عبد الحق المريني، رجل البروتوكول الملكي بامتياز، حاضر في كل الأنشطة الملكية، وجه معروف ومألوف في القصر المغربي، خلوق وخدوم ومنظم، يوافق بين الصرامة اللازمة والتواضع الجم، هكذا يصفه المقربون منه، يحب أن يكتب ويقرأ باستمرار رغم مشغولياته الكبرى، يفاجئ الآخرين بإصداراته بين الفينة والأخرى، آخرها دليل شامل عن المرأة المغربية، ودليل آخر عن نبغاء المغرب. حاولنا في هذا اللقاء استجلاء ملامح خاصة في حياة رجل حافل.. كيف تستيقظ عادة في الصباح؟ أستيقظ بنفسي أو بواسطة منبه الساعة كما يفعل باقي الناس. ما هي العادة التي تحرص عليها كل يوم؟ القيام بتمارين وحركات رياضية في كل صباح، حتى تتمكن عضلاتي ومفاصلي من أداء أدوارها كاملة غير منقوصة، من أول النهار إلى آخره. هل تفضل القهوة أم الشاي، بسكر أو بدونه؟ أفضل القهوة مع الحليب في الصباح بدون سكر، والشاي سواء أكان أخضر أم أسود بالليل قبل النوم، وبدون سكر أيضاً. هل تتبع حمية غذائية معينة؟ «الحمية رأس الدواء، والبطنة رأس الداء» كما يقال، فالحمية الغذائية أصبحت اليوم من ضروريات الحياة ومن أسس توازنها. يوم وموقف كيف تجد وقتاً لأسرتك مع انشغالاتك اليومية وطوارئ عملك اليومي داخل القصر الملكي؟ تجمعني مع زوجتي وبعض أفراد أسرتي الصغيرة مناسبة طعام الفطور صباحاً، أو مأدبة العشاء مساءً، فخلال هاتين المأدبتين أجد وقتاً، ولو كان صغيراً، لتجاذب أطراف الحديث وتبادل الآراء في كل شيء وفي لا شيء. كيف استطعت أن تكسب ثقة الملكين: الحسن الثاني ومحمد السادس؟ خدمة الملوك تشريف، وقد أسعدني الحظ بأن خدمت ملكين مثل خدام آخرين، وخدمة الملوك تتطلب عدداً من الخصال: كالدراية، والإخلاص في العمل، والخبرة، والمواظبة، والصبر، والثبات في المواقف الصعبة، والتشبث بالمبادئ المثلى، وقديماً قيل «السلوك نصف خدمة الملوك». بعد هذا العمر في خدمة القصر ماذا يمكن أن تقول لنا عن عملك؟ عملي انحصر في شيئين: استفادة وإفادة، أخذ وعطاء، حيث مررت بتجارب مهمة وواجهت عدداً من المواقف والقضايا، وخضت غمار كثير من الأحداث، أصبت وأخطأت. عشت ظروفاً صعبة، وأخرى سعيدة، وهذا هو ناموس الحياة العملية. موقف نبيل لن تنساه أبداً؟ عندما كنت صاعداً في مصعد للقصر الملكي، لألتحق بالمغفور له الملك الحسن الثاني، بأمر منه، في منتصف ليلة من ليالي رمضان، توقف المصعد لعطب أصابه، وبقيت معلقاً في مصعدي لا حول لي ولا قوة، ومن حسن الحظ كان في المصعد هاتف، حيث اتصل بي الملك عدة مرات ليسأل عن حالتي، وأنه يعمل على إنقاذي بكل الوسائل، سيما وأن الهواء بدأ يقل داخل المصعد، وقد بقيت في هذه الوضعية ما يزيد على الساعة، حتى وصل التقنيون وحركوا المصعد، وخرجت منه وتنفست الصعداء. فأثر هذا الموقف الإنساني النبيل الذي وقفه المغفور له الملك الحسن الثاني، في نفسي غاية التأثير، وبقي راسخاً في ذهني أتذكره كلما أضع رجلي في مصعد من المصاعد. علاقتك بالأمراء والأميرات تجعلك شخصاً محسوداً أحياناً، هل تؤمن بالعين والحسد؟ أنا أقوم بواجبي بكل إخلاص وتفان، وما عدا هذا لا يهمني لا الحسود ولا عينه، لأن الحسود لا يسود وفي عينه عود، كما يقال، وإن كانت العين حق، كما في الحديث الشريف. كيف تتصدى لمن يحسدك؟ لا أبالي ولا أعبأ بحسده، لأنه بالنسبة إلي نكرة على الهامش لا تثير انتباهي. من هم أعداؤك؟ لا أعداء لي، ولا أخفي عليك أنني واضع «كلمة ذهبية» فوق مكتبي في إطار جميل أقرؤها كل صباح ومساء، وهي قولة حسن الداخل المؤسس الأول للدولة العلوية «من فعل معي الشر أفعل معه الخير على أن يغلب خيري شره». كم ساعة تعمل في اليوم؟ عملي لا تحده الساعات ولا الدقائق، فهو عمل مستمر يبتدئ حيث يبتدئ وينتهي حيث ينتهي. أين تقضي عطلتك؟ أقضيها غالباً على شاطئ البحر، لأنه المكان المناسب للسباحة والمشي والاستراحة والتفكير، خالياً من التلوث ومن الهرج والمرج البشري والآلي. كيف تجد وقتاً للكتابة والقراءة؟ أجد بعض الأوقات للقراءة والكتابة قبل أن أخلد إلى النوم، أو في أوقات الاستراحة، وخلال عطلة آخر الأسبوع. مع المرأة ما هي علاقتك بالمرأة، خاصة وأنك أصدرت دليلاً عن النساء المغربيات؟ علاقتي بالمرأة ترجع إلى الفترة التي بدأت أعي فيها بشؤون الحياة، فلاحظت من تلقاء نفسي أن المرأة لا تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل، وتعيش مكبوتة مهجورة، لا تلقى من الاهتمام مثل ما يلقاه الرجل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى اكتشفت خلال دراستي أن المرأة المغربية، عبر العصور، كان لها دور مهم في البلاطات السلطانية، وفي ميادين العلم والفقه والأدب والشعر، فقررت في نفسي أن أبرز دور المرأة المغربية منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا، حتى أزيح عنها ذلك الغبن الذي أصابها. من هي أقرب النساء إلى قلبك؟ أقرب النساء إلى قلبي من النساء، وهذا من باب السماء فوقنا والأرض تحتنا، هي زوجتي وأم أولادي، وكل واحدة تربطني بها رابطة دموية وعائلية، كما تربطني رابطة العلم والثقافة والأدب بأستاذات مبرزات خلال الندوات الأدبية واللقاءات الفكرية. وعلى الصعيد العالمي، من هي المرأة النموذج بنظرك؟ كثيرات، مثل العالمة البولونية «ماري كوري» مكتشفة الراديوم، والسياسية الهندية الماهرة «أنديرا غاندي»، وبطلة الفضاء السوفييتية «فالنتينا تبرشكوفا»، والوزيرة الأولى الحديدية الإنجليزية «مارجريت تاتشر»، والزعيمة الباكستانية «بنازير بوتو»، وغيرهن. عمر وحياة كم عمرك الآن؟ أنا من مواليد سنة 1934 والعملية الحسابية للإجابة عن سؤالك هي من السهولة بمكان. هل تعبت؟ قال أبو العلاء المعري: «تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد». كيف تحارب التعب والملل؟ أحارب التعب، وليس الملل، بالمطالعة، أو المشي على الأقدام، أو الاستماع إلى القطع الموسيقية الصامتة الهادئة. هل تخشى الموت؟ لا أخشى الموت، لأنني كنت قاب قوسين أو أدنى منه ثلاث مرات، الأولى: وأنا طفل على متن حافلة تربط بين الرباط وسلا، وكان محركها يتحرك بالفحم الحجري لعدم وجود الوقود خلال الحرب العالمية الثانية، وانقسمت الحافلة إلى قسمين، ومات من مات وجرح من جرح وسلمني الله، والثانية: عندما انقلبت بي السيارة ما بين الرباط وفاس، وسقطت في هاوية، وكنت في مهمة رسمية، ولكن الله سلم، أما الثالثة: فخلال المؤامرة الأولى الفاشلة بالقصر الملكي بالصخيرات، ونجاني الله من الموت المحقق بعد تعذيب أليم، فكل ما أخشاه هو أن أنتقل إلى العالم الآخر على حين بغتة دون أن أحقق ما آمل تحقيقه في مجال الكتابة والتأليف وأتركه للأجيال القادمة. هل تندم على شيء في حياتك؟ أندم على أنني لم أخصص وقتاً كافياً لقضائه مع والدي رحمهما الله، عندما شعرت بقرب أجلهما، ولا غالب إلا الله.