من أمريكا اللاتينية كانت الإنطلاقة، وفي بوركينا فاسو حطّت الرحال.. تلك هي رحلة شجيرة "الجاتروفا"، هذا النوع النباتي الذي انتشر ليصل إلى العديد من المناطق الجافة وشبه الجافة والاستوائية في العالم، وليفتح آفاقا واسعة بل ليحدث ثورة ومعجزات لم يكن البوركينيون ليطالوها لولا هذه الشجيرة ذات المزايا المتعدّدة والمتنوّعة. فوائد جمة لخّصها لارلي نابا تيغري، الزعيم التقليدي لإثنية "موسي"، والتي تشكّل الأغلبية العرقية في بوركينا فاسو، في "3 مزايا رئيسية تشمل أساسا توليد الطاقة وتصنيع مستحضرات التجميل والأسمدة العضوية" وكل واحدة منها توفر آلاف فرص العمل، مضيفا للأناضول أنّ "هذه الاستخدامات أضحت من ركائز حياة الإنسان المعاصر المحتاج إلى الطاقة وللعناية ببشرته والى الرفع من مستوى الإنتاجية (الزراعي) في ظل تزايد عدد السكان، مع ضمان الجودة". "الجاتروفا"، هذه الشجيرة من جنس النباتات المزهرة من عائلة فربيونية، تروّج لها جمعية "بلوي" والتي يديرها تيغري، حيث تستخدم بذورها، في إنتاج الوقود الحيوي والمواد العضوية ومستحضرات التجميل. ففي 2007، اكتشف تيغري فوائد "الجاتروفا" التجارية عن طريق شركة "دوتش بيوديزل" الألمانية، والتي كانت تبحث عن شريك لها في بوركينا فاسو، فكان أن استهوت الفكرة الزعيم التقليدي البوركيني، لتقوده، أشهرا عقب ذلك، زيارة مصانع تحويل ومعالجة هذه النبتة التابعة للشركة الألمانية في بلادها. وفور عودته من ألمانيا، وبعد أن خضع لدورة تدريبية، في فبراير/شباط 2008، شرع تيغري في زراعة الشجرة بقرية "بانتاغودو"، بمحافظة "كورويوغو" وسط البلاد، إلا أن المجموعة الألمانية سرعان ما تخلت، في 2009، عن المشروع، جراء الأزمة الإقتصادية التي عصفت بأوروبا، بيد أنّ ذلك لم يكن ليثبط من عزيمة ذلك البوركيني الذي استحسن المجال الجديد حدّ الهوس، ليفتتح في 2010 مصنعه الخاص لتحويل بذور "الجاتروفا" وإنتاج الوقود الحيوي. ولئن يقدّر الإنتاج اليومي لزيت "الجاتروفا" حاليا بين ألف إلى ألفين لتر، إلا أنّ القدرة الإنتاجية اليومية للمصنع تناهز الأربعة آلاف و200 لتر من الزيوت المكرّرة، وألف و440 لترا من وقود ديزيل الحيوي و144 لترا من الغليسيرين، في اليوم، بحسب صاحبه. ويضم المصنع الواقع في المنطقة الصناعية ب "كوسودو" بالعاصمة واغادوغو، وحدتين صناعيتين منفصلتين، خصصت الأولى لتحويل نباتات أخرى مثل المورينغا و شجيرات البالانايتس إلى منتجات معدة للاستخدام الغذائي والتجميلي. وعلى بعد نحو 100 متر، انتصبت الوحدة الثانية، المهيأة لتحويل "الجاتروفا". وعقب تقشيرها، ترسل بذور "الجاتروفا" إلى المعصرة لاستخراج زيتها، ويتطلّب اللتر الواحد منه نحو 4 كيلوغرامات من بذور هذه النبتة. سيمدي محمدي، المدير الفني لمصنع "بلوي" شرح منافع الزيت المستخرج بالقول إنّ "الاستخدام الأول تجميلي بحت، حيث ننتج صابونا طبيعيا 100% من خلاصة زيت الجاتروفا وصابونا معقما وصابونا لمقاومة البثور والتجاعيد، كما يستخدم هذا الزيت لإنتاج الوقود الزراعي". وفي ما يتعلّق بالوقود الحيوي، فإنّه يتم إرجاع الزيت بعد تصفيته إلى وحدة إنتاج وقود الديزل الحيوي، "ويستخرج عبر تفاعل كيميائي يسمى "الأسترة"، إذ يتم خلط الزيت بمادة كحولية خفيفة، مثل الميثانول أو الايثانول لنحصل على الديزل الحيوي، بالإضافة إلى منتج ثانوي يتمثل في الغليسيرين المستخدم في مستحضرات التجميل"، بحسب محمدي والذي أوضح أن "جميع مكونات النبتة تستغل بالكامل، بالإضافة إلى استخلاص منتجات ثانوية مثل الغليسيرين، كما نحصل على الدوبال من أوراق وعجينة الجاتروفا المتبقية". ويحظى زيت "الجاتروفا" بالإقبال لاستخدامه في صناعة الصابون. أما الوقود الحيوي، فيتم شراؤه لتزويد الطواحين الهوائية والمولدات والمنصات متعددة الوظائف مثل تلك التي يقوم "برنامج الأممالمتحدة الإنمائي" بتثبيتها في بوركينا فاسو. ورغم أنّ أكثر من 170 هكتار موزعين على 3 حقول مختلفة، واثنين آخرين من المحاضن التي تصل قدرتها الإنتاجية إلى مليون قدم (نحو 304 كلم) سنويا، إلا أن الإنتاج لا يزال غير قادر على تلبية الطلب بشكل كامل.فالشركة البوركينية للكهرباء (حكومية) العاجزة عن تغطية الطلب المحلي من الطاقة، أعربت عن اهتمامها بابتياع الوقود الحيوي لتعويض النقص المسجّل لديها، إلا أنها تطلب كميات كبيرة انطلاقا من 500 ألف لتر، وهو ما تعجز وحدات تيغري عن توفيره، والسبب نفسه يحول دون تصدير منتجات هذه الشجيرة إلى الخارج. "أتطلّع إلى إنتاج كميات أكبر من الوقود الحيوي"، يقول صاحب المشروع، ف "العديد من المناطق غير مزودة بالكهرباء لأن الطاقة التقليدية غير قادرة على تلبية الاحتياجات، في حين أن الوقود الحيوي يستطيع سد هذا الفراغ"، مضيفا أنّ الوقود الحيوي مفيد للصحة، على عكس منتجات الوقود العادي، وتظهر آثاره الإيجابية "في الطواحين الهوائية على سبيل المثال، حيث لم يعد يشتكي العاملون في هذا المجال من مشاكل في القلب، خصوصا وأن الطواحين التي تعمل بوقود الديزل، تسبب أمراض القلب والصداع، لكن الأمر يختلف مع زيت الجاتروفا". وتتجلى منافع الشجرة القادمة من أمريكا اللاتينية على الأوضاع الإقتصادية للسكان المحليين، حيث توفّر زراعة "الجاتروفا" مواطن شغل للآلاف من الرجال والنساء طوال مواسم الإنتاج، وتحسّن من مداخيلهم. أما المصنع وإدارته، فيوفران لوحدهما 47 موطن شغل بدوام كامل، فيما يتضاعف عدد العمال في المصنع في ذروة الموسم الزراعي للجاتروفا. *وكالة أنباء الأناضول