شهور قليلة على إجراء الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر 2016، يبدو أن الزمن السياسي المغربي الحالي يتحرك في اتجاه معاكس للزمن الانتخابي لاستحقاقات 7 أكتوبر 2016 من حيث غياب أي مؤشر عن كون الدولة والحكومة والأحزاب تعيش عمق زمن هاته الانتخابات؛ فالحكومة والأحزاب منشغلة بقضايا أخرى لتصفية الحسابات فيما بينها على حساب الاستعداد الجيد وتوفير المناخ السليم لإجرائها، بل إن العلاقات بين هاته المؤسسات يسودها التوتر وتبادل الاتهامات. فعلاقات الدولة بالأحزاب وعلاقة الأحزاب بالدولة وعلاقة الأحزاب فيما بينها لا تغري بأنها تتقاسم القناعات نفسها لإنجاح استحقاقات 7 أكتوبر. والبلاغ الصادر عن حزب الاستقلال وما يحمله من اتهامات خطيرة للمجلس الدستوري ولوزارة الداخلية، والاتهامات المتبادلة القائمة حاليا بين أحزاب "البام" و"البيجيدي"، وبين "الاستقلال" و"البام"، وبين "البيجيدي" والاتحاد الاشتراكي، وبين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، وبين "البيجيدي" والتجمع الوطني للأحرار، وبين وزارة الداخلية والاستقلال، كلها توحي بأنها لا تتقاسم الحد الأدنى من الثقة المتبادلة بينها. وهو مؤشر على أن تنظيم الانتخابات التشريعية المقبلة سيكون صعبا على الدولة وعلى الأحزاب السياسية، خصوصا وأنها ستنظم في سياق وطني وإقليمي ودولى دقيق بالنسبة للبلاد. الانتخابات التشريعية المقبلة والسياق العام تنظم الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016 في سياق إقليمي ودولي مضطرب، يعرف فيه المغرب عدة تحديات سياسية كبرى، بعد مواجهات المغرب مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص، ومع هيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدةالأمريكية وكتابة وزارة الخارجية الأمريكية، ومع الاتحاد الأوروبي، ومع الاتحاد الإفريقي، ومع الجامعة العربية، ومع رئيس البعثة الأممية إلى الصحراء المغربية حول كيفية عودة البعثة الأممية إلى الصحراء قبل الآجال المحددة لها. سياق وطني مطبوع باتساع دائرة فقدان المواطن الثقة في جل مؤسسات الدولة، منها الحكومية والتشريعية والسياسية. بالنسبة للحكومة- رغم مجهودات حكومة بنكيران في تدبير الشأن العام- فإنها لم تكن في مستوى تطلعات الشعب المغربي. أما بالنسبة للبرلمان، خصوصا مجلس المستشارين، فإنه أصبح رمز الفساد الانتخابي بعد إلغاء المجلس الدستوري أكثر من 12 بالمائة من مقاعد المجلس، وهي نسبة كبيرة ودالة على اتساع رقعة الفساد الانتخابي ضمن هيئة الناخبين الكبار. أما بالنسبة للأحزاب السياسية، فإنها تعيش على إيقاع تطاحناتها الشخصية وتدبير أزماتها الداخلية والاستهتار بتعهداتها الانتخابية في ظروف قاسية، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، على غالبية المواطنين. الانتخابات المقبلة والدولة في ظل الاتهامات المتعددة لمؤسسات الدولة، من مجلس دستوري وزارة الداخلية، لا يفهم المواطن سر صمت الدولة إزاء ما يصدر عن بعض الأحزاب أو بعض الفاعلين السياسيين من أحكام قيمة واتهامات خطيرة تضر بالدولة وبمؤسساتها؛ صمت يمس هيبة الدولة وهيبة مؤسساتها. ومن هذا المنطلق، اعتقد بأن الوقت حان لتخرج الدولة عن صمتها وترد على الاتهامات الموجهة إليها من الأحزاب والفاعلين السياسيين- بصرامة- لتعطي إشارات إلى من يهمه الأمر بأن المغرب دولة الحق والقانون، وبأن الدولة لن تخضع للابتزاز السياسي، وبأنها لن تتسامح مع من يشكك في إرادتها ترسيخ الخيار الديمقراطي وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون (الفصل 6 من الدستور)، وبأن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة (الفصل 11). الانتخابات المقبلة والحكومة يبدو أن الحكومة شبه تائهة ومتأخرة في توفير الشروط الذاتية والموضوعية والمناخ السليم لإجراء انتخابات سليمة وديمقراطية. فإلى حد الآن، لم تخرج الحكومة الإطار القانوني المنظم للانتخابات التشريعية المقبلة وفق المنهجية التشاركية في ظل تلويح حزب الاستقلال بمقاطعة الانتخابات المقبلة واستمرار تمسك حزب التجمع الوطني للأحرار بمقاطعة اللجنة الانتخابية. الأمر الذي يوحي بأن الحكومة ستواجه عدة إشكالات تنظيمية ولوجستيكية في توفير الترسانة القانونية المنظمة للانتخابات والشروط الضرورية لإجراء انتخابات سليمة ونزيهة، وفق مضمون الفصل 11 من الدستور الذي نص على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. الانتخابات والأحزاب السياسية يشير عدد