عبّرت السلطات المغربية عن خيبة أملها في الموقف الذي اتخذته الولاياتالمتحدةالأمريكية من الصحراء. وقالت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، في بيان عممته على وسائل الإعلام بُعَيْد تبني القرار 2285، إن "المملكة تأسف لكون عضو مجلس الأمن الذي يتحمل مسؤولية صياغة وتقديم المشروع الأول للقرار أدخل عناصر ضغط، واكراهات وإضعاف، وتصرف بما يعاكس روح الشراكة التي تربطه بالمملكة المغربية". وتتحمل الولاياتالمتحدةالأمريكية دور صياغة مشروع قرار مجلس الأمن حول الصحراء. وبهذه الصفة، فإنها تقوم بإعداد عناصر مشروع القرار الذي تقدمه إلى باقي أعضاء مجموعة أًصدقاء الصحراء الغربية (وهي فرنسا والمملكة المتحدة وروسيا وإسبانيا)، قبل أن تقدمه إلى باقي أعضاء مجلس الأمن للبت فيه واعتماده. لكن في الوقت الذي طالما عبّرت فيه الولاياتالمتحدة عن عدم تغيّر موقفها من النزاع وعن كون خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب تعد بالنسبة لها خطة "جدية، وواقعة وذات مصداقية"، فإن الطريقة التي أُجريت بها المفاوضات بخصوص مشروع قرار هذه السنة تُظهر مدى ازدواجية خطابها تجاه النزاع. وهناك سببان رئيسيان وراء خيبة أمل المغرب في ازدواجية معايير الولاياتالمتحدة. الأول من حيث الشكل والثاني من حيث المضمون. فبخصوص الأول: قامت بعثة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة، وعلى عكس ما كانت عليه العادة سابقا، بتقديم مشروع القرار إلى مجموعة أصدقاء الصحراء دون التشاور مع المغرب. وهذا ما دفع سفير المغرب لدى الأممالمتحدة، السيد عمر هلال، إلى التعبير عن عدم رضاه عن تحرك الولاياتالمتحدة. أما بخصوص السبب الثاني، فإن مشروع القرار الأولي كان يتماشى إلى حد كبير مع فقرات تضمنها التقرير السنوي لبان كي مون حول الصحراء، وهو التقرير الذي اتهم فيه المغرب بعرقلة ولاية بعثة المينورسو بعد قراره طلب مغادرة المكون المدني للصحراء. وما عمق إحساس الرباط بخيبة الأمل هذه هو أن المسودة الأولى من مشروع القرار تطرقت لقرار المغرب القاضي بمغادرة المكون المدني لبعثة المينورسو للصحراء دون التطرق إلى أسبابه. والواقع هو أن الولاياتالمتحدة تغاضت عن أن السبب الرئيسي للخلاف بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة هو بيان بان كي مون المنحاز الذي أصدره في الجزائر في مارس الماضي، والذي وصف فيه وجود المغرب في الصحراء ب"الاحتلال". وبالإضافة إلى ذلك، تضمنت مسودة مشروع القرار الأولى إجراءات ملزمة ضد المغرب كان من شأنها، لو تم اعتمادها، أن تضع المغرب تحت الضغط والتهديد باتخاذ مزيد من الإجراءات والتدابير الزجرية. وأكدت تلك المسودة على ضرورة العودة الفورية للمينورسو للاضطلاع بكامل وظائفها، مما يتعارض مع الموقف الذي دافع عنه المغرب. كما أن مسودة القرار تضمنت فقرة جديدة تنص على أن "يُطلِع الأمين العام مجلس الأمن في غضون 60 يوما حول ما إذا كانت بعثة المينورسو قد عادت إلى كامل وظيفتها، وأن يُعبّر عن عزمه على اتخاذ خطوات فورية لتسهيل اضطلاع بعثة المينورسو بكامل مهامها إن هي فشلت في بلوغ هذا الهدف". ويعود الفضل لفرنسا وإسبانيا اللتين بذلتا جهدا كبيرا أسفر، أخيرا، عن تليين وتلطيف لغة مشروع القرار؛ بحيث لا ينص على أي إجراءات عقابية ضد المغرب. ورغم أن مشروع القرار النهائي يؤكد على ضرورة عودة بعثة المينورسو إلى مزاولة كامل وظائفها، إلا أنه لا يحدد أي إطار زمني مُلزم للمغرب، ولا ينص على أي إجراءات قسرية في حالة ما إذا أخل المغرب بالتزاماته حيال القرار. وبالإضافة إلى ذلك، طلب القرار من الأمين العام أن يقدم تقريرا إلى مجلس الأمن في غضون 90 يوما (بدل 60 يوما كما كان الأمر في مشروع القرار الأولي) حول ما إذا كانت بعثة المينورسو قد عادت إلى كامل ولايتها دون أن يتضمن أي إجراءات فورية في حالة ما إذا رفض المغرب العودة الكاملة للمكون المدني لبعثة المينورسو. وتفسر اللغة التي اعتمدها مشروع القرار 2285 سبب تصويت فنزويلا والأوروغواي ضده، وسبب إعرابهما عن استيائهما عندما حاولا تبرير تصويتهما. الهوة بين التصريحات والأفعال في سياسة الولاياتالمتحدة تجاه ملف الصحراء خيبة أمل المغرب في موقف الولاياتالمتحدة لها ما يبررها لأنها تأتي بعد التصريحات الكثيرة التي أطلقها مسؤولون أمريكيون تعكس تمسكهم بالموقف التقليدي الداعم للمغرب. ففي خضم الخلاف الذي احتد بين المغرب وبان كي مون في مارس الماضي، وبينما عبّر المغاربة عن استيائهم لميل الولاياتالمتحدة إلى موقف بان كي مون خلال اجتماعات مجلس الأمن، أرسلت واشنطن إشارات كثيرة لطمأنة المغرب وتأكيدها على عدم تغير موقفها من النزاع. في البداية أطلقت الولاياتالمتحدة تصريحا من خلال تغريدة كورتيس كوبر، المتحدث باسم بعثة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة. ففي التغريدة التي أطلقها كوبر يوم الأحد 20 مارس، قال إن واشنطن تعتبر خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب خطة "جدية، واقعية وذات مصداقية ويمكن أن تكون المقاربة التي من شأنها تلبية تطلعات سكان الصحراء الغربية"، وتم تكرار التصريح نفسه بعد ذلك من طرف سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية في الرباط، السيد دوايت بوش، وذلك في استجواب حصري خص به وكالة المغرب العربي للأنباء. وبعد أيام قليلة، تحديدا يوم الأربعاء 23 مارس، جرت مكالمة هاتفية بين الملك محمد السادس وكاتب الدولة الأمريكي في الخارجية جون كيري؛ حيث أخبر الملك بأن موقف الولاياتالمتحدة من النزاع لم يطرأ عليه أي تغيير ولازال ملتزما بالإطار المتفَق عليه بين الملك محمد السادس والرئيس باراك أوباما شهر نونبر 2013 في واشنطن. وأضاف كيري أن "الحوار بين الدولتين (المغرب والولاياتالمتحدة) سيستمر للوصول إلى حل نهائي لهذا النزاع الإقليمي". وتم التأكيد على الموقف نفسه خلال اجتماع مغلق لمجلس الأمن يوم الخميس 7 أبريل قدم خلاله هيرفي لادسوس، وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام، تقريرا حول آخر تطورات أنشطة بعثة المينورسو بعد أن قرر المغرب طلب مغادرة مكونها المدني. فخلال الاجتماع، قالت ممثلة الولاياتالمتحدة، سامانثا باور، إن "خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب تعد مقاربة من شأنها أن تلبي تطلعات سكان الصحراء الغربية"، مضيفة، في الوقت نفسه، أن وفدها يواصل الدعوة إلى عودة المكون المدني لبعثة المينورسو إلى الصحراء الغربية. احتمال وجود وجهات نظر متضاربة داخل الإدارة الأمريكية بخصوص ملف الصحراء ما يثير الصدمة حقيقة عندما يحلل الإنسان كيف أدارت الولاياتالمتحدة المفاوضات التي أسفرت عن اعتماد مجلس الأمن للقرار 2285، هو الهوة