جرت العادة عند دخول أي محل للجزارة أن تجد وراء "الكونطوار" رجلا قوي البنية، يساعده على أداء عمله رجالا أو شبانا، مما يعني أن المهنة مملكة للذكور، ولا نصيب للجنس اللطيف فيها، لما تتطلبه من مجهودات بدنية، وقدرة على تحمل الإرهاق المفرط. لكن الوضع مختلف تماما في إحدى محلات الجزارة بمدينة لافال الكندية، حيث تستقبلك سيدات مغربيات، بقامات معتدلة، وابتسامة عريضة مرسومة على الوجه. أنامل ناعمة تمتهن مهنة كانت بالأمس حكرا على الجنس الخشن. تشرف على تسيير المحل سيدة تنحدر من مدينة فاس، يتعلق الأمر بالسيدة سمية الإدريسي. جريدة هسبريس الإلكترونية التقت الإدريسي التي تطرقت إلى مشوارها المهني، الذي قادها إلى ممارسة مهنة الجزارة بمدينة لافال الكندية، بعد تجربة حافلة في ميدان التسيير، والخدمة الإدارية داخل مؤسسات بنكية، وأخرى في ميدان الاتصالات. حصلت الإدريسي على شهادة الباكلوريا بثانوية مولاي سليمان بمدينة فاس، والتحقت بعد ذلك بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات (ISCAE)، لتشغل منصب مديرة وكالة بنكية إلى حدود سنة 2001، حيث قررت حزم حقائبها، والتوجه نحو كندا، بحثا عن مستقبل أفضل لها ولأسرتها، تقول الإدريسي. لم تكن البداية سهلة بكندا، فقد كانت خريجة ISCAE مضطرة لقبول مهن ووظائف أقل أهمية بكثير من تلك التي كانت تتقلدها بالمغرب، وبموازاة ذلك، كانت تتاجر بشكل حر في بضائع مختلفة، تقتنيها من الولاياتالمتحدةالأمريكية وتعيد بيعها بمونتريال. استغنت المؤسسة التي كانت تشتغل فيها الإدريسي بمونتريال عن 400 موظف، كانت الإدريسي من بينهم، وبعد تجربة قصيرة في مؤسسة بنكية، لم تكن ضيفتنا راضية عما تجنيه مقابل عملها، لتفكر في إنشاء مشروع خاص بها يغنيها عن أجرة الوظيفة. ككل امرأة مغربية تحب توفير ألّذ الأطباق لأسرتها، تضطر الإدريسي إلى التردد على المحلات التجارية لاقتناء ما تحتاجه من خضروات، وفواكه، ولحوم.. ونظرا للازدياد الصاروخي لأعداد أفراد الجالية المسلمة بمونتريال وضواحيها، زاد الطلب على اللحم الحلال، ومن تم جاءت فكرة إنشاء محل متخصص في بيع اللحم الحلال، ومتطلبات الجالية المسلمة، والمغاربية على وجه الخصوص. خلال السنة الأولى، ظل رواد محل الإدريسي يعبرون عن دهشتهم من كون جزارة الحي امرأة، فيما أعرب البعض منهم عن خوفهم على أصابع الجزارة، حيث، في أكثر من مرة، خاطبها زبناؤها بعبارة "عنداك صبيعاتك"، لكن سرعان ما تعودوا على الأمر. أما الزبناء من النساء، فتقول الإدريسي إنها كانت تستمتع بكل زياراتهن، حيث كان يسود المحل نوع من الدردشة حول مواضيع تهم الأسرة، والطبخ، والهجرة.. وكانت الزائرات من أصول مغربية، وجزائرية، وتونسية، وغيرها، يستمتعن بالتعرف على بعضهن البعض أثناء التبضع، ويتبادلن أسرار الطبخ فيما بينهن. وختمت سمية الإدريسي حديثها مع هسبريس بتوجيه رسالة إلى الوافدين الجدد إلى كندا، من بين أفراد الجالية المغربية، تقول فيها "لا تبقوا مكتوفي الأيدي، حبيسي تجربتكم خارج كندا، تحركوا ترزقوا، أخرجوا كل طاقاتكم وتجاربكم السابقة، واستغلوها في شق طريقكم، في حياتكم الجديدةبكندا".