أضحى الشباب منذ سنوات حاضرا في قَلب النقاش السياسي والتداول العمومي، وفاعلا رئيسيا في الخطاب السياسي ومحركا جوهريا للرأي العام الافتراضي وأوضحت العديد من الدراسات والأبحاث على أن الرجة الثورية أو ما عُرف إعلاميا بالربيع العربي قاده جيل من الشباب سواء في الحشد أو في التعبئة أو في التدافع اليومي داخل ساحات الاحتجاج ووسط جدران ووسائل التواصل الاجتماعي. ولما نعود إلى النقاش الذي أُثير نتيجة عزم وزارة الداخلية بشأن تعديل جزء من القانون التنظيمي رقم 11-27 المتعلق بمجلس النواب وسيما المواد رقم 1 و5و 23 و85 المنظمة للائحة الوطنية، طفت إلى السطح أطروحتين متعارضتين، الأطروحة الأولى: تدافع على بقاء اللائحة الوطنية سواء المخصصة للشباب أو النساء باعتبارها تمييزا إيجابيا يحمل نوعا من الإرادوية التي تضخ نفسا جديدا للمؤسسة التشريعية ،كما أن فكرة التميز الإيجابي مبنية على تدخل المشرع من أجل تيسير فرص مناسبة ومواتية لفئات لا يسمح لها الاقتراع العام المباشر بصيغته التقليدية بتمثيليتها ،ويضيف أنصار اللائحة الوطنية على أنه لا توجد حجج موضوعية لإلغاء اللائحة الوطنية، وفي المُقابل هناك أطروحة ثانية: ترافع من أجل إلغاء اللائحة الوطنية على اعتبارها تشكل ريعا سياسيا وتضمن لأصحابها مقاعد برلمانية مريحة ولا تعكس كفاءة النخب، وبدل أن يستفيد منها قواعد ومناضلي الأحزاب تم توظيفها للمقربين من القيادات السياسية. بناء على التقديم المُشار إليه أعلاه يمكن الإشارة إلى الملاحظات التالية: - الملاحظة الأولى: نلفت النظر إلى أن إجراء الكوطا الشبابية لم يكن حاضرا سواء في مطالب احتجاجات حركة 20 فبراير، أو في ثنايا خطاب 9 مارس 2011، كما أن مذكرات الأحزاب السياسية والهيئات الشبابية التي رفعت إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور لم تقترح التنصيص على إجراء الكوطا الشبابية، مما يجعل موضوع اللائحة الوطنية المخصصة للشباب موضوع غير مفكرا فيه سواء بالنسبة للمطالب الشبابية أو بالنسبة للفاعلين السياسيين. - الملاحظة الثانية: لعل المتتبع للدساتير والقوانين الانتخابية المُقارنة، سواء في الديمقراطيات العريقة أو الأنظمة السياسية لأمريكا اللاتينية التي خرجت من السلطوية أو الدساتير العربية الجديدة (تونس /مصر)، حيث لا يوجد في الأنظمة السابق ذكرها كل ما يذل على تخصيص كوطا شبابية في البرلمان. أولا: حجة انعدام العدالة الدستورية ينص المُشَرع الدُستوري في ديباجة وثيقة 29 يوليوز 2011 على مفاهيم: المُشاركة والتعددية والمساواة وتكافئ الفُرص والعدالة الاجتماعية والتلازم بين حقوق وواجبات المُواطنة. المفاهيم الدُستورية المومأ إليها أعلاه، صارت تُشَكل مبادئ فوق دُستورية موجهة للنظام القانوني وللقضاء الدستوري وللسلطات العُمومية بمفهومها العام وفق ما تُمليه بشَكل جَلي مُقتضَيات البَند الأول من الفصل السادس من دستور 29 يوليوز 2011، حيث أن القَانون هو أسمى تَعبير عن إرادة الأمة، والجَميع أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السُلطات العمومية، مًتساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. وحَري بنا الإشارة في هذا الصدد، أن تقنية الكوطا سواء المُخَصصة للشباب أو النساء يتم العمل بِها في الدُول التي تُحَضر لمرحلة الانتقال الدستوري أو في الأنظمة السياسية التي تتضمن