خمس سنوات من "الربيع المغربي".. في المعهد الهولندي بالرباط، قدمت محاضرة لفائدة دبلوماسيين أجانب مقيمين بالمغرب، حول"الإعلام المغربي في عهد الحسن الثاني ومحمد السادس"، فسألني دبلوماسي هولندي:"ما هي الوسيلة الاعلامية التي تنقل أصوات المغاربة بكل مصداقية؟"، أجبته:"فيسبوك"، وأضفت"فيسبوك هو منبر لصوت المغاربة لكنهم للاسف للان لا يعرفون انهم أصبحوا قادرين على احداث التغيير الايجابي عبر فيسبوك أو قوة الشعب كما أسميه". أمير فيسبوك في 2008 سيجوب المغرب أشهر وسائل الإعلام الدولية بسبب قضية "أمير فيسبوك"، إذ أثار حكم بالسجن ثلاث سنوات وغرامة مالية قدرها 10 الاف دولار على مهندس شاب هو"فؤاد مرتضى"، بتهمة"انتحال صفة الامير مولاي رشيد بوضع صورته في بروفايل فيسبوك" حفيظة النشطاء والحقوقيين في مختلف دول العالم الذين رأوا في هذا الحكم "جهلا بماهية فيسبوك". ردا على هذا الحكم، قام عدد كبير من مواطني العالم بوضع صورة الملك محمد السادس مكان صورهم الشخصية في صفحاتهم على فيسبوك، معلنين أن"فيسبوك أتى ليكسر القداسة ويربط سكان العالم في شبكة علاقات مبنية على المساواة". فؤاد مرتضى ابن الجنوب الشرقي، وخريج مدرسة المحمدية للمهندسين، كان محظوظا لأن له أختا تقيم في مونتريال حركت المجتمع الدولي، وكذلك النشطاء الرقميين، من أجل الضغط على المغرب واطلاق سراح فؤاد مرتضى، و"احراج المغرب"، وجهازه القضائي الذي بدا عاجزا عن فهم تطور التكنولوجيا في العالم، وتطويرها للمجتمعات من خلال نشر ثقافة"التشبيك". فتور فيسبوك فتر وهج فيسبوك المغرب مع اطلاق سراح فؤاد مرتضى، لكن قمع حرية التعبير على الانترنت لم تفتر، انما انتقلت الى المدونات التي كانت في أوجها. اعتقال المدون انذاك محمد الراجي، جعل المغرب يعود إلى ساحة الاعلام الدولي، وانطلاق حملات الكترونية لاطلاق سراحه. قضية أخرى ستسترعي اهتمام رجال القرار في المغرب، لا علاقة لها بفيسبوك، لكن بشبكة اجتماعية تشتغل بنفس الطريقة التي كان رجالات المغرب لا زالوا يجهلون ماهيتها. على يوتيوب، نشر شخص أطلق على نفسه اسم"قناص تارجيست"، مقاطع فيديو تظهر رجال الدرك وهم يتسلمون"اتاوات" من اصحاب الشاحنات وباقي وسائل النقل العمومي، لتقوم القيامة، وتصدر عقوبات بحق رجال الدرك المتورطين، ويواصل "قناص تارجيست" صيده لباقي "المفسدين" دون أن يكشف عن هويته خوفا من أن يطاله العقاب، ويبقى مختفيا الى حدود سنتين حين نشرت مجلة هسبريس حوارا معه قال فيه "أنه يسعى الى الخروج من المغرب هربا من المضايقات". قد يبدو ما قاله قناص تارجيست غريبا اليوم، لكن حكاية عبد الرحمان الذي فضح الغش في الطرق العمومية، فكان نصيبه اعتقاله بدل اعتقال المتورطين، تظهر أن رجال القرار في المغرب لا زالوا غير قادرين على استيعاب أن التكنولوجيا الحالية فرضت تغييرات كثيرة حتى في تعاطي المواطن مع الاحداث، وان المواطن لم يعد "حبيس قصر اليد"، وأن تعامل صناع القرار في المغرب يجب أن يتأقلم مع الأجواء الجديدة بدل محاولة قمعها. عودة فيسبوك قبيل اندلاع الربيع، حللت بميدي1 رديو الدولي مسؤولة عن مشروع الاعلام الرقمي، كان صحفيو الراديو يجهلون شيئا اسمه"صحافة المواطن"، "التدوين والنشطاء الرقميون"، وحين اندلع الربيع، كان اغلبهم يأتي إلي ليستفسر"شناهو هاد فيسبوك؟"...العالم الانكلوسكسوني كان يركض بسرعة عجز فيها صحفيو الراديو الفرنكوفوني عن مجاراته. مخطئ، من يعتقد أن رياح الربيع في تونس انطلقت من أجل نصرة شاب عاطل عن العمل أحرق نفسه، ومخطئ من يعتقد أن رياح الربيع في مصر انطلقت بين ليلة وضحاها وليس بسبب تراكم عدد من الاحداث والقضايا، ومخطئ من يعتقد ان رياح الربيع انطلقت من فيسبوك او تويتر او يوتيوب او المدونات، وليس من واقع مرير قمعت فيه كل وسائل التعبير عن الغضب فلم تجد سوى الانترنت منفذا للتعبير عن غضبها، واستمر هذا الغضب يتفاقم حتى عاد من حيث أتى ...الشارع. في المغرب، كان الوضع مختلفا، أغلب النشطاء كانوا منضوين تحت لواء جمعيات حقوقية او ايديولوجيات معينة، اغلبهم كان يؤمن بنضال الشارع او ما يطلق عليه الميدان، اغلبهم كان يؤمن أن التغيير يأتي بالاحتجاج والتظاهر، وقلة منهم كان "مؤثرا على فيسبوك او يوتيوب او حتى تويتر"، حتى وان تواجد على هذه الشبكات، وقلة منهم كان قد استفاد من دورات تدريبية في أمريكا، ألمانيا، بريطانيا، هولندا، والسويد، وقطر، حول"الاعلام الاجتماعي ودوره في احداث التغيير الايجابي"، حسب لغة "الليبراليين" ومن أجل "النهضة حسب لغة"الاسلاميين". حين اندلعت رياح الربيع، كان المحتجون في المغرب من "ابناء النضال الميداني"، لكن ولانها الموضة كان يجب أن يطلق عليهم"الفيسبوكيون" أو "النشطاء الرقميون"، ما دامت صحف العالم كانت تردد أن"الفيسبوكييين والتويتريين والمدونين والنشطاء الرقميين...خرجوا في ثورات الفل والياسمين". حركة وحكومة وفيسبوك تألق فيسبوك في سنة 2011، كان يوتيوب ينافسه في التألق، وحاول تويتر مجاراة المنافسين، فتح شباب مغاربة صفحاتهم للتعبير عن رأيهم في المغرب الذين يريدون، تجمعت الاراء في مكان واحد، انتقلت الدولة العميقة الى هذا المكان، كانت ذكية بتفادي القاء القبض على كل ناشط رقمي، بمتابعة اصوات الشباب في اعلامهم"البديل"، كانت أذكى بارسالها صورة للملك محاطا بايادي مع عبارة "كلنا معك يا ملكنا"، كانت اقل ذكاء وهي ترعى ما يعرف ب"الشباب الملكي" الذي لم يكن يتوان عن "السب والشتم والتهديد والوعيد" لكل من ينتمي او يعلن انتماءه او تعاطفه مع "الفبرايريين". الفبرايريون أيضا لم يكونوا أكثر ذكاء... في الذكرى الأولى لحركة فبراير خرج تقرير على صحيفة أمريكية تقول ب"موت حركة عشرين فبراير"، في مايو 2012، كتبت مقالا بالانجليزية نشر في كتاب تحت رعاية السفارة السويدية في مصر عن"فيسبوك الذي قتل حركة عشرين فبراير"، وفي ديسمبر من نفس السنة قدمت محاضرة في منتدى الأممية للاشتراكية بالمكسيك حول"الاخطاء الخمسة التي أردت حركة عشرين فبراير قتيلة". تدخلت الدولة العميقة لايقاف الحراك المغربي، وتحويله الى ما تريده ان يكون، لكن الفبرايريون أيضا ارتكبوا اخطاء جعلت الحراك يخرج من ايديهم، وهذا ما يجب على النشطاء الحقوقيين القيام به"قراءة في الذات". أبسط هذه الاخطاء هو "جهل الفبرايريين بطبيعة المجتمع المغربي ذي العقلية المحافظة واعتقادهم ان شعب فيسبوك المغربي هو شعب متحرر وعدم انتباههم الى ان تداول صور منشورات لهم بها خمر مثلا او ما شابه قد يسقط عنهم كل تعاطف"... لم يكن هذا الخطا الوحيد، غاب عن ذهن الفبرايريين أن المناداة ب"الجمهورية" أو حتى"ملكية برلمانية" أو حتى الدعوة ب"الخلافة"، قد يثير مخاوف "الشعب الفيسبوكي" الذي لا يرى في غير النظام الملكي بديلا، كان الفبرايريون مستبقين لكثير من الأمور التي لم تكن لتفهم في سياقها من مغاربة لا زالوا يرفعون شعار"كول ووكل". موت حركة...ولادة شعب في محاضرتي بمؤتمر المكسيك، قدمت تعريفا لحركة عشرين فبراير"هو حراك ممتد منذ ايام الاستقلال أتى اليوم في شكل حراك اسمه عشرين فبراير، رفعت الحركة شعار خبز حرية عدالة اجتماعية، كل مؤمن بشعار العدالة والديمقراطية والكرامة هو فبرايري بالضرورة، توفيت الحركة منذ سنة، لكن المؤمنين بحياة كريمة عادلة لا زالوا في المغرب، قد تخفت حركة، لكن الحراك لا يموت، والا فهو موت المجتمع". لذلك الحركة قد تكون ماتت، لكن الحراك مستمر، مستمر في "شعب فيسبوك" الذي أنتجته حركة عشرين فبراير، وصعود اول حكومة باغلبية اسلامية. لنتأمل بعضا مما حدث منذ 2011: خروج مراهقين وشباب وشياب في وقفة احتجاجية ضد العفو الملكي على مغتصب الاطفال"دانييل" خروج نشطاء في وقفة احتجاجية امام البرلمان ضد اعتقال مراهقين تبادلا القبل قضية الاجهاض تشعل فيسبوك نشطاء يناهضون مشروع قانون المدونة الرقمية الفيسبوكيون يطالبون باقالة "وزير الكراطة" والملك يستجيب الفيسبوكيون يطيحون ب"كوبل الحكومة"، و"وزير الشكلاط" تحت ضغط احتجاجات الفيسبوكيين الغاء اتفاقية "التامين الفلاحي" التي استفاد منها الوزير العلمي صور سيلفي لملك المغرب على فيسبوك صايتي حريتي تخرج من فيسبوك الى الشارع نشطاء يطالبون بالغاء تقاعد البرلمانيين والوزراء بعد "فضيحة زوج فرانك" اطلاق سراح عبد الرحمان فاضح الطريق المغشوش بعد ضغط من شعب فيسبوك قد تكون الحركة ماتت، لكن يحسب لها ان اعادت لفيسبوك تالقه، وان فرضت على السياسيين الانتقال من مكاتبهم الى صفحات فيسبوك وحسابات تويتر، من أجل التواصل مع المواطنين، وهذا أكثر انجاز استطاع تحقيقه فيسبوك المغرب، نتاج حراك مغربي لم يكتمل كما يجب، لكنه مستمر وسيبقى مستمرا، فالدول المتقدمة ورغم وصولها الى تحقيق الكثير لا تزال...تناضل *مديرة مكتب استشاري في الإعلام والثقافة