الثورة قادمة لا محالة لطالما نبهت في تجمعاتنا وفي كل مناسبة إلى خطر توجه الدولة الديكتاتوري نحو إحدى مقاربتي الديكتاتورين العربيين بنعلي ومبارك على الملكية نفسها والمجتمع بأسره وقلت مرة في مؤتمر حزبي أشرف عليه الأخ سعد الدين العثماني ما معناه أن الثورة في المغرب قادمة لا محالة، وهو ما جعل الأخ العثماني يهمس في أدني قاءلا بأني أعرض نفسي للخطر لأن بقاعة المؤتمر جواسيس من طبيعتهم نقل أخبار زائفة. لست متنبئا وإنما هي قراءة لسنة الله في الكون " ولا بد لليل أن ينجلي" و"الاستبداد مهما طال مصيره إلى الزوال"؛ قراءة متواضعة من فاعل سياسي متواضع للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي؛ لقد قلت حرفيا في نهاية مداخلتي موجها كلامي للملك ".. لقد طفح كيل الفساد والرشوة وتزوير الانتخابات ونهب المال العام، ودق ناقوس الخطر، و الوضع ينذر بالاضطرابات الاجتماعية. إن المفسدين أعدوا أنفسهم للهروب إلى الخارج بحقائبهم الممتلئة حيث هناك أرصدتهم المالية.. أما أنت يا جلالة الملك فيجب أن تبقى للشعب وتتدخّل عاجلا، وتطرد المفسدين من حولك وتحاسبهم قبل فوات الأوان..". هو تعبير صادق، يقوله جميع المغاربة سرا أو جهرا إلا المنافقون الذين يظهرون غير ما يبطنون، وهم الذين كذبوا في حبهم، والعبرة البالغة في نظرائهم في مصر وتونس وغيرهما الذين يبالغون في مدح رئيسهم الهمام فلما سقط انقلبوا وانقضوا عليه. نحن الشعب جميعا نحب الملك ولكن يجب أن يبادلنا الملك ذلك الحب عمليا بأن يبعد عنه بطانة السوء التي تجهض كل مرة مبادراته و تهدد حتى مستقبل الملكية. لقد آن الأوان لكي يصرخ الغيورون على وطنهم وعلى ثوابتهم الدينية والوطنية، أن يصرخوا بأعلى صوت "كفى!!" وبلغة الدارجة "باراكا!!". لذلك يشرفني كمناضل داخل حزب العدالة والتنمية أن أشارك شباب 20 فبراير عبر الشبكة الاجتماعية "الفايسبوك" في همومهم منذ 15 يناير وهو التاريخ الذي وقعت فيه على بيان كتابتنا الجهوية، من أهم مضامينه " دعوتنا الجهات العليا إلى الإعلان عاجلا عن إجراءات عملية قبل فوات الأوان لحماية ثوابت الأمة وشعارها ولضمان استقلالية القضاء وذلك بمحاربة المفسدين المتنفذين بلا هوادة، والحد من نفوذ الحزب الديكتاتوري بأدوات الإدارة ". كما يشرفني أن أوقع بجانب عدد من مناضلي الحزب وطنيا وجهويا على وثيقة إعلان المشاركة في حركة 20 فبراير. وهو إعلان يضع خريطة طريق واضحة لثورة الإصلاح السياسي الجذري، يؤسس لملكية برلمانية تجعل الحكم كله قابلا لمحاسبة الشعب، وتجعل كل مقدرات البلاد تحت تصرفه ومراقبته. وبالمناسبة أعلن للرأي العام أنني لم أتنازل عن هذا الموقف ولم أقدم أي اعتذار بشأنه كما ورد في جريدة "أخبار اليوم". إنه سلوك منا تقتضيه أطروحة النضال الديموقراطي للحزب التزاما بالمصلحة الوطنية التي هي فوق كل اعتبار وفوق مصلحة الحزب وكل شخص آخر، وبعبارة إمام فقيه المقاصد الشاطبي" مصلحة العموم مقدمة على مصلحة الخصوص"، وهي مصلحة أدركها منذ اليوم الأول قطاع عريض من أطر ومناضلي الحزب المشاركين في الاحتجاج. إن الثورة في المغرب قادمة لا محالة، لكن الشعب المغربي كله وبإجماع تقريبا يريدها ثورة للملك والشعب بإرادة ملكية حقيقية، بعيدة عن تأثير المحيط الفاسد والمفسد. ولا أحد يسعى إلى ثورة الشعب بلا ملك إلا أعضاء خلايا الإرهاب المخزني المحكمة التنظيم من خلال حزبها الديكتاتوري وبوليسها السياسي والإعلامي ولوبياتها الاقتصادية!.. رسائل من وإلى البوليس السياسي الاعلامي أولا: لقد ركز البوليس الإعلامي منذ بداية حركة 20 فبراير على رسالة يسعى إلى تبليغها المواطنين مفادها أن هذه الحركة ما هي إلا مجموعة من اليساريين الراديكاليين "ووكالين رمضان " " والشواذ جنسيا " بالإضافة إلى مجموعة من الألقاب من قبيل هذا "متطرف" وهذا "ملحد" وهذا "خرافي" وهذا "مخرب" و...و... ولم يبق لهم إلا أن يلقبوا آلاف متظاهري يوم 20 فبراير ب"الجرذان" و"المقملين" إلى غير ذلك من مصطلحات المهزومين وعديمي الضمير الأخلاقي والحس الوطني. إن ما لم ينتبه إليه البوليس الإعلامي أن حيلهم وأكاذيبهم لم تعد تنطلي على الشعب في زمن ثورة المعلوميات وتنوع مصادرها. وإن أمرهم قد انكشف وعليهم أن يرحلوا! ثانيا: من ابتكارات البوليس الإعلامي في المغرب، بالمقارنة مع الديكتاتورين التونيسي والمصري اللذين استعملا فزاعة الإسلاميين لتخويف الرأي العام الدولي وليس المحلي، أنه أبدع في قاموس مفرداته فزاعتين وليس واحدة. الفزاعة الأولى هي فزاعة "جماعة العدل والاحسان" يلوح بها المخزن كغيره من الأنظمة الاستبدادية لتخويف الغرب وتحذيرهم من خطر صعود الإسلاميين بدون التمييز بينهم، خصوصا وقد نشرت وثائق ويكيليكس مطلع هذا العام الخطة التي أعدها الهمة من داخل القصر لتحجيم حزب العدالة والتنمية والقضاء عليه. وأما الفزاعة الثانية فيلوح بها للمواطنين وليس للخارج وهي فزاعة حزب النهج الديموقراطي وخطر ما سماه "الإلحاد" على المجتمع المغربي لأنه يدعو إلى إعلاء المواثيق الدولية على الشريعة ولأن أعضاءه كما سماهم "ملحدين" يدافعون عن حرية "ووكالين رمضان والشذوذ الجنسي". ولقد أعطت هذه الحملة المغرضة أكلها نسبيا في اليوم الأول من الاحتجاج حيث شكك العديد من المواطنين وحتى بعض الفاعلين السياسيين، بفعل هذه الدعاية المغرضة، ولم يتعد عدد المشاركين في اليوم الأول إلا عشرات الآلاف؛ إلا أن حبل الكذب قصير كما يقال. رغم أن انطباق هذه الأوصاف على هذا الشخص أو ذاك لا يقدم ولا يؤخر باعتبار أن الحرية مكفولة لكل شخص ولكل حزب لكي يعبر عن معتقداته وبرامجه إلا أنني شخصيا وغيري من المواطنين نشهد أن عددا من قيادات هذا الحزب متدينون وفضلاء بالمقاييس الدينية. وإن هذا الحزب رغم اختلافنا معه في ايديولوجيته ومرجعياته من حسناته أنه ليس في برنامجه أية خطة أو دعوة لإقصاء الإسلاميين في المشاركة السياسية حتى الموصوف منهم ب"الارهابيين"، بالقوة أو استعمال "البلطجة" أو أدوات الدولة. إن الوجه الآخر الذي لم ينتبه إليه البوليس الإعلامي في رسالته هو أن الشعب المغربي فهم جيدا رسالته، أولا عندما تذكر ما سمي ب"الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" التي واجهها الشعب والتي كانت تدعو إلى الشرعنة، بطريقة لا ديموقراطية، لرذائل وخبائث الدنيا كلها، وهي خطة خرجت من رحم وزارة الداخلية عندما كان فيها لمؤسس حزب الدولة يد طولى بشكل مباشر، وعندما كان يُعد الدولة لتطبيق المقاربة الاستبدادية للرئيس المخلوع بنعلي. وفهم الشعب الرسالة ثانيا عندما تذكر تصريح أحد قادة حزب الدولة وهو صديق صديق الملك في القناة الثانية بالدفاع عن مشروعية الحفل العلني للشواذ جنسيا حسب إفادة أحد القادة السياسيين في حوار معه بالقناة نفسها، وعندما افتخر الصديق الجديد للملك زعيم هذا الحزب بماركسيته ولينينيته. إن المشكل الأساسي بالنسبة إلينا ليس في التصريح بذاته لأنه يدخل في نطاق الحرية الشخصية المكفولة شرعا لكل الناس، ولكن المشكل هو كونه صديقا للملك ويتحكم في دواليب الدولة بفكره الاستبدادي، ثم المشكل الأكبر هو تصريحه لأحدى الصحف الوطنية - بصفته صديق "أمير المومنين"! بالقول:" خياري الفكري والسياسي ضد أسلمة الدولة والمجتمع، وسأصارع فكريا وسياسيا هذا المشروع ومن مختلف المواقع"!! يقول هذا الكلام في الوقت الذي يصف فيه حزبه مشروعه بأنه "مشروع الملك"!. فمن هو الأخطر على المجتمع والدولة؟! المشروع الماركسي اللينيني لحزب النهج الديموقراطي الذي يعمل باحترام قواعد اللعبة السياسية أم " المشروع الملكي" "الديموقراطي" "الحداثي" كما يصفه أصدقاء الملك الذين يعملون على إرساء برامجهم بالسطو على مؤسسات الدولة ومقدراتها وضرب كل مناوئ أو مخالف؟!! أرجوكم أيها المعنيون بالأمر أن تفهموا قبل فوات الأوان. ثالثا: رغم كل ذلك، لقد انكشفت أكذوبة فزاعتي "اليسار الراديكالي" و"العدل والاحسان" يوم 20 مارس الذي تميز بحضور ملحوظ كميا ونوعيا بمئات الآلاف في ساحة الاحتجاجات من عموم الشعب. ولم تعد فقط بضعة آلاف "جماعة العدل والاحسان" التي خرجت في زعمهم يوم 20فبراير. وليس من المستبعد أن يستورد البوليس الإعلامي من القاموس اللغوي الليبي كلمة تسعفه للقول إن هذه المئات من الآلاف ما هي "جرذان" جماعة العدل والاحسان التي ولدت في مخافر الشرطة وفي غضون أقل من شهر. لقد أثبت 20مارس أن اليسار والإسلاميين عموما ليسوا إلا طيفا صغيرا من أطياف المجتمع وأن حركة 20 فبراير ليست حكرا على أحد، ولا أحد يدعي أنه ناطق باسمها. رابعا:كانت تمنيات البوليس السياسي يوم 20 مارس أن تفلت الأوضاع عن السيطرة ليصطادوا في الماء العكر، لكنهم لم يحصلوا على أي شيء وبقي صمود الشعب والانخراط المتزايد في مشروع النضال الديمقراطي الشعبي. وكان هذا اليوم دليلا قاطعا على أن كل أعمال العنف والشغب التي تلت الخطاب إنما هي من صنع ولاة وعمال الحزب الديكتاتوري ليبلغوا رسالتهم للمغاربة الذين أحسنوا الظن بالخطاب مفادها "إننا هاهنا ..السلطة بيدنا .. ما زلنا باقين". ولم يبق لهم إلا أن يستعملوا كعادتهم أدواتهم البوليسية السرية والعلنية لتشويه سمعة الشرفاء والفضلاء من كل التيارات المناضلة في هذا البلد. خامسا: يوم الأحد الماضي 20 مارس كان ضربة قاضية للوبي الفساد والنافذين بوزارة الداخلية وبوليسهم السياسي والاعلامي. لقد أثبتت مئات الآلاف من الجماهير في ربوع الوطن بكل اتجاهاتها وطبقاتها في مسيرات التعبير السلمي عن الرأي والمطالبة بحقوقها الشرعية، أثبتت أنها تمتلك وعياً سياسياً وحساً وطنياً، ولا يمكن التلاعب بمشاعرها لبث الفرقة في صفوفها، ولم تقبل من الشعارات إلا ما يعبر عن التزامها بثوابت المجتمع المغربي وما يعبر عن المطالب المشروعة لحركة 20 فبراير بكل مسؤولية أشاد بها الإعلام الرسمي بخجل وعلى مضض، أقصى حدود تلك الشعارات كما تتبعها الإعلاميون : "الشعب.. يريد.. إسقاط الفساد" و"الشعب.. يريد.. ملكية برلمانية". * عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية