أوردت الأمانة العامة لجبهة البوليساريو، في بلاغ إعلانها الرسمي، عن وفاة محمد عبد العزيز. وطبقا للمادة 49 من النظام الأساسي للجبهة سيتولى رئيس المجلس الوطني مهمة رئيس الجبهة، إلى غاية انتخاب الأمين العام الجديد في مؤتمر استثنائي يعقد في ظرف 40 يوما من وفاة زعيمها، الأمر الذي يطرح عدة إشكالات ترتبط بالزعيم المرتقب للجبهة وقدرته على تدبير مجموعة من التحديات المرتبطة بالاحتقان الموجود داخل المخيمات، وقدرته كذلك على تصريف وإدارة علاقته بالجزائر في ظل الوضع الضبابي والسوداوي داخل هذا البلد، بحكم مرض الرئيس بوتفليقة والصراع الدائر بين الأجنحة العسكرية. وفي هذا الإطار، وقبل الحديث عمن سيخلف محمد عبد العزيز على رأس قيادة جبهة البوليساريو، لا بد من الإشارة إلى أنه توجد مجموعة من المحددات التي تتحكم في اختيار الزعيم الجديد، إذ إن هناك "بروفايل" محددا مسبقا للشخصية الجديدة التي سيتم استقدامها، ويتضمن بعض المعايير الأساسية والصارمة التي يجب توفرها للجلوس على كرسي الزعامة بهذه المنظمة الانفصالية، ويمكن اختزالها في ثلاثة شروط؛ الأول يتعلق بالرضا أو ثقة المؤسسة العسكرية الجزائرية، إذ لا يمكن شغل منصب الأمانة العامة للجبهة دون الحصول على الضوء الأخضر منها؛ بمعنى أن توفر شرط الولاء التام للجزائر وأجندتها العدائية للمغرب يعتبر محددا رئيسيا، خاصة أن مفاتيح القيادة والتحكم في هذه المنظمة توجد في قصر المرادية. أما الشرط الثاني فيرتبط بالانتماء أو المكون القبلي، إذ من الضروري أن يكون الزعيم الجديد ينحدر من أكبر قبائل الصحراء، وهي قبيلة الركيبات، لأن أغلبية صحراويي تندوف ينحدرون منها، إذ لازال هذا المكون يشكل محددا أساسيا في التوازنات الاجتماعية داخل النسيج الصحراوي ككل. وثالثا أن يكون من الجيل الأول المؤسس، لاسيما أن جل المناصب القيادية داخل الجبهة منذ النشأة إلى اليوم لازالت حكرا على هذا الجيل الذي عايش مراحل ومخاضات التأسيس، إذ إن المشروعية التاريخية داخل البنية التقليدية لهذا التنظيم تلعب دورا مهما في إعطاء نوع من الكاريزما للزعيم وتمكنه كذلك من أن يحظى برضا وقبول مختلف المكونات والشرائح داخل الجبهة. وارتباطا بهذه المحددات والترتيبات الجارية لإيجاد زعيم جديد ليس فقط لجبهة البوليساريو وإنما كذلك بحسب الأنظمة والقوانين المؤطرة لهذه المنظمة سيكون رئيسا لما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، توجد بعض الأسماء المرشحة لشغل منصب الامانة العامة، ويأتي في مقدمتهم عبد القادر الطالب، الذي يشغل منصب "الوزير الأول"، ويعتبر المشرف الفعلي على تدبير شؤون المخيمات منذ المؤتمر الرابع عشر؛ والمؤشر القوي الذي يرجح كفته أنه طوال فترة غياب عبد العزيز بسبب المرض، تولى مهمة "الزعامة بالنيابة"، سواء في إدارة شؤون الجبهة وحضوره كذلك جميع اللقاءات والاجتماعات الهامة مع القيادات العسكرية الجزائرية، إذ إن الدفع بهذه الشخصية إلى الواجهة خلال المرحلة السابقة الهدف منه ملء الفراغ وإعداد البديل لمرحلة ما بعد عبد العزيز، غير أن نقطة ضعف هذا الرجل هو الانتماء القبلي، بحكم انتمائه لقبيلة أولاد دليم، ونظريا يمكن تخطيها بعقد تحالفات وخلق مناصب جديدة لنواب الأمين العام داخل الأمانة العامة بصلاحيات محددة. أما الشخصية الثانية المرشحة بقوة لشغل منصب الأمانة العامة، فهو البشير مصطفى السيد، باعتباره مؤسس الجبهة وشقيق الوالي مصطفى السيد، الذي يعتبر بالنسبة للصحراويين الانفصاليين بمثابة "الأب الروحي"، ويحظى بمكانة ورمزية كبيرة..هذه الرابطة، بالإضافة إلى مساره وشخصيته المنفتحة والمعتدلة، تجعل من البشير رجل المرحلة، خاصة في ظل احتقان الأجواء داخل المخيمات. أما الأسماء الأخرى المرشحة وإن كانت حظوظها ضعيفة بالمقارنة مع السابقين، فيمثلها كل من ابراهيم غالي، "سفير" الجبهة سابقا بالجزائر، والذي لا يحظى بإجماع قادة البوليساريو، أما كل من عبد الله الحبيب، الذي يشغل حاليا منصب "وزير الدفاع"، ومحمد لمين البوهالي، الذي شغل المنصب نفسه سابقا، فكلهما ينعتون ب"صحراويي الجزائر"، لأنهما يتوفران على الجنسية الجزائرية، الأمر الذي يضعف حظوظهما. أما محمد خداد، الذي يشغل منصب منسق جبهة البوليساريو مع المينروسو، والمكلف بالعلاقات الخارجية، فهو يعتبر رجل الجزائر داخل الجبهة، حيث يمسك بملفات حساسة تستلزم تنسيقا مباشرا مع الاستخبارات العسكرية الجزائرية، وتفرغا تاما للمهام المنوطة به، لهذا فالجزائر تحتاج إلى شخصية تعمل في الظل، يصعب إيجاد بديل عنها في الوقت الراهن، مثل شخصية خداد؛ لذلك فالجزائر غير متحمسة لدعمه لزعامة الجبهة. ومن جانب آخر، فالقيادة الجديدة لجبهة البوليساريو، بغض النظر عن خلفياتها ومدى تمرسها ودرايتها بالتوازنات المرتبطة بملف نزاع الصحراء، أمامها عدة تحديات، وإرث ثقيل يتعلق بالتعقيدات الجيوسياسية الراهنة وحالة الاحتقان داخل المخيمات، لاسيما مع بروز عدة مؤشرات تنذر بقرب انفجار الوضع بالمخيمات، أهمها الخلافات الحادة التي ظهرت في الآونة بين قياديي البوليساريو، وتمرد مجموعة من الصحراويين في عدة مناطق، أو كما تسمى في قوانين الجبهة "الولايات"، إذ باتت ظاهرة رفع الأعلام المغربية فوق المنازل من الأمور التي تقض مضجع قيادة الجبهة، مخافة تكرار سيناريو التمرد الذي وقع 1982. هذا التخوف من انفجار الأوضاع داخل المخيمات أكدته رسالة التعزية التي بعثها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التي ناشد من خلال الصحراويين بالمخيمات بالتمسك بالوحدة بعد وفاة محمد عبد العزيز. ختاما، فتغيير رأس جبهة البوليساريو لا يعني بالضرورة "انتهاء مرحلة" وبداية مسار جديد، إذ من المستبعد أن تقع تحولات وتغيرات على مستوى الأهداف والإستراتيجية التي تغذيها الطموحات الانفصالية لقادة الجبهة؛ لأن الزعامة وفق الحالة هاته لا تغدو أكثر من "أداة صورية" في يد العسكر الجزائري يتم تحريكها خدمة للهواجس و"العقيدة العسكرية" بهذا البلد، الذي يرى أن قوته ونفوذه الإقليمي يتأسس ويمر عبر إضعاف المغرب. * باحث في العلوم السياسية