من المؤشرات إلى أن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة يمكن أن تنظم في سياق ملوث سياسيا لكون الأحزاب السياسية فقدت الكثير من المبادئ السياسية والقيم الديمقراطية؛ حيث أصبحت الأحزاب ضيعات لزعمائها تستغل لتصفية الحسابات الشخصية والسياسوية الضيقة ضدا على مقتضيات الدستور الجديد وعلى مبادئ القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، وضدا على مضامين الخطابات الملكية الداعية إلى الرقي بنبل العمل الحزبي والفعل الانتخابي. إن المتأمل في سلوك الأحزاب السياسية، شهورا قليلة على تنظيم الانتخابات، سيزداد قناعة بأن جل الأحزاب غير مستعدة ديمقراطيا للمشاركة فيها، لأن سقف اهتمامها هو الفوز بالمقعد- بأي وسيلة- ضاربة بذلك عرض الحائط مهامها الدستورية التي نص عليها الفصل 7 من الدستور: "تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية". أكثر من ذلك، فالمتأمل في سلوك الأحزاب هذه الأيام سيدرك هول شخصنة الصراعات الحزبية والاستثمار في خطابات المكر والكذب والشتم والسب والقذف والتخوين، بدل الصراع حول البرامج الانتخابية والأفكار السياسية والرفع من مستوى النقاشات العمومية، مما سيفقد الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016 تنافسا سياسيا حقيقيا حول المشاريع والبرامج السياسية والبدائل الممكنة. ذلك ما يبرهن عليه الصراع الدائر اليوم بين أحزاب الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، والاستقلال والأصالة والمعاصرة، والاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، والعدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار؛ حيث انحرف التنافس بين الأحزاب من تنافس حول الحكامة والبرامج والاقتراحات وتقييم السياسات الحكومية إلى تنافس مبني على الشتم والسب وشخصنة الصراع. وهذا لعمري أخطر ما في الأمر؛ حيث أصبح التنافس ينحصر على "ﻟﻌﺒﺔ اﻟﻤﻮاﻗﻊ"، خصوصا بين إلياس العماري وعبد الإله بنكيران، وبين حزب الاستقلال ووزارة الداخلية. الانتخابات والديمقراطية التشاركية لاحظ المهتم بالشأن السياسي قوة الاتهامات المتبادلة بين أحزاب المعارضة والحكومة حول الإطار العام الذي سينظم الانتخابات المقبلة؛ حيث تتهم أحزاب المعارضة الحكومة بالاستفراد بإخراج القوانين والتحكم فيها، بدءا باللوائح الانتخابية الحالية التي لم تحين جذريا منذ أكثر من 23 سنة، إلى نمط الاقتراح اللائحي والفردي، إلى نسبة العتبة، إلى مكونات القاسم الانتخابي، إلى الدليل القانوني التنظيمي للانتخابات، إلخ. والأكيد أن إبعاد مبدأ الديمقراطية التشاركية وتغييب المشاورات المسؤولة مع كل الفرقاء استعدادا لاستحقاقات 7 أكتوبر، سيزيد الأمور تعقيدا وسيطرح سؤال عريضا مفاده: شهورا قليلة على تنظيم الانتخابات التشريعية ماذا أعدت الحكومة والأحزاب لإجراء انتخابات نزيهة بعيدة عن منهجية التحكم القبلي وخدمة الأجندات الشخصية ووفق المنهجية الديمقراطية التشاركية؟ الانتخابات المقبلة.. المعادلة الصعبة على الدولة وعلى الحكومة والأحزاب أكثر من مؤشر يوحي بأن انتخابات 7 أكتوبر المقبل ستكون صعبة على الدولة وعلى الحكومة والأحزاب. بالنسبة للدولة يبقى همها الأساسي هو نسبة المشاركة والبرهنة على الحياد وتزيين الواجهة الخارجية. بالنسبة للحكومة، همها هو إجراء هاته الانتخابات في جو سليم بعيدا عن التحكم وعن المقاطعة. أما بالنسبة للأحزاب السياسية، فكل حزب يريد أن يصفي حساباته مع أحزاب أخرى، وخصوصا بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة وأمينه العماري الذي سيواجه تحديا حقيقيا سقفه هزم بنكيران وبالتالي حزب "البيجيدي"، وقيادة الحكومة المقبلة لوضع حد لشعبية حزب العدالة والتنمية ولأمينه العام بنكيران. أما بنكيران، فتحديه الكبير هو إثبات شرعية ومشروعية حزبه وهزم حزب الأصالة والمعاصرة وأمينه العام إلياس العماري. ونشير هنا إلى أن نتائج الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016 هي التي ستحدد مستقبل إلياس العماري كأمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة، ومستقبل عبد الإله بنكيران كأمين عام لحزب "البيجدي". إنه مستقبل تقاطع الإرادات بين شخصين يمثلان ظاهرتين سياسيتين تستحقان أن تدرسا في علم الاجتماع السياسي المغربي، لأنهما ستكونان المعادلة الصعبة في الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016. *أستاذ التعليم العالي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال