كان الأقدمون الأبعدون ... والأقربون كذلك أيّ بمعنى أدقّ قبل " إكتشاف" العالم الجديد عام 1492 يعتقدون أو يتوهّمون أنه فى المغرب الأقصى..فى هذا البلد الأمين تغيب أو تنام الشّمس بعد رحلتها الطويلة من المشرق البعيد..! ولهذا سمّي المغرب مغرباً، أيّ المكان الذي تغيب ،أو تغرب فيه الشمس عن العالم المعروف فى ذلك الإبّان..! فى هذا البلد الذي أطلق عليه بعض الرحّالين والمؤرّخين إسمَ " ذيل الطاووس" قيّض الله لنا أن نرى فيه نورَالحياة ، والذي أزاح عنّا فيه أجدادنا الصناديد النّير اللعين الذي كان يثقل كاهلنا،ويقضّ مضجعنا،ويهدّ كياننا، كنّا نستنشق هواءه العليل،ونستمتع بخيراته، وننعم بثماره، وحبوبه وقطوفه، وكلّ ما طاب واستطاب ممّا تجود به علينا تربته الفيحاء، وطبيعته السخيّة المعطاء، كنّا نهنأ ببحره وسمائه ، وشمسه وقمره، وجباله وغاباته، وهضابه وآكامه، وسهوبه ومرتفعاته ، وكواكبه ونجومه ، كلّ ما لم تلمسه يد بشرية دخيلة آثمة لم يكن يأتينا منه إلاّ الخيرالعميم، وكلّ ما يرضي النفس، ويسعد القلبَ، ويفرح الوجدانَ،وينعش الرّوحَ، ويحيي الألباب. فى هذا الصّقع المغربي النائيّ البعيد ذي التضاريس الطبيعية الوعرة ، والأخاديد الجبلية الصّعبة، عشنا على الفطرة والبساطة، ترعرنا على البداوة والنقاوة، دَأَبْنا على عشق الحياة الحرّة الكريمة . فى مختلف ربوعنا، وأحيائنا، وأرباضنا، ومرابعنا،ومراتعنا، ومرابضنا، وقرانا، ومداشرنا،وعشائرنا، وضيعنا كنّا ندقّ أبوابَ الحريّة الحمراء دقّاً عنيفاً حتي نتسربل بألوانها الزّاهية، ولا نرضى أبداً بها أو لها بديلاً،ومن ألوانها القانية جعلنا ألوانَ بندنا ليُرىَ من بعيد ويخفق فى الأفق الأزرق . حسن الجوار كان مسعانا ، والذّود عن وطننا، وحوضنا، وجيراننا كان ديدننا، وعدم الرضى بالظّلم، والضّيم،والتطاول والتعنّت، والجّفوة، والجفاء كانت غاياتنا ومرامينا، كانت شيمنا هممنا العالية، وسجايانا مبادؤنا الأصيلة ، وعاداتنا العريقة، وتقاليدنا الحميدة التي تربّينا فى كنفها، وترعرعنا على منوالها، منذ نعمومة أظفارنا، وغضاضة إهابنا، وطراوة أعوادنا. كانت كلّ تصرّفاتنا تلقائية عفوية، فطرية، طبيعية بسيطة خالية من التصنّع والمصانعة، والمراء والمحاباة والمداهنة . الأيّام دول الأمور لم تعد اليوم كما كانت عليه بالأمس القريب ، فقد أصاب صرح الصّدق، والنبل، والوفاء،والشّرف، والكرامة شرخٌ عميق. هؤلاء الأقصون الأبعدون، ذوو السّحن الغريبة ، والشعورالناعمة المنسدلة ، كانوا يقومون بغارات على أراضينا وشطآننا، ودورنا وممتلكاتنا، ومزارعنا وغلاّتنا ،لم نكن نتوانى أو نتردّد قيد أنملة فى دحرهم ، وصدّهم ، وردّهم على أعقابهم من حيث أتوا مخذولين منكفئين يجرّون أذيالَ الخيبة والمهانة والهزيمة والمذلّة ، من أينما جاءوا أو قدموا، من داخل البرّ القريبّ، أو من وراء البّحرالبعيد . لقد أصبحوا اليوم يُفتُون (بضمّ التاء والواو) ولا يُفتَوْن(بفتح التاء وسكون الواو) ، وأضحى التنائي بينهم وبينناً بديلاً عن تدانينا ، وناب عن طيب لقيانا بهم تجافينا..الألم يعصرنا، والمعاناة تهدّنا، والحنق يخنقنا، والمرارة تعتصرنا، نتنفّس الصّعداء، وننظر إلى السّماء، ونجيل بأبصرارنا فى فضاءاتها الواسعة المترامية الأطراف، ونحدّق فى سديمها السّرمدي الأبدي، وبقدَرٍ مُشْعَلٍ على شفاهنا نرجوها أمراً فى أنفسنا، ونستعطفها بلسماً شافياً لقروحٍ غائرةٍ لا تندمل فى أعماقنا ، ولا من مجيب..! نعاتب الأيّامَ الحالكات، ونلوم الليالي المدلهمّات التي لا تُؤمَنُ بوائقها ، عسى هذا اليأس يتلوه الرّجاء، و لعلّ الله يأتي بعد كربٍ وغمٍّ بفرجٍ قريب، نشكو الدّهرَ القاهر، ونناغي الزّمنَ الغادر فى هذا الوطن الصغير، وداخل الوطن الكبير....ولسان حالنا جهاراً يقول: يا دهرُ وِيْحَكَ ماذا الغلطْ... وَضِيعٌ عَلاَ وَرَفِيعٌ هبطْ ..! عندما وقع القيصرُ فى الأسر ! " يوليوس قيصر"عندما وقع فى الأسر،وعندما زجّ به خصومُه فى العربة الرومانية التقلية التي يجرّها عصانان أدهمان ...لم يكن نظره يحيد عن حجلة العربة وهي تعلو وتنزل خلال دورانها فى ذبذبة، وتوتّر، ثم لا تلبث أن تعيد الكرّة تلو الأخرى من أعلى إلى أسفل ، ومن أسفل إلى أعلى، وعندما سأله سجّانوه العساكر أن لماذا لم يحد نظره قطّ عن العجلة طوال الطريق..؟ فقال لهم إنّها تذكّره بحال الدّنيا، تارة فوق، وطوراً تحت ، وأردف قائلا: أنظروا إلى حالي أين كنت بالأمس، وأين أصبحت اليوم.. ! لا من رقيب ، ولا من حسيب،ولا من مجيب ، لقد غدت الممتلكات تقايَض (بفتح الياء) مقابل فتات من العيش رخيص لا يسدّ رمقاً، لا يسمن ولا يغني من جوع ، ذووها خانعون، قانعون، راضون ، مستسلمون ، كلّ آمالهم أن تمطر السّماء يوما ليعمّ البِرَّ والخير والصّبا والرذاذ.... المال يا صاح يستر كلَّ عيب فى الفتى....والمال يا صاح يرفع كلّ نذل ساقط ،المال يا صاح أضحى فى أيامنا اللعينة زينة الدّنيا وعزّ النفوس..... يبهي وجوهاً ليس هي باهيا... فها كلّ من هو كثير الفلوس ... ولّوه الكلامَ والرّتبة العاليا. والدراهم يا صاح كثيرة وافرة هي فى الأماكن كلّها، تكسو الناسَ والرّجالَ والنساءَ مهابةً وجمالاً ... وقد أضحت لساناً طليقاً ذليقاً صريحا صدّيحا لمن أراد فصاحةً... كما أصبحت سمّاً ناقعاً ، وعلقماً مرّاً، وسلاحاً فاتكاً لمن أراد مواجهةً أو رام قتالا ...! أجل.. ما أكثرهم..هؤلاء الأقربون، لقد ولّوهم الكلام ، والرّتبة العاليا، ، من ذوي القربى والأصهار والأنصار، ليسوا من سلالة أنصار يثرب ، بل إنّهم أنصار العصر،أنصار صناديق الإقتراع الزجاجية الشفافة ،صناديق المحاباة ، والمداهنة والمصانعة ، فى زمننا هذا الحزين الشاحب الكئيب، المثقل بالهموم والرّزايا ، والألم والدمّ ، وليس للمعوزين،الكادحين المحرومين، العسفاء ، هؤلاء الأقصون الأبعدون الذين يعضّون على الحديد أوعلى الحجر الصّلد عضّا مؤلما حنقاً، وغيضا، وكرباً، وكبرياء، وكآبة، وضيماً. سجّلها ذات يوم "روم لاندو" فى تاريخه حول هذا الصّقع النائي الجميل عند مروره بحيّهم ومرابضهم ، قال :" لقد لاحظت الأنفة والكبرياء ، وعزّة النفس فى مشيتهم الثابتة.. همّتهم عالية منتصبة،كأشجار النخيل، وخطواتهم واثقة راسخة شامخة ، يمشون صَبَباً فى إعتزاز وإعتداد، النّاؤون يرومون إقصاءهم، وتقويسهم وتقويضهم، وإضعافهم، وثنيهم.. ولكن هيهات.. ! الأماجد قدّموا أرواحهم دفاعا عن حوزة الوطن،من أقصاها إلى أقصاها.. أعطوا النّفس والنّفيس ذوداً عن عزّته، وصوناً لكرامته ، روت دماؤهم الزكية كلَّ ركنٍ من أركانه ، إنهم يُسامون اليوم سوء الصّنيع، ويعانون البعاد والتباعد، والإقصاء والتنابذ، والتهميش والجحود، والنكران والنّسيان. الحواضرالعامرات الحواضر العامرات ما إنفكّت فى حفل بهيج، أقيمت المواكب والكواعب ، ونثرت الأزهار،والورود، والفلّ والياسمين والرّياحين، ورشقت ثمرات الكرزالرّطبة والمحمرّة كالعنّاب، صدحت الموسيقى ، البياض الناصع يملأ الأجواء والأرجاء ، فالخطب ليس بالهيّن اليسير، إنّه إيذان ببزوغ وإنبثاق إشعاع حضارة متطوّرة، وإنتشار بريق مدنية متقدّمة، و"التبشير" بمبادئ الحريّة،والمساواة، والإخاء ، بلغة عريقة راقية رقيقة لثغاء، لقد أوعزوا حتّى للعلماء وللفقهاء الأجلاّء فى منابرمعاهدهم، ومصاطب كتّابهم، وفى مدرّجات جامعاتهم، بأن ينظموا على شاكلة الآجرومية أو منظومة بن عاشر رحمه الله قصائد عصماء لتسريع وتسهيل وتيسير تعