بدأت حمى الانتخابات تصطلي لظاها وترتفع مع بداية العد العكسي لانتخابات السابع من أكتوبر، إنتخابات تعتبر الثالثة من نوعها بعد دستور 2011، والثانية التي تنظم في عهد هذه الحكومة التي شارفت ولايتها على الإنتهاء، انتخابات ستكون محكا حقيقيا لكل الأطراف السياسية المشاركة، وأيضا للنظام ذاته الذي يترقب أن يعرف حقيقة هل اجتاز تداعيات الربيع العربي، أم لا زالت تتهدده احتجاجات اجتماعية جديدة… أول الأطراف الذي يولي هذه الانتخابات اهتماما كبيرا، هو حزب العدالة والتنمية، الذي يترأس أمينه العام « عبد الاله بنكيران » رئاسة الحكومة المغربية الحالية، والذي يمثل أول مشاركة لإسلاميي المغرب في تسيير الدولة، بعد أن تموقعوا مرارا في موقع المعارضة سابقا، وساندوا في سنوات قليلة حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمن اليوسفي. حزب العدالة والتنمية يعتبر هذه المحطة رهانا حقيقيا لأنها تشكل بالنسبة إليه امتحان تقييم نتائج تدبيره لخمس سنوات من الحكم، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الجماعية، التي أظهرت أن شعبيته لم تهتز. هو يراهن على الحصول على المرتبة الأولى بعدد مشرف من المقاعد على غرار 107 مقاعد التي حصل عليها في انتخابات 25 نونبر 2011، هو يريد أن يترأس الحكومة المقبلة لاستكمال وثيرة إصلاحات واستثمار نتائجها. لأنه اختار المسار المتدرج الذي لا يحقق النتائج السريعة، ولكنه يصل إليها بشكل متيقن وملموس. ولذا حرص حزب العدالة والتنمية على جعل مؤتمره الاستثنائي الأخير محطة للم الشمل وتعبئة الصفوف، وتهييئ المناضلين لخوض انتخابات مصيرية في تاريخه، كما استغل ذات المحطة لتوجيه رسائل مشفرة إلى محيطه، تفيد التنبؤ بالنصر القادم. الغريم التقليدي لحزب العدالة والتنمية، حزب الأصالة والمعاصرة، بعتبر الفرصة سانحة للانقضاض على المرتبة الأولى، الذي يبدو أنه سيجيش لها كل ما يملك من قوة وعتاد، كما سيستغل شبكة علاقاته الواسعة مع رجال السلطة، للتحكم في الانتخابات وضمان فوزه. قام بانتخاب أمين عام جديد يملك صفات مشابهة لزعيم الاسلاميين من حيث الخطاب والحركية والكارزمية الحزبية، فقد تم انتخاب إلياس العماري بالاجماع وفي ظرف قياسي، لإيمان أعضاء حزب البام بأن المرحلة تتطلب قائدا ثوريا مشاغبا لن يترك حزب العدالة والتنمية يفوز بالكعكة لوحده. في سنة واحدة، تبنى قضية زارعي القنب الهندي، ووعدهم بتقنينه، ودعم حل قضية الأساتذة المتدربين، وقضايا أخرى، باختصار، هو إذن يمارس التدبير من خارج الحكومة، وهذا مؤشر خطير على كيفية مقاربته للتسيير الحكومي بعد الانتخابات المقبلة. أتى « إلياس » إذن، وحمل معه مجموعة إعلامية ضخمة برأسمال خيالي « مجهول المصدر »، وانتزع المرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية الأخيرة وحصل على خمس جهات من أصل 12، وهو يقود الآن جهة طنجةتطوانالحسيمة بإيقاع سريع لإظهار قدراته وإمكانياته الذاتية، كأنه يطرح نفسه مرشحا لرئاسة الحكومة المقبلة، رغم أنه لا يصرح بذلك علنا. طبعا، العارفون بالشأن المحلي، يعلمون جيدا أن ذلك لا يأتي من فراغ، إن لم يكن لدى « إلياس » من يدعمه في العاصمة الإدارية للملكة، وخصوصا في وزارتي الداخلية، والاقتصاد والمالية. حزب الاستقلال: الحزب التاريخي الذي تراجعت أسهمه بعد انتخابات 25 نونبر والتي حصل فيها على المرتبة الثانية ب60 مقعدا، لم يعد مرشحا رئيسا للفوز بالمرتبة الأولى، بعد أن كان دائما ضمن لائحة المرشحين، حزب يعاني حاليا من مخاض حقيقي، خصوصا بعد أن أسقطت المحكمة الدستورية عضوية 07 برلمانيين استقلاليين فازوا مؤخرا في انتخابات مجلس المستشارين، كما أن رئيس جهة الداخلة واد الذهب، إحدى الجهتين اللتان فاز بهما حزب الاستقلال، مهدد بفقدان مقعد الرئاسة بعد حكم ابتدائي ضده ولصالح الطاعنة فيه، ممثلة حزب الأصالة والمعاصرة. ورغم إعادة المياه إلى مجاريها، مع تيار « عبد الواحد الفاسي » الذي حضر ذكرى تأبين الزعيم التاريخي للحزب « علال الفاسي » لهذه السنة، إلا أن هذه العودة لم تحمل الزخم الكبير الذي كان ينتظره شباط وإخوانه، لأن قواعد الحزب فهمت أن الأمر عبارة عن تكتيك انتخابي ليس إلا، لن يلبث إلا أن ينتهي مفعوله ساعة تسليم التزكيات الحزبية. غير أن كل هذا لا يمنع « شباط » زعيم الحزب وقائده، من حشد كل ما يملك، أولا لمحو هزائمه في الانتخابات الجماعية الأخيرة، خصوصا بالحواضر المغربية، وثانيا، لأنه يحاول أن يكون شريكا أساسيا في الحكومة المقبلة، بعدما تبين للجميع من داخل حزبه وخارجه، فشل الخيار الذي قام به حزب الاستقلال عندما أعلن انسحابه من حكومة بنكيران، وانتقاله إلى المعارضة. الأحزاب الأخرى متواجدة، لكن لا أمل لها في المرتبة الأولى، ستستفيد قليلا من تخفيض العتبة الانتخابة، لمنع السيطرة المطلقة للأحزاب الكبرى، لكنها لا تحلم بمنصب رئيس الحكومة، رغم الشعارات البراقة التي يرفعها قادتها، « مزوار » نموذجا. النظام الحاكم متخوف من نسبة المشاركة، أكثر من معرفة ماهية الفائز، هو يعتبر أن كل الأحزاب مروضة بما يكفي لكي لا تخرج عن طوعه، ودليل تخوفه من نسبة المشاركة، هو أنه رفض بشكل قطعي، عن طريق وزارة الداخلية، مراجعة اللوائح الانتخابية ، وتحيينها مخافة تناقص نسب المشاركة إلى أقل من 45 بالمائة، والتي كانت جيدة مقارنة بالاستحقاقات السابقة لما قبل 25 نونبر 2011، لذا هو لا يحبذ تراجعها لما في ذلك من دلالات سياسية واجتماعية خطيرة. كما أن صفعة 107 مقعد في انتخابات 25 نونبر، أجبرت وزارة الداخلية على عدد من التغييرات بمدونة الانتخابات للتحكم في عملية الانتخابات، كما تم تعليق مشاركة المغاربة القاطنين بالخارج بشكل مباشر وفي دولهم التي يقيمون بها، من أجل تفادي المفاجأة في نتائج الانتخابات المقبلة. مشكلة هذه الانتخابات، هي أن الشعب سيقف محتارا عند عملية التصويت، فهو جرب جميع الأحزاب، هو يعرف بنكيران وإلياس، وشباط ولشكر وآخرين، ولا يرى أِشخاصا جدد وتيارات تطفو على السطح عدا ما هو موجود في الساحة. هل سيكون إصلاحيا محافظا؟ ولو على حساب مصالحه الشخصية، بالتصويت على حزب العدالة والتنمية، أم سيكون براغماتيا نفعيا بالتصويت على حزب الأصالة والمعاصرة، أم سيصوت على الأحزاب التقليدية بدافع تاريخي ولائي وقبلي دون التفكير بالعواقب. وبغض النظر عن الفائز المقبل، فإن الفائز الحقيقي هو « الشعب » إن أحسن الاختيار.