال مرفق أو مصلحة أو مصدر من مصادر الثروة التي هي في الأصل ملك لكل الشعب بل يجب أن يفتح الباب لمنافسة الاقتصادية الشريفة التي تحرصها الدولة بعينها التي لا تنام التي هي القضاء. ولتحقيق المنافسة الشريفة بين الفاعلين على الدولة أن تفعل آليات المراقبة فتقارير المجالس الجهوية و المجلس الأعلى للحسابات يجب أن يتم احدها بعين الاعتبار و إحالة المخالفين و المرتشين وناهبي المال العام على القضاء، هذا الأخير الذي يجمع الجميع على انه مريض مرضا عضال و تنخره جميع أنواع الفساد فلا يمكن أن يصلح حال بلد إلا إذا كان قضائه حرا و نزيها ، فانعدام الثقة في القضاء تؤدي حتما إلى انعدام الثقة في كل المؤسسات وبقضاء على شاكلة قضائنا لا يمكن لقطار التنمية أن يسير إلا بشفائه من مرضه بتمتعه باستقلالية مطلقة عن الجهاز التنفيذي وجعله بعيدا عن أي توجيه سياسي و عن أي ضغط مهما كان مصدره . أما الحياة السياسية بالمغرب فقد افتقدت وهجها و أصبح النفور منها وعدم الاهتمام بها هو سلوك المواطن ففي كل محطة انتخابية يقل عدد المشركين وهذا السلوك لم يأتي محض الصدفة ففساد الطبقة السياسية و شيخوختها و فقدانها لتصورات واضحة للعمل وعدم الوفاء بالوعود التي تقطع عند كل استحقاق جعل المواطن يفقد الثقة في اغلب التنظيمات و الفاعلين بعد أن استبشر المواطن خيرا عند تجربة التناوب . كما أن أطرافا في الدولة حاولت السطو بشكل كلي على المشهد السياسي عن طريق تأسيس حزب اغلبي كبير جندت له كل الموارد و الإمكانيات البشرية و المادية من اجل تسهيل مهمته للسيطرة على الحياة العامة بالبلاد فكانت فكرة تأسيس هذا الحزب بمثابة المسمار الأخير الذي دق في نعش الحياة السياسية . فجاءت هذه الرجة التي أعادت الروح في العمل السياسي وخروج الشباب إلى الشارع للاحتجاج جعل الدولة تفكر في إصلاحه . و لإصلاحه لابد من تجديد النخب فلكل جيل نخبه و لكل جيل طريقته في التفكير فجيل الاستقلال ليس هو جيل الفيس بوك كما أن تدافع النخب داخل التنظيمات السياسية هو السبيل الوحيد لجعلها تعيش أطول و تجدد دمائها فلا يمكن لجيل ولد في عصر المعلوميات أن يفهم جيل الاستقلال، فنخبنا لا تغيبها إلا الموت ، و الواقع يجب أن نضع آليات دورية لتحمل المسؤولية حتى تتمكن النخب الجديدة و الشابة من تحمل الحياة السياسية و مسئولية الشأن العام خاصة أن الأجيال الحالية هي أجيال متعلمة و يمكنها وضع آليات حديثة لتسير و التدبير متوافقة مع العصر الحالي . كما أن طريقة الوصول إلى مناصب المسؤولية في البرلمان و المجالس المنتخبة لا تتم عن طريق الاقتراع فقط، فالبر غم من كون الجميع يجمع على أن السلطة لم تعد تتدخل بشكل مباشر في نتائج الانتخابات إلا أن عوامل أخرى لازالت تؤثر في نزهاتها أهمها المال الحرام و استغلال النفوذ. كما أن المشهد السياسي بالبلاد عرف مسلسلا للتيئيس جعل المواطن يبتعد بشكل كلي ليس فقط عن ممارسة العمل السياسي و لكن يبتعد عن مجرد التفكير فيه، كأن كل من يمارسه هو فاسد ودخل هدا المجال فقط من اجل الاغتناء وقضاء مصالحه ومصالح اقر بائه .لذلك لا يمكن أن نصلح الحياة السياسية دون الانخراط فيها. ومن أهم معوقات التنمية ببلادنا و كما طالب بذلك شباب 20فبراير ومن قبلهم الجمعيات الحقوقية و بعض التنظيمات السياسية والنقابية تطبيق القانون و عدم الإفلات من العقاب فالمغرب لا يعيش أزمة قانون، فنستطيع الجزم أن بلادنا تتوفر على ترسانة قانونية مهمة تنظم كل المجالات بالرغم من قدم بعضها، لكن المعضلة هي أن هذه النصوص لا تطبق بشكل متكافئ بين المواطنين و في بعض الأحيان لا تطبق إلا على المواطن البسيط، فهذا الأخير هو الملزم بتأدية الضرائب في حين أن كبار المستثمرين و أصحاب النفوذ داخل السلطة لا يؤدون في غالب ما بذمتهم للدولة و قس على ذلك في جميع المجالات . كما أن كبار المجرمين وسارق المال العام و أصحاب النفوذ يستطيعون الإفلات من العقاب و بالتالي و بهذا الاختلال تفقد الدولة هبتها و تفقد القو انين قيمتها و تحل الفوضى محل القانون . فالحل هو أن الجميع سواسية أمام القانون و كل مخالف يجب أن تطاله العقوبات مهما كان موقعه ،ولكي يكون الجميع أمام القانون سواسية لابد من إرساء قواعد دستورية تجعل القانون فوق الجميع و تعطي للقاضي إمكانية تطبيقه دون الخوف من احد إلا من ضميره . إن مطالب الشارع المغربي اليوم و واضحة فهي ليست فقط مطالب فئوية قطاعية و إنما هي دستورية سياسية اجتماعية شاملة. إن المغرب قد عرف خمسة دساتير منذ الاستقلال إلى اليوم، و الدستور السادس للمملكة مطلوب منه إنتاج قواعد دستورية تفي بمطالب الشباب وكذلك توضح اختصاصات وسلطات كل مؤسسة على حدة. و ليس مهم إصلاح أو تعديل الدستور و فقط و إنما المهم هو بلورة آليات و نظم حتى نجعله قابلا لتطبيق و لا يكتنف نصوصه أي لبس أو تعارض أو شمولية. إن النقاش الذي ساد ببلادنا بعد مظاهرات 20 فبراير ورد الفعل المباشر للأعلى سلطة في البلاد ميز المغرب عن باقي دول العالم العربي وجعله بلد استثناء بالفعل فالبرعم من المظاهرات الحاشدة التي عرفها الشارع المغربي التي مرت في أجواء يظهر فيها وعي الشباب المغربي و مسؤوليته فإن رد فعل السلطات لم يكن كما وقع في باقي البلدان العربية دمويا وإنما كان رد الفعل سياسيا لذلك يجب استثمار هذا الجو في اتجاه الإصلاح و تكون الثورة في المغرب ثورة إصلاحية شعارها ملكية برلمانية و تفاصيلها حياة سياسية نقية، قضاء نزيه، اقتصاد تنافسي، عدم الإفلات من العقاب، تدافع النخب، وكل هذا لن يتأتى إلا بالديمقراطية. فالديمقراطية هي الحل . *عضو المكتب الوطني للشبيبة الإتحادية