الصورة لإحدى ضحايا الزيوت المسمومة في سنة 1958 و بداية 1959 كانت الأحداث السياسية تتوالى و تتسارع بشكل أربك الدولة،خصوصا مع بروز العصيان المدني في منطقة الريف. وهو الأمر الذي عجل بتشكيل حكومة جديدة مع نهاية 1958 برئاسة عبد الله إبراهيم،والتي لم تجد التوافق الكامل بين القصر والمكونات السياسية، مما عجل بظهور معارضة قوية بعضها من داخل القصر نفسه والهدف كان هو إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم لاختلاف التصور نحوها في تدبير شؤون الدولة . "" وسط كل هذه الصراعات السياسية تسربت الزيوت المسمومة التي انتشرت بشكل فعلي في شهري يوليوز و غشت سنة 1959. بينما وصلت إلى مدينة سيدي قاسم قي شهر أكتوبر من نفس السنة، وهذه الزيوت عبارة عن مادة كيميائية سامة بدون لون و لا رائحة تسمى (اطري ارطو كريزيل فوسفات) والمادة المكتشفة، والتي تم مزجها بالزيت العادي المستعمل في الطبخ المسبب للمأساة تنتمي لمجموعة السوائل السامة المركبة و المعروفة بأمريكا الشمالية تحت رمز TSP وهي مادة تستعمل لمحركات الطائرات الحربية يكفي استنشاق دخانها لظهور عدة أمراض خطيرة بانت على وجه الخصوص عند الربابنة الأستراليين و البريطانيين، مما جعلهم يرفعون دعاوى على حكوماتهم لجبر الضرر. فما باك بمزج هذه المادة كليا بالزيوت النباتية و استعمالها في الطعام اليومي، وهذا ما تم بالفعل حيث مزجت هذه الزيوت السامة بنسبة 67% والباقي 33% من الزيوت الطبيعية في قنينات من لتر واحد، وبيعت للمواطنين على أنها زيوت صالحة للاستهلاك. أما مصدر هذا الزيت فهي القواعد الأمريكية بالمغرب التي كانت تتهيأ هذه القوات لمغادرته بموجب بند ورد ضمن معاهدة 1958 القاضية باستقلال المغرب عن فرنسا، لذا بادرت إلى التخلص من الأشياء الغير المرغوب فيها بطريقة أو بأخرى لأشخاص مغاربة،و من ضمن هذه الأشياء كمية هائلة من سموم TSPمعبأة في براميل حيت تم شحنها من القواعد العسكرية الجوية بكل من سيدي سليمان و سيدي يحيى و القنيطرة إلى مدينة مكناس حيت تم مزجها بعد ذلك بزيت الطبخ المسماة زيت ( لاروي ) بمحل تابع لأملاك الدولة بالقرب من باب( سراك) الذي تطل بوابته الموصدة إلى حد اليوم في اتجاه الغروب على الساحة الأمامية لمولاي إسماعيل، حيث تمت عملية المزج في غاية من السرية و التعتيم مما جعل الآلاف عند تناول هذه الزيوت يصابون بأمراض مزمنة كانت في مقدمتها الإصابة بارتفاع درجة الحمى لدى المستهلك بشكل عال، مما سبب الشلل في الأطراف العلوية و السفلية حيت النهاية الحتمية للذين لم تستطع أجسامهم مقاومة المادة المسمومة. أما من بقوا على قيد الحياة و هم بالآلاف فالإعاقة الدائمة و الأمراض المزمنة ستلازمهم طوال العمر مع تدهور دائم في قدرة أجسادهم على تحمل أي ضغط كيفما كانت درجته . و أمام هذا الوضع الكارثي اضطر محمد الخامس إلى استدعاء وزيره الأول عبد الله إبراهيم وذلك يوم الجمعة 20 ماي 1960 ليقدم له الشكر و يعفيه من منصبه على رأس الحكومة ،وهذا ما جعل الغموض يلف قضية الزيوت المسمومة ويتساءل بعض الضحايا بمرارة هل كنا فعلا ضحية لفعل لعبة سياسية قذرة بين مختلف الفرقاء ؟ الأمر الذي جعل الدولة في شخص محمد الخامس تبين للضحايا العكس، وعلى هذا لأساس بادر ملك البلاد في خطاب له إلى اعتبار ضحايا زلزال أكادير و ضحايا الزيوت المسمومة أبناءا للقصر، وهو الخطاب الذي تمخض عنه الظهير الشريف 231-60-1 بتاريخ دجنبر 1960 الذي يخول لعائلات الضحايا الاستفادة من عائدات التمبر من فئة أربعة دراهم المفروضة على البطاقة الرمادية، مع العلم أن هذه الاستفادة هي رمزية لا تتعدى 50 درهم في الشهر و مع هذا يبقى التساؤل مطروحا خصوصا أن الجناة قد استفادوا من عفو ملكي بعد 3 سنوات فقط من إيداعهم السجن في هذا الجرم الجنائي ، الأمر الذي لم تستسغه جمعيات الضحايا التي طالبت بأن يتحمل الكل مسؤوليته في هذه المأساة . وإذا عدنا للتاريخ و إستقرأناه سنجد أن مأساة الزيوت المسمومة جرت قبل حقبة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في معتقلات ك(تازمامارت) و (قلعة مكونة) أو ما أصبح يسمى في المغرب بسنوات الرصاص، لكن مع ذلك بقيت قضية ضحايا الزيوت المسمومة تراوح مكاتب و أرشيفات الوزارات ،و في كل حين ومرة يخرج المسئولون ليلقوا بنكت هي عبارة عن وعود باردة لا تضحك أحدا ثم ينزوون في عالم مظلم . ويكفي أن نعرف أن العصبة المغربية لضحايا الزيوت المسمومة قد بعثت بداية من 3 أبريل سنة 2000 إلى حدود غشت 2005 ب 6000 شكاية و تقرير، وراسلت أكثر من أربع وزارات مختلفة ثم قامت هذه العصبة بمراسلة رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وزعماء الأحزاب ورؤساء الفرق ورئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان .. وحتى وزارة الدفاع الأمريكية وكذا سفارة هذه الأخيرة في الرباط لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية مسئولة ولو بشكل غير مباشر في مأساة الزيوت المسمومة .