تحل الذكرى الخامسة لحركة 20 فبراير وقد أكملت الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية عامها الخامس والأخير، ولعل العلاقة بين الحركة وحكومة بنكيران، في جميع نسخها، تتسم بالترابط والاختلاف في الآن ذاته. وقد كانت احتجاجات حركة 20 فبراير العامل الرئيسي في الإصلاحات الدستورية، وفي تنظيم انتخابات منحت حزب "المصباح" المرتبة الأولى، ومكنته من تشكيل ائتلاف حكومي عرف الكثير من التعديلات خلال السنوات الخمس الماضية. وفي الوقت ذاته، فإن حزب العدالة والتنمية، وبالخصوص أمينه العام بنكيران، كان من أشد من وقف في وجه الحركة، وعارضها وعبّر صراحة عن اختلافه معها، وطلب من قواعد حزبه الامتناع عن الخروج في احتجاجاتها. وإذا كان اختلاف بنكيران مع الحركة واضحا منذ نشأتها، فإنه ما فتئ يستعمل ورقتها حسب المزاج السياسي للبلد، وحسب وضعه ووضع حزبه داخل المشهد السياسي المغربي، ففي البداية قدم نفسه على أنه هو من واجه الحركة والاحتجاجات، وبعدها عاد لكي يتحدث، خلال انتخابات 2011 وحتى بعدها بأشهر، عن إمكانية عودة الحركة في حال لم يفز حزبه بصدارة الانتخابات. استعمال بنكيران حركة 20 فبراير وتلويحه باحتجاجاتها، رافقاه طيلة مساره كرئيس للحكومة، فتارة يؤكد أنه "منقذ" المغرب من الفوضى واحتجاجات حركة 20 فبراير، وتارة أخرى يحذر من إمكانية عودة الحركة في حال تصدر حزب الأصالة والمعاصرة المشهد السياسي، وبالتالي باتت ورقة 20 فبراير وسيلة بنكيران لتمرير رسائل سياسية واستعمالها في أوقات الشدة كما في فترات الانفراج، وله في ذلك مآرب شتى. فرصة "تاريخية" ضائعة نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، علقت، في تصريح لهسبريس، على علاقة بنكيران وحزبه بحركة 20 فبراير، وأكدت أنه منذ انطلاق الحركة عرف موقف حزب "المصباح" اتجاهها "تذبذبا وترددا"، وعلى الرغم من نزول بعض القيادات من الحزب، بشكل فردي، لاحتجاجات الحركة، إلا أن الموقف العام للحزب "كان هو مناهضة الحركة. حزب بنكيران كان من جملة الأحزاب التي اتهمت الحركة بزعزعة استقرار البلد"، تورد منيب، التي اعتبرت أن 20 فبراير هي التي حركت الخطوط الحمراء في البلد، ففي الوقت الذي لم يعد أي أحد يتحدث عن الإصلاحات الدستورية، "كانت الحركة وراء القيام بإصلاحات دستورية". وقالت منيب إنه حتى عند كتابة الدستور ظل حزب العدالة والتنمية يضغط بورقة الحركة من أجل فرض عدد من مطالبه، "واستطاع الحزب بفعل استغلاله لهذه الورقة أن يسحب مطلب حرية المعتقد، وأن يغير عبارة المغرب بلد إسلامي بعبارة دولة إسلامية"، مبرزة أن "المصباح" استفاد من ضغط الشارع رغم أنه لم يشارك فيه". منيب استغربت كيف أن حزب العدالة والتنمية لم يطالب بالإصلاحات ومع ذلك خرج رابحا منها، مشيرة إلى أنه لم يتحدث عن "الخروقات التي شابت الاستفتاء على الدستور لأن همه الأساسي كان هو جني أكبر قدر من المصالح السياسية"، وهو الأمر الذي ضيع على المغرب "فرصة تاريخية"، بحسب منيب. وعبرت منيب عن أسفها لكون بعض السياسيين يرون في السياسة "لعبة قذرة للوصول إلى السلطة بجميع الوسائل"، مواصلة أن بنكيران اتخذ من حركة 20 فبراير ورقة للضغط حتى وإن لم تكن ورقته، "والآن بنكيران وحزبه يريدون الحفاظ على مصالحهم"، وحذرت من أنه في حال عاد الحزب إلى رئاسة الحكومة مرة ثانية، "سيعمل بشكل أكثر شراسة لتنفيذ مشروعهم المجتمعي المحافظ السائر نحو الرجعية الذي لا يعترف للمرأة بإنسانيتها ولا يعتبر بالمواطنة الكاملة". ورقة للابتزاز من جهته أكد الباحث السياسي، محمد شقير أن بنكيران ومنذ ظهور حركة 20 فبراير لم يخف معارضته لها، "بل قام بمجهود كبير لمنع قواعد حزبه من الخروج مع الحركة"، موضحا أنه حتى قياديي الحزب لم يسجلوا موقفا مؤيدا باستثناء خرجات فردية لبعضهم. وفسر شقير تلويح بنكيران بورقة 20 فبراير في العديد من المناسبات بمحاولته "الضغط على الخصوم السياسيين، وابتزاز القصر"، معتبرا أن بنكيران استوعب أنه باستعماله لورقة احتجاجات 20 فبراير "يمكن أن يجتذب العديد من المزايا، وأن يقلل من الضغط عليه وعلى حزبه مع بداية التجربة الحكومية". أما في ظل الظرفية الحالية، فيرى شقير أن تلويح بنكيران بيافطة 20 فبراير بات أقل فاعلية، "لأنه من الصعب في الظرف الحالي أن يتحدث، عنها كما أنه من الصعب أن يتوافق مع الحركة لأنه أحرق جميع السفن معها"، على حد تعبير المحلل السياسي. ولفت شقير إلى أن بنكيران عندما كان ينبه إلى إمكانية عودة 20 فبراير، "فقد كان يشير إلى جماعة العدل والإحسان، ويرسل رسالة سياسية تفيد بأنه كما شاركت الجماعة في وقت سابق، فإن حزبه قادر على تحريك الشارع، وكل هذا في إطار التسخينات للانتخابات المقبلة، مؤكدا أن تكوين بنكيران وقناعاته تجعل من الصعب أن يتوافق مع مطالب الحركة. "كسب ود الدولة" بدوره شدد منير الجوري، القيادي في جماعة العدل والإحسان، أن موقف بنكيران الرافض للانخراط في حراك 20 فبراير كان منسجما مع نظرته للعلاقة مع المخزن/الدولة، وهي نظرة معروفة منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان دائما يراهن على كسب ودها والتقرب منها". واستطرد القيادي في جماعة العدل والإحسان، في تصريحات لجريدة هسبريس، بأن بنكيران كان يبني رؤيته السياسية على أنه بمغازلة السلطة، يمكن أن يحقق ما لا يحقق بالاحتجاج ضدها، وقد اتضح موقفه أكثر عندما حاول كرئيس حكومة أن يؤسس للفصل التام بين الاحتجاج وتحقيق المطالب". وفسر الجوري مواقف بنكيران "المتذبذبة" بوجود توجه ضاغط داخل حزب العدالة والتنمية، وقتها، كان له رأي مخالف لما يدعو له بنكيران، لذلك فقد حاول اللعب على الوترين لكسب الدعم الداخلي وبعث الرسائل "الغزلية" للمخزن، وهي استراتيجية حققت هدفه في الوصول إلى الحكومة. ولم يستبعد المتحدث رغبة بنكيران "في ركوب الموجة الشعبية، لذلك فقد استغل حزبه شعار حركة 20 فبراير: إسقاط الفساد والاستبداد، في حملته الانتخابية قبل أن يعود لملاطفة الاستبداد والعفو عن الفساد"، على حد تعبيره. واعتبر الجوري أن موقف بنكيران السياسي، "مناقض لمنطوق النظريات السياسية والتجارب التاريخية، فمن المستحيل أن تتنازل سلطة ما عن امتيازاتها وصلاحياتها عبر الغزل ودون ضغط شعبي"، ذلك أن غياب الضغط الداخلي والخارجي يجعل الأنظمة السياسية تتحرك ببطء كبير جدا على طريق التغيير والانتقال الديمقراطي، وتابع القيادي بالجماعة بأن "تقدير بنكيران لا يخلو من الأنانية الحزبية، حيث إن استغلال حراك شعبي لمصلحة حزبية ضيقة فيه ضرر كبير للوطن وللحظاته الهامة في مسار التغيير والدمقرطة وبناء دولة الحق والقانون"، على حد قوله.