أبدعت في الرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا ... غاصت في عوالم المرأة والطفل ... خاضت في قضايا اجتماعية متنوعة ، غير أن الكاتبة الناظورية سمية البوغافرية لا تزال تطارد ذاك النص "البديع" الذي تبحث عنه منذ إمساكها القلم. " لا أخفي حقيقة أن كل نص جديد أشرع في كتابته ، أقول عنه هو ذا النص الذي أبحث عنه . فأندفع في كتابته بفرحة غامرة ، لكن ما إن تأخذ معالمه تتشكل، وجسده يكتمل أمامي حتى تخبو تلك الفرحة وأشعر بالخيبة .. " ، تكشف سمية في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة . وبكثير من التواضع، تقول سمية "إلى حد الآن لا يمكنني الجزم بأني اقتربت من القبض على النص +البديع+ الذي أطارده منذ إمساكي القلم ... وكل ما يمكن لي الجزم به أن كل نصوصي ولدت بذات الفرحة وانتهت بذات الخيبة، وأن كل نص جديد يحوز عندي رضا أكبر من سابقه، وأن هذا الرضا هو بمثابة شهادة ميلاد لنصوصي وتأشيرة مرورها إلى القارئ دونه العدم .... ". ويقينا ، تتابع الروائية الريفية " أشعر أن عمري الإبداعي يتقدم، وإنتاجي يتنوع ويتكاثر أمامي، وأنا لا زلت في مكاني لا أبرح نقطة الانطلاق ..". ولا تخفي أن سعادتها في العمل وفي تحدي قدراتها واكتشاف طاقاتها، قائلة "لا يهمني أن أنجح في مسعاي بقدر ما يهمني السعي نفسه وما أستجلبه لنفسي من الرضا والفرحة وأنا أقتحم مجالات وأشيد لي فيها صروحا كنت فيما قبل أراها خلقت لغيري". ورغم كل ما تعرضت له من "إخفاقات وخيبات كبرى غيرت مسار حياتي، الا أني لا أذكر أني استسلمت يوما لموجة يأس، أو نوبة تشاؤم"، متسائلة عن سر هذا التفاؤل والأمل اللذي لا ينطفئ في دواخلها لتخلص إلى أنه "ربما نعمة ربانية يهبها سبحانه لمن يشاء، وربما لإيماني المطلق أن الحياة لا تتوقف عند معضلة أو عائق أو خيبة مهما بلغت شدتها، وربما أيضا لأن اليأس والتشاؤم عندي مرادفان للعجز والشلل والموت". وترى سمية البوغافرية أنه إن احتفت كتاباتها بهذا النور من الأمل والتفاؤل فربما لأن الكتابة قبل كل شيء تعبير عن الذات. لكنها تقر أنه ومع ذلك، فنصوصها الأخيرة التي قاربت فيها راهن واقع الامة العربية، "أجدني فيها رغم تسلحي بهذا الأمل المتوطد في نفسيتي، كمن يدفع قاربه نحو الضوء بمجذافين معطوبين يكادان كل مرة يسقطان من يديه ". وفي محاولة لاسترجاع بداياتها مع الكتابة، تذكر سمية أن "القلم كان رفيق طفولتي ، أسجل به كل حدث سعيد أو مؤلم. وما فاتني تسجيله في مذكرتي أناوشه في الأثير ، وأؤنسن كل شيء تقع عليه عيني وأستنطقه وأكتب فيه وله قصة حياة .. ثم تطورت الأمور ليسجل قلمي نبضات دواخلي من فرح وحزن وألم .. تزداد تتوطد علاقتي بالقلم والورقة فيما بعد، فيستفزني بياض الورقة ويلح علي هاجس معانقته وأفضي إليه بحديث يستغرقني كلية، لأقف عنده فيما بعد، حين أعود إليه، مندهشة أتساءل إن كانت يدي حقا من خطته ". تتوزع كتابات سمية بين القصة والرواية والقصة القصيرة جدا والمقال .. إلا أنها تعترف بأن عالم الرواية يجذبها أكثر من غيره .. "ربما لأنه الأكثر قدرة على استيعاب أفكاري ، ويتيح لي من الحرية في التعبير عنها ما لا يتيحه جنس آخر.. وربما أيضا لأنه يبتلع كياني وطاقتي وجهدي ولا يذر لي شيئا من الطاقة لأستثمرها في أجناس أخرى". ومع ذلك ، لا تخفي مبدعة "أقواس" و"عصيان أبيض" بأن لها علاقة حميمية جميلة بالقصة القصيرة جدا، التي "ساهمت في تأسيسها بمجموعتين قصصيتين ، تتضمن ما يقارب مائتي نص، زينت بها مساري الأدبي وحققت لي من الشهرة ما لم تحققه لي أعمال أخرى..". وتفتخر سمية باهتمام " أدباء كبار" بتجربتها في هذا الجنس الأدبي المستحدث ، على غرار جميل الحمداوي ، ومحمد رمصيص ، ومحمد يوب ، وحميد ركاطة ، ومصطفى سلوي الذي قال في حقها.. " تعد سمية البوغافرية بالنسبة إلي من أكثر الساردات المغربيات المعاصرات إقناعا في مجال كتابة القصة القصيرة جدا " . وتنظر سمية البوغافرية ، التي حملت الدورة الثانية للمهرجان العربي للقصة القصيرة جدا اسمها (الناظور- 2013 ) ، بتفاؤل كبير إلى مستقبل هذا الجنس الأدبي الجديد ، فترى أن "جذوره ستزداد ترسيخا في تربة السرد، إنتاجا وتنظيرا واستهلاكا، وسيشتد عوده، وتتسامق أفنان شجرته عالية "، مسترسلة أن القصة القصيرة جدا "ستطهر نفسها من كل ما نسب إليه ظلما وعدوانا كما تتطهر الأشجار من الأوراق الميتة.. ولن تطالها غير يد محنك خبير بفنون السرد ومتمرس على الكتابة... ". وبخصوص الثيمات والمواضيع التي تسيج اهتماماتها ، كشفت الكاتبة الناظورية ، أنها كانت في البداية "مسكونة بموضوع المرأة .. لكن تراجعت كتاباتي فيها وعنها فيما بعد، بعدما تحقق لها من حقوق مكفولة بقوة القانون ، تؤهلها أن تنهض بحياتها كما تريدها شأنها شأن الرجل. فحملتها مسؤولية وضعها، وصرت أخوض في قضايا اجتماعية وعالمية تفرض نفسها". وتجسد الاهتمام المتنوع لسمية في روايات ومجموعات قصصية قصيرة من قبيل "نهر الصبايا" و"قمر الريف" و"عاشقة اللبن" و" زليخة" و "رقص على الجمر" ، بالإضافة إلى المجموعة القصصية " أجنحة صغيرة " التي دشنت بها ميلادها الأدبي سنة 2009 . ولم تغفل سمية الأم أن تكتب للطفل وعنه ، من باعث توعيته بحقوقه وواجباته، وتنمية قدراته، وتقويم سلوكه، وتنبيهه إلى الأخطار المحدقة به ، فأفردت له روايات ومجموعات قصصية على غرار "علاء الدين والحاسوب السحري " و" الإمبراطور شمسون والزهرة العجيبة " و" الأمير المفقود " و" الطفل الطائر". ولخص الأديب مصطفى سلوي المواضيع التي تناولتها الأعمال القصصية والروائية لسمية البوغافرية ، التي أنجز حولها أكثر من ثلاثين بحثا جامعيا ، في أربع موضوعات كبرى تتعلق بالقيم ، والعلاقة بين الرجل والمرأة ، والنقد السياسي ، والفساد الاجتماعي. * و.م.ع