كيف نحدد المواطنة في مغرب اليوم؟ وهل هناك تحديد مطلق لمفهوم الانتماء الوطني؟ هل عندما يعبر أحدنا عن موقف مخالف يفقد معه شرط انتمائه ؟ وكيف نسم حزبا أو شخصا بالوطنية عندما يوافقنا في أحلامنا وآخر بغير ذلك إذا خالفنا في تصريحاته؟ مناسبة هذه الأسئلة ما يثار حاليا حول ترسيم بعض اللغات الوطنية وتهافت البعض إلى وسم من يعارض ذلك باللاوطنية واللامغربية. لن نتيه في النقاش القانوني الذي يطرحه الفقهاء الدستوريون حين يربطون المواطنة بشروط تشكل الدولة الثلاثة (الشعب والإقليم والسيادة)، لكن البادي للعيان أن بعض مدعي الديمقراطية والحداثة تغيب عنهم أسسها القاعدية عندما يتعلق الأمر بالعرق والانتماءات الضيقة فيصبح الوطن عنوانا للشوفينية المقزمة للتاريخ والمجال الجغرافي. يعتقد بعض المتدخلين في النقاش الهوياتي الحالي أن إدراج لغة جديدة في الوثيقة الأساسية للدولة أمر عادي ويمكن قبوله باعتبار أن ذلك لن يضيف شيئا إلى واقع الأمر. فهناك لغة عربية رسمية شكليا لم تستطع فرض وجودها كما يفترض في الإدارة والشأن العام. بل الواقع يشهد أن لغة المستعمر الفرنسي هي اللغة الرسمية واقعيا ومزاحمة لغة وطنية أو لغات وطنية جديدة لن يضيف للأمر ميزة أو سبة. وللأمر وجه حقوقي لا ينبغي نفيه أو القفز عليه يرتبط بهوية المغاربة وحقوقهم الثقافية واللغوية. الأمر بسيط،كما يزعمون، فلم لا يعطى للناس حقهم في الحديث بلغتهم الأصلية وتفرض عليهم لغة غازية؟ ولم لا يسمح للمتكلم الأمازيغي أو الصحراوي أو الدكالي أن يتواصل بلغته الإقليمية؟ بهذه الصيغة تبسط الأمور لحد السذاجة حتى وجدنا أحزابا تتهافت لتوجيه الخطاب الملكي المتحدث عن الهوية المتعددة وتطالب بترسيم لغات أخرى كانت تعتبر حتى وقت قريب لهجات. وإذا كنا نفترض التمييز بين الأحزاب التي ارتبط وجودها بالدولة وأخرى فقدت بوصلتها الإيديولوجية وصنفا ثالثا مازال يحافظ على شرعيته الوجودية، فإن النقاش قد غدا مزايدة إيديولوجية أكثر منه نقاشا علميا. فكيف يرهن مستقبل المغرب بفاعل سياسي ليس له وجود سياسي؟ والأكثر من ذلك أين الوطنية المتحدث عنها؟ إن تبسيط الحالة الهوياتية المغربية تناقضه جملة من الأشكال التعبيرية التي نعتقدها عناوين للتشظي وبراهين على الانتماء الحقيقي للمتحدثين عن الوطنية: • لنبدأ بالشكل التعبيري الذي بدأ يتردد برفع الأعلام الحاملة لرموز أسطورية (يزعم أنها أمازيغية) بدل الأعلام الوطنية، مما يبين عن الانتماء الحقيقي لرافعيها ودرجة وطنيتهم وإن اختلفت انتماءاتهم السياسية وتعابيرهم الإيديولوجية. • الدفاع عن إعادة النظر حتى في اسم الدولة من المغرب إلى تسميات موغلة في القدم وفاقدة لسند توثيقي. • البحث في أساطير التاريخ عن عناوين لحركات معاصرة، إضافة إلى شعارات الحكم الذاتي وتقرير المصير........ • الحديث باسم الأمازيغ وفق خطاب كلياني وشمولي يبرز العقلية الإقصائية لأصحابه: أنا وحدي ولا أحد بعدي. كلها علامات تنذر بخطر التشظي الهوياتي. وكلها تثبت أن مسار التشظي قد بدأ وليس ترسيم لغة أو لغات جديدة إلا البداية نحو النهاية. وإذا كنا لن نختلف حول حقيقة التعدد الهوياتي للمغرب (أندلسي/عربي/ أمازيغي/ إفريقي....)، فإن الإعلان رسميا عن تثبيت لغة جديدة هو عنوان لمرحلة ما بعد المغرب الموحد. أي أن ترسيم لغة جديدة لن يكون إلا بداية ترسيم لغات أخرى وهويات أخرى. وبالطبع فالذين راهنوا ويراهنون على أجندات شعبوية وعرقية قد وجدوا لأنفسهم فرصة الثورة العربية التي أحيت الانتماء العربي للشعوب لامتطائها وتحقيق مآربهم الفئوية التي أتت الثورة أصلا لرفضها، والنموذج هو العلاقة التي أعيدت صياغتها بين المسيحي والمسلم في الثورة المصرية، وبين الجنوبي والشمالي في الثورة اليمنية. لذا فالذي يحدد وطنية أي واحد منا هو حرصه على الوطن واستقراره والعيش المشترك فيه والدفاع عنه بدل المراهنة على الهويات الضيقة ورفع الأعلام العرقية والبحث عن انتماءات جديدة. إن وطنية أي حزب أو فرد لا يحددها تخليه عن قوميته العربية التي منحتنا فرصة التغيير الحالي، كما منحتنا سابقا القدرة على الإحساس بالوجود الحضاري، بل هو دفاعه عن عناصر العيش المشترك ومواطن الوحدة والمنعة. واللغة العربية عنوان ذلك.