وضع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مؤخرا، نسخة متقدمة لتقريره السنوي حول "وضعية الصحراء الغربية" بين أيدي مجلس الأمن. التقرير الذي يقع بين دفتي 25 صفحة، والذي صدر بشكل رسمي في بحر هذ الأسبوع، تم انتظاره بترقب كبير لكونه يأتي في ظل خلاف غير مسبوق بين الأمين العام للأمم المتحدة والمغرب بسبب تصريحات كي مون التي اعتبر فيها حضور المغرب في الصحراء 'احتلال". وقبل صدور التقرير توجس المراقبون من أن التأخر غير العادي وغير المعتاد ربما يؤشر على حلقة جديدة من التوتر بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة. في الواقع، في ضوء تزايد التلاسنات والشد والجذب بين الأمين العام للأمم المتحدة والمغرب عقب تصريحاته، كان من المتوقع أن يكون التقرير منتقدا للمغرب ومنحازا لطرح الطرف الآخر في النزاع. إلا أنه تبين أن التقرير الحالي لا يختلف كثيراً عن التقارير السابقة للأمين العام، ولا يحمل في طياته انحيازا فاضحا لخصوم المغرب. يبدو أن رد فعل المغرب والمغاربة الناجم عن موقف الأمين العام للأمم المتحدة ضد المغرب، كان أكبر من المتوقع، وكذلك موقف المغرب الثابت والدعم الذي لاقاه من مجلس الأمن، وهو ما أسفر عن تقديم بان كي مون شبه اعتذار للمغرب الشهر الماضي، وعن صياغته لتقرير معتدل حول الصحراء. فباستثنناء الفقرات التي خصصها الأمين العام للحديث عن حقوق الإنسان والتي يمكن اعتبارها بعيدة عن الموضوعية ومنحازة شيئا ما للبوليساريو، فإن السيد الأمين العام اختار كلماته بعناية فائقة في الفقرات المخصصة "للملاحظات والتوصيات" لإعطاء الانطباع بأنه لا يظهر أي انحياز لأي طرف في النزاع. وبصفة عامة، فإن التقرير الحالي يتبع نفس أساليب التقارير السابقة. فبعد وصفه للتطورات الأخيرة على الأرض وأنشطة بعثة المينورسو، تضمن التقرير أيضا مقطعا عبر فيه الأمين العام عن ملاحظاته وتوصياته لمجلس الأمن قبيل اعتماده قرارا جديدا لتجديد ولاية بعثة الأممالمتحدة لمدة عام واحد حتى 30 أبريل 2017. والأكثر لفتا للانتباه في التقرير هو تأكيد بان كي مون على أنه لم يقصد من وراء تصريحاته معاداة المغرب ومحاباة البوليساريو. فكون الأمين العام للأمم المتحدة يتخذ إجراء غير عادي ببدء تقريره بالإشارة إلى أقواله وتصريحاته، ومحاولة توضيح موقفه يدل على أنه تعرض لضغوط شديدة من الأعضاء المؤثرين في مجلس الأمن لوضع حد للاحتكاك مع المغرب. نجاح المغرب في ممارسة الضغط على الخصوم هناك نقطة ثانية مهمة تضمنها تقرير بان كي مون وهي دعوته مجلس الأمن إلى ضمان عودة بعثة المكون المدني للمينورسو، وضرورة تمكينها من الوفاء الكامل بواجباتها تماشيا مع ولايتها المقررة بموجب القرارات ذات الصلة التي تم اعتمادها منذ إنشائها في عام 1991، وهي البعثة التي طردها المغرب الشهر الماضي على خلفية تصريحات بان كي مون. وبسبب الدينامية الجديدة في النزاع الناجمة عن التصريحات غير محسوبة العواقب لبان كي مون شهر مارس الماضي، فإن الأممالمتحدة لم تعد تسعى إلى إضافة أية صلاحيات للبعثة، كمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف، وهو ما سعى المبعوث الشخصي لبان كي مون كريستوفر روس إلى تحقيقه في السنوات الأخيرة. وفي هذا الصدد، يمكن القول إن المغرب خطى خطوة دبلوماسية كبيرة بممارسته الضغط على الطرف الآخر. ولقد أصر المغرب في السنوات الأخيرة على أن تقتصر مهمة بعثة المينورسو على "مراقبة وقف إطلاق النار والمسائل العسكرية، فضلا عن إزالة الألغام، على أن يقتصر دور مفوضية شؤون اللاجئين على تدابير بناء الثقة." وبما أن إمكانية إجراء استفتاء تقرير المصير باتت صعبة المنال، إن لم نقل مستحيلة، فإن المغرب يرى أنه لا جدوى من مساعي المينورسو في هذا المجال. بالتالي فإن قرار المغرب بطرد المكون المدني لبعثة الأممالمتحدة ينبع أساسا من هذا الموقف. وقد وجدت الأممالمتحدة نفسها مضطرة، بعد القرار المغربي، إلى فتح النقاش حول سمات مهمتها في الصحراء الغربية. وإذا نجح المغرب في الأسبوعين القادمين في كبح عودة المكون المدني لبعثة المينورسو إلى الصحراء، فهذا سيعني أن الأممالمتحدة تتجه نحو التخلي عن المفهوم القديم لتقرير المصير باعتباره يقود بالضرورة إلى استقلال الصحراء المغربية. بان كي مون يدعو إلى اتفاق بشأن طبيعة وشكل تقرير المصير دعوة بان كي مون هذه نقطة أخرى مثيرة للاهتمام في تقريره. فكما هو الحال في تقريره السابق، أعرب كي مون عن قلقه من أن العملية السياسية التي بدأت بموجب القرار رقم 1754 لعام 2007 لم تمهد الطريق نحو بلوغ حل سياسي مقبول من الطرفين. وفي هذا السياق، كرر بان كي مون اللغة نفسها التي استخدمها في تقريره السابق في ما يتعلق بضرورة انخراط الأطراف في مفاوضات جادة دون شروط مسبقة وبحسن نية من أجل التوصل إلى "حل سياسي مقبول من الطرفين، والذي سيمكن شعب الصحراء الغربية من تقرير مصيره". وهنا يجب الإشارة إلى أن استعمال عبارة "تقرير المصير" لا تعني بالضرورة الدعوة إلى الاستقلال. ولكن، خلافا لتقاريره السابقة، بان كي مون أدلى، بشكل واضح وللمرة الأولى في تقريره الأخير، بأنه ينبغي السعي إلى حل بشأن الوضع النهائي للأراضي من خلال" اتفاق على طبيعة وشكل ممارسة تقرير المصير". إن هذه اللغة مختلفة جدا عن التوصية التي ضمنها كي مون في تقريره لسنة 2014 عندما طالب بإجراء مراجعة شاملة للعملية السياسية التي بدأت في عام 2007. فلم يكتف الأمين العام للأمم المتحدة بعدم تكرار التوصية نفسها التي يبدو أنها كانت وراء تصريحاته المثيرة للجدل في مارس الماضي، ولكنه ضمن التقرير عنصرا جديدا لم يكن حتى الآن جزء من المفاوضات. فكون بان كي مون يدعو مجلس الأمن إلى حث الأطراف المعنية للاتفاق على طبيعة وشكل تقرير المصير، هو مؤشر ضمني على أن هناك تحولا جديدا في نهج الأممالمتحدة بشأن الصراع. فمنذ اعتماد خطة التسوية في عام 1991، ركزت الأممالمتحدة على التوصل إلى حل عن طريق وسيلة للاستفتاء مع خيار استقلال الصحراء بين النتائج المتوخاة. وعلى الرغم من نداءات المغرب المتكررة للأمم المتحدة لإظهار المزيد من الواقعية والالتزام بأحكام قرار مجلس الأمن رقم 1754 الذي يدعو إلى إيجاد حل سياسي مقبول من الطرفين، لم تظهر الأممالمتحدة أي مؤشر على تغيير مقاربتها الفاشلة. إلا أنه بعد التوتر الأخير بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة، يبدو أن بان كي مون واجه ضغطا كبيرا لبدء التحول في سياسة الأممالمتحدة في هذا الشأن. غير أنه لا يزال من المبكر معرفة ما إذا كان هذا التحول هو مناورة جديدة من كي مون لدعوة مجلس الأمن إلى النظر في مقاربة مختلفة عن خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب. إن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى الاتفاق على طبيعة وشكل تقرير المصير هو بمثابة اعتراف ضمني بأن الاستفتاء مع خيار الاستقلال لم يعد ينظر إليه كحل أو كنتيجة مقبولة للصراع. وفي ظل ما سبق ذكره، ينبغي الإشارة إلى أنه بالابتعاد عن التفسيرات الكلاسيكية لتقرير المصير التي كانت سائدة في الستينيات من القرن الماضي، فإن الأممالمتحدة لا تخالف القانون الدولي. فوفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2625 في 24 أكتوبر 1970، فإن تقرير المصير يمكن أن يتحقق من خلال "إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، أو الاندماج مع دولة مستقلة، أو التحول إلى أي نظام سياسي آخر يقرره الشعب بحرية"، فكل هذه الخيارات مسموح بها في إطار ممارسه حق تقرير المصير. ضرورة إجهاض النقاش حول النظام الفيدرالي كشفت المناقشات خلف الأبواب المغلقة عن احتمال توجه الأممالمتحدة إلى اقتراح حل مختلف يتمثل في النظام الفيدرالي، وهو اتحاد بين المغرب وأراضيه الجنوبية. لهذا ينبغي على السلطات المغربية أن تسعى إلى منع الأممالمتحدة من السير في هذا الطريق. فإذا كان النظام الفيدرالي يمكن أن ينجح في سياقات مختلفة، كأوروبا مثلا، فإنه ليس حلا سحريا يمكن تطبيقه بنجاح في جميع أنحاء العالم، وخصوصا في العالم العربي. ففي الحالة المغربية، فإن قبول النظام الفيدرالي سيمهد الطريق إلى انفصال الأراضي الجنوبية في بضعة عقود. وفي هذا الصدد، ينبغي التأكيد، أكثر من أي وقت مضى، أن خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007 تقدم أحد خيارات تقرير المصير، والذي هو الحكم الذاتي. هل ستتبنى الأممالمتحدة المقترح المغربي كحل ممكن للصراع؟ الأمر لازال غامضا ومتوقفا على كيفية استعمال المغرب لكل أوراقه في المستقبل. ومهما يكن الأمر، فالأممالمتحدة تتجه نحو اعتماد نهج جديد في التعامل مع نزاع الصحراء. بعد الخلاف الأخير بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة، فإن الأمور لن تسير كما كان الأمر سابقا. وعموما، فإذا كان الهدف من تصريحات بان كي مون هو فرض مقاربة جديدة على المغرب، فإن ذلك زاد من قوة الموقف المغربي وساهم في إعادة تحديد معالم العملية السياسية في السنوات المقبلة. *مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News