نصوص دستورية تَحد وتعيق تمثيلية بعض الفئات ولاسيما الأقليات العرقية والدينية. أما في الحالة المغربية فهناك توجه دستوري جديد يُشجع على المُشَاركة وِفق مبدأ المساواة وتلازم الحقوق مع الواجبات مع الاعتراف الدستوري بأن الانتخابات الحرة والنزيهة والشَفافة هي أساس مَشروعية التمثيل الديمقراطي. وبالرغم من التأويل المًهيكل للقانون التنظيمي رقم 11/27 الذي أصدره المجلس الدستوري في قراره الذي يحمل رقم 211/817 المؤرخ في 13 أكتوبر من سنة 2011، ولئن أجاز قرار المجلس الدستوري إجراء الكوطا، فإنه وفقا لذلك اعتبرها تدابير استثنائية مَحدودة في الزمن يتوقف العمل بها بمجرد تحقق الأهداف التي بررت اللجوء إليها وهو أمر يعود تقديره للمشرع الذي يسوغ له أيضا اعتماد تدابير قانونية أخرى، غير أسلوب الدائرة الانتخابية الوطنية، لمواصلة السعي لبلوغ تلك الأهداف. وهو ما يطرح على المُشرع أن يعيد النظر في هذا الإجراء المؤقت، لكون التعويل على تقنية التمييز تؤثر على النظام التمثيلي إذا لم يتم تجاوزها بمبادئ تعكس فلسفة المساواة. ثانيا: حجة غياب المساطر المنظمة للولوج إلى اللائحة الوطنية. لمَا نُطالع القوانين الأساسية والأنظمة الداخلية للأحزاب السياسية ولتنظيماتها الموازية سواء المرتبطة بالشبيبة أو بالقطاع النسائي لا نجد فيها مساطر أو إجراءات تُبين وتوضح كيفية اختيار الشباب أو النساء، إذ يلاحظ فراغ وفقر في النصوص المنظمة لمسالك الاستفادة من الترشح في اللائحة الوطنية، مما يجعل منافذ الاستفادة من فُرصة الالتحاق باللائحة الوطنية متروكة للسلطة التقديرية المتعسفة والواسعة للقيادات المؤثرة في الأحزاب السياسية ،وهذا ما يجعل الممارسة والتطبيقات العملية لإجراء الكوطا ينزاح إلى سيادة ظاهرة الولاءات ويدفع فئة عريضة من الشباب أن تتحول إلى مقطورة تابعة بشكل لا مشروط للقيادات الحزبية، وكل ذلك فتح المجال لممارسات غير ديمقراطية تسيئ لمبدأ التمييز الإيجابي وتؤثر سلبا على حضور الشباب داخل المؤسسات التمثيلية، وهنا يمكن استحضار مَقولة شهيرة في القانون المدني المعمق وهي : "أعطني الواقع أعطيك القانون " ،وفي واقع اللائحة الوطنية هناك واقع غير ديمقراطي مُرتبط بالولاءات والتبعية و هو ما أشار إليه الباحث هشام كركور في بحثه المعنون "بالشبيبة الحزبية والعمل السياسي الشبيبة الاتحادية وشبيبة العدالة والتنمية نموذجا". ثالثا: حجة المساواة القانونية يُعد إجراء الكوطا بشكل عام سواء المخصصة للشباب أو للنساء إجراءا يَضرب في مبدأ المُساواة في الترشح للانتخابات، ويعد خرقا لمبدأ تكافئ الفُرص بين المترشحين، حيث هُناك مُترشحين برسم الدوائر المحلية في مُقابل مترشحين باللوائح الوطنية، وأن المترشح في الدائرة المحلية مُطالب بمجهودات لا ممدوحة عنها وباستعمال إمكانات بشرية ومادية أثناء الحملة ويوم الاقتراع، عكس المترشحين في اللائحة الوطنية حيث تكون الحظوظ ميسرة وبعيد عن التنافسية الحقيقية داخل الساحة الانتخابية بمفهومها المتعارف عليه. لذلك، يدافع معارضو اللائحة الوطنية على أن مطلب إلغائها ليس نابع من تبخيس العمل السياسي، وإنما من أجل ضخ روح جديدة في المؤسسات التمثيلية، وجعل الاستحقاقات الانتخابية نابعة من التنافس الشريف والاستحقاق النزيه ومربوطة بعنصر الكفاءة على اعتبار أن التجربة أبانت عن ممارسة تجعل اللائحة الوطنية بمثابة ريع سياسي. وفي هذه الحالة، واحتراسا من الاستمرار في الإخلال بالأنظمة الانتخابية باعتبارها قواعد قانونية من النظام العام، يتعين أن تعكس هذه الأخيرة النص الدستوري وأن تتلاءم مع المواثيق الدولية، في أفق استهداء المشرع بمراجعتها. رابعا: حجة احتشام القيمة المضافة للائحة الوطنية. يُعتبر الأستاذ حسن طارق في كتابه المُعنون "الشباب، السياسة وقضايا الانتقال الديمقراطي " بأن الشباب ليس كًتلة مُتجانسة ولا طبقة اجتماعية ولا هوية اقتصادية نقية له..." كان من المنتظر أن يشكل الشباب صوة لفئة عريضة من الشباب داخل مجلس النواب، حيث يتضح من خلال تجربة أربع سنوات ونيف كون الشباب لم يشكل كتلة مُوحدة ومنسجمة ترافع من أجل توجيه والدفاع عن السياسات عمومية ذات الصلة بالمواضيع الملتصقة بالشباب من قبيل التشغيل والتعليم والرياضة والمشاركة ،وكان من المفترض أن تضغط الفئات الشابة لحظة إعداد ومناقشة البرنامج الحكومي حيث نجد أن الحكومة لم تجعل المسألة الشبابية ضمن محاور أولوياتها ، وظهرت محدودية انسجام وتكتل الفئات الشابة خلال مناقشة مشاريع قوانين المالية إلا أن الشباب داخل مجلس النواب تماهى مع مواقف الفرق والمجموعات النيابية التي يمثلها وانشطر داخل تقسيم الحكومة في مُقابل المُعارضة وكان أكثر انضباطا للأحزاب على حساب القضايا المرتبطة بالشباب. خامسا: حجة غياب الاعتراف المؤسساتي باللائحة الوطنية. بالاطلاع على التقارير والتوصيات الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لا نجد فيها ما يُثمن أو يدفع في اتجاه الاستمرار في تبني اللائحة الوطنية خاصة المتعلقة بالشباب، ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى التفاف وتجاوز الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب 2015-2030 للائحة الوطنية المخصصة للشباب، واقترحت مجموعة من التوصيات في المحور الرابع المعنون بتشجيع المُشاركة الفاعلة للشباب في الحياة الاجتماعية والمدنية وفي صناعة القرار ،وبدون أي إشارة إلى اعتماد إجراء اللائحة الوطنية المخصصة للشباب حيث ركزت على ترسيخ قيم المواطنة والانتماء لدى الشباب وتقوية المُشاركة الجمعوية المواطنة للشباب وتقوية الكفاءات الجمعوية للشباب وإشراك الشباب في صنع القرارات التي تتخذ في إطار السياسات العمومية بشأنه وفي الحكامة المحلية من خلال المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ،بالإضافة إلى تشجيع المشاركة السياسية للشباب من خلال دعم الحملات الإخبارية التي تدعوا الشباب إلى المشاركة السياسية كناخبين أو كمنتخبين أو كملاحظين. إن تحليلا لمجموعة من الحجج يجعلنا نخرج بخلاصة أولية (قابلة للنقاش) مًقتضاها الجنوح إلى إلغاء أو مُراجعة اللائحة الوطنية المخصصة للشباب ،وذلك من أجل تعزيز العمل السياسي للشباب في أفق تأسيس جبهة شبابية ترافع من أجل أن تكون ممثلة بشكل قوي داخل المؤسسات التمثيلة وغيرها ، من خلال إجبار الكتاب العامون على منح تزكيات للشباب للترشح في اللوائح المحلية ،والعمل على دفع وزارة الداخلية لتقديم تحفيزات مالية للأحزاب التي ترشح الشباب في مقدمة الدوائر المحلية ،وهنا سنكون انتقالنا من مقاربة السعي والتهافت من أجل الكوطا إلى مرحلة المطالبة بالتمثيلية الحقيقية للشباب داخل المشهد السياسي. *باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية