تعددت المرات التي لوح فيها وزراء من حزب العدالة والتنمية بالاستقالة بسبب أزمات سياسية تواجه القطاعات التي يشرفون عليها، بل إن الأمر تكرر حتى مع رئيس الحكومة الذي أعلن أنه فكر في في تقديم استقالته من الحكومة، ومع ذلك لم يقدم أي منهم على الاستقالة. وعاد التلويح بالخروج من الحكومة والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها بعد الأزمة الحالية بين رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، و"وزيره" في المالية، محمد بوسعيد، على خلفية مراسلة الأخير لحزبي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي حول إمكانية حل ملف "أساتذة الغد"، "بدون علم" رئيس الحكومة. وطالب بعض قادة حزب بنكيران باللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها؛ ما أعاد إلى الأذهان الكثير من المواقف التي أكد فيها "وزراء المصباح" عزمهم على الاستقالة، وهو ما يعتبره البعض مضرا بالحزب أكثر مما ينفعه، إذ يعطي الانطباع بأن الاستقالة تحولت إلى ورقة للمزايدة السياسية. "فزاعة" المساهمة في الاستقرار يرى عبد الرحيم منار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس، أن حزب العدالة والتنمية، ومنذ نونبر 2011، "بنى أسطورة تقوم على أنه مكون ساعد على بناء الاستقرار في المغرب، وطعمها بالمتغيرات الدولية، ومن بينها صعود الإسلاميين". وتابع اسليمي بأنه خلال السنوات الأربع الماضية تغيرت المعطيات، وظل الحزب يحتفي ب"الأسطورة" نفسها، رغم "أنه قام بالكثير من الأخطاء على مستوى التدبير"، ولكن تمت التغطية عليها "بسب ضعف أحزاب المعارضة، وخصوصا حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وأيضا ضعف خبرة الأصالة والمعاصرة في المعارضة". وأكد السليمي أن التلويح بالاستقالة بات صعبا، "لأن الحزب الذي فاز في الانتخابات لم يعد كما كان"، كما أن "طموحات مناضليه باتت هي الاستمرار في الحكومة، وبالتالي صارت الاستقالة مستحيلة، وحتى الانتخابات المبكرة مستبعدة"، حسب تعبيره، مشددا على أن عدم مشاركة الحزب في الحكومة المقبلة قد يضعفه. واعتبر السليمي أن ما يحدث حاليا بين بنكيران وبوسعيد يعيد إلى الأذهان ما كان يحدث بين عباس الفاسي وصلاح الدين مزوار عندما كان الأخير وزيرا للمالية، مواصلا بأن الأزمة الحالية هي في صالح العدالة والتنمية، "وهي هدية أخرى من الأحرار لفائدة حزب بنكيران"، معتبرا أن ما يحصل حاليا بسبب ملف "أساتذة الغد" "له طبيعة انتخابية، لكنه غير محسوب". هاجس الاستمرار في الحكومة من جهته اعتبر أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنه "لا يمكن لوزير أن يلوح بالاستقالة؛ فإما أن يقدمها فعليا أو لا يتحدث عنها مطلقا"، مقدما المثال بما حدث في فرنسا، عندما قدم خمسة وزراء في حكومة فالس الأولى استقالتهم اعتراضا على السياسة الاقتصادية لبلدهم، "دون الخروج إلى الرأي العام والتهديد بالاستقالة". ولفت البوز إلى أن حزب العدالة والتنمية يستعمل هذا الأمر كورقة ضغط، "لكن التصريح به في العديد من المناسبات يطرح مشكلا أخلاقيا حول مدى جديته"، مواصلا بأن التصريح بالاستقالة دون القيام بخطوة فعلية "يجعل الاستمرار في الحكومة هدفا في حد ذاته"، كما "يجعل سلوك السياسيين على المحك، ويشيع فكرة أنهم يطلقون الكلام دون تنفيذه". وشدد البوز على أنه بعد مرور أكثر من أربع سنوات على الحكومة "ظهر أنه لدى بنكيران هاجس الاستمرار في الحكومة بأي ثمن، بدليل قبوله التحالف مع الأحرار"، متابعا بأن "وزراء حزب العدالة والتنمية لا يشكلون الاستثناء عندما يلوحون بالاستقالة دون الإقدام عليها، على اعتبار أنها ممارسة دارجة في الساحة السياسية المغربية، إلا أن المشكل مع حزب المصباح أنه جاء بخطاب مفاده أن هناك عهدا جديدا وممارسة سياسية جديدة". وعن بلاغ رئيس الحكومة في حق وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، اعتبر البوز أن الحزب الذي يقود الحكومة "شعر بأنه بقي لوحده في هذا الملف، ومن الطبيعي أن يدافع عن نفسه"، مردفا بأن رئيس الحكومة كان "متشددا في التعامل مع ملف أساتذة الغد، وراهن على ألا تستمر الاحتجاجات"، وأدى هذا التشدد إلى "وقوعه في مجموعة من الأخطاء التي استغلتها المعارضة".