الكبيرة بين ما عبر عنه المسؤولون الأمريكيون صراحة لسنوات عديدة وموقفهم الفعلي الذي عبروا عنه في مسودة مشروع القرار الأولى. ويظهر أن الحوار الذي ذكره جون كيري بين المغرب والولاياتالمتحدة قد تم تكسيره عندما قرر وفد الولاياتالمتحدة تقديم مسودة مشرع القرار دون مشاورة المغرب. وكان هذا واضحا عندما تجنب أعضاء الوفد الأمريكي الاتصال بنظرائهم المغاربة قُبَيْل تقديمهم مسودة القرار إلى مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية. بالإضافة إلى ذلك، تم تقديم مسودة القرار الأولى يوم الاثنين 25 أبريل بينما كان وزير الخارجية المغربي، السيد صلاح الدين مزوار، في طريقه إلى واشنطن لملاقاة المسؤولين الأمريكيين. وهذا يعني أن المسؤولين الأمريكيين الذين قرروا المضي قدما بمسودة القرار الأولى أسرعوا في تقديمها دون أن ينتظروا معرفة خلاصات لقاء صلاح الدين مزوار بنظرائه الأمريكيين في واشنطن. إن تحرك الولاياتالمتحدة يمكن تفسيره بالاعتماد على فرضيتين: إما أن التصريحات التي طالما أدلى بها المسؤولون الأمريكيون هي مجر ذر للرماد في العيون الهدف منها محاباة المسؤولين المغاربة ليس إلا، أو أن هناك مواقف متضاربة داخل الإدارة الأمريكية، وهو ما يجعلها تتأرجح بين موقفين متناقضين دون اعتماد موقف واضح من النزاع. في نظري، في الوقت الذي ليس فيه أي شك أن المغاربة لا يمكنهم توقع دعم واضح من الإدارة الأمريكية الحالية، فإن الفرضية التي يمكن أن تفسر التضارب الواضح بين الأقوال والأفعال في السياسة الأمريكية حيال النزاع هي وجود مواقف متضاربة على أعلى مستوى داخل الإدارة الأمريكية. هنا، أود أن أشير إلى أن مستشارة الأمن القومي للرئيس أوباما منذ يونيو 2013 هي سوزان رايس. ويعرف الملاحظون أن سوزان رايس هي من كانت وراء مشروع القرار الذي تقدمت به الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2013 إلى مجلس الأمن، والذي طالب، ولأول مرة، بتوسيع مهام بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ومخيمات تندوف. وتم حينذاك تداول شائعة اتخاذ سوزان رايس للقرار دون التشاور مع واشنطن. الآن، وبعد الاستفادة من مسافة الزمن، فإن معرفة السبب تبطل العجب كما يقال. فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن سوزان رايس كانت الاختيار الأول لأوباما لتعويض هيلاري كلينتون على رأس وزارة الخارجية، وكذلك تأثير مستشارة الأمن القومي في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية، فإن فكرة أن سوزان رايس هي من قام باتخاذ مبادرة تقديم مسودة القرار المثيرة للجدل تبدو هي الأكثر احتمالا والأقرب إلى تفسير ما يقع. وبناءً على هذه الفرضية، فالراجح هو أن موقف الولاياتالمتحدة المُعَبّر عنه في مشروع قرار هذه السنة والضغط غير المسبوق الذي وضعه على المغرب أملته سوزان رايس من خلال الدور الكبير الذي تلعبه داخل دوائر القرار الأمريكي، وليس وزارة الخارجية الأمريكية. ففي مقال قمت بنشره في يونيو 2013، توقعت فيه كيف أن تنصيب سوزان رايس مستشارة في الأمن القومي سيؤثر سلبا على المغرب في علاقته مع الولاياتالمتحدة. وأعتقد أن المغرب قد توقع أيضا هذه اللغة المزدوجة في موقف الولاياتالمتحدة من النزاع. وهذا ما دفع الملك محمد السادس إلى القول إن بعض الدول تُظهر "عبارات الصداقة والتحالف من جهة، وتطعنك في الظهر من جهة أخرى"، وذلك في خطابه الذي ألقاه خلال القمة المغربية الخليجية بالرياض يوم الأربعاء 20 أبريل الماضي. العلاقات المغربية- الأمريكية لم تصل بعد إلى مرحلة النضج إن الموقف الذي تبنته الإدارة الأمريكية في السنوات الأخيرة لا يُعبّر فقط عن المواقف المتضاربة داخل الإدارة نفسها، ولكن أيضا عن كون العلاقات المغربية- الأمريكية لم تصل بعد إلى مستوى النضج الذي من شأنه إكسابها المناعة اللازمة ضد تقلبات تغير الإدارة الأمريكية. فخلافا لعلاقات المغرب مع فرنسا وإسبانيا اللتين تبنتا في السنوات الأخيرة موقفا واضحا من النزاع بغض النظر عن الحزب الذي يقود الحكومة، فإن طبيعة العلاقات المغربية- الأمريكية مازالت تحكمها خلفيات الحزب الذي يصل إلى البيت الأبيض. وهذا ما جعل الملك محمد السادس يؤكد في خطابه في الرياض على أن المغرب لديه مشكل مع "المسؤولين بالإدارات التي تتغير بشكل مستمر، في بعض هذه الدول. ومع كل تغيير يجب بذل الكثير من الجهود لتعريفهم بكل أبعاد ملف الصحراء المغربية". وهذا أيضا ما جعل الملك محمد السادس يطلب من الإدارة الأمريكية في نونبر 2014 أن توضح موقفها من النزاع. فخلال الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى 39 للمسيرة الخضراء في 6 نونبر 2014، تطرق الملك إلى موقف الولاياتالمتحدة الغامض من النزاع وقال: "في الوقت الذي نقدر فيه دعمها (الولاياتالمتحدة) لجهود المغرب ولعملية المفاوضات على أساس مبادرة الحكم الذاتي، فإني أطلب اليوم اتخاذ موقف واضح من هذا النزاع". "ففي الوقت الذي يؤكدون أن المغرب نموذج للتطور الديمقراطي، وبلد فاعل في ضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة، وشريك في محاربة الإرهاب؛ فإنهم، في المقابل، يتعاملون بنوع من الغموض، مع قضية وحدته الترابية"، يضيف الملك في إشارة إلى الإدارة الأمريكية. فبينما لدي قناعة عميقة بأن المغرب لا يمكن أن يتوقع من الإدارة الأمريكية الحالية تقديم الدعم الذي يستحقه باعتباره حليفا استراتيجيا طويل الأمد، فإني أعتقد أنه يجب على المسؤولين المغاربة وضع إستراتيجية على المدى القصير والمتوسط والطويل تهدف إلى التغلب على العقبات التي تحول دون تمتع المغرب بالمستوى نفسه من علاقات الثقة والاحترام مع الجمهوريين. من المرجح أن الرئيس الأمريكي القادم سيكون من الديمقراطيين. ورغم أن هيلاري كلينتون التي تُعتبر صديقة للمغرب تتوفر على حظوظ أوفر للظفر برئاسة الولاياتالمتحدة من غيرها من المترشحين، فالمغاربة لا يمكن أن يعتمدوا كُليا على دعمها لموقف المغرب من الصحراء أو أن يثقوا به ثقة عمياء. من هنا تأتي الضرورة الملحة لوضع إستراتيجية واضحة لاختراق دوائر الديمقراطيين الذين لا يزالون غير مقتنعين بالأهمية الإستراتيجية للمغرب بالنسبة للولايات المتحدة أو الذين يحملون وجهات نظر غير ودية تجاه المغرب. فبغض النظر عما يمكن قوله بخصوص الدور الذي يقوم به الأعضاء المؤثرون الآخرون في مجلس الأمن في الصراع، يبقى اللاعب الرئيسي هو الولاياتالمتحدة، والقرار حول هذا الملف يكمن في واشنطن. وبالتالي فإن المغرب في حاجة إلى تعزيز علاقاته مع الولاياتالمتحدة على جميع المستويات، وفي الوقت نفسه تنويع وموازنة علاقاته مع الشركاء الرئيسيين الآخرين. *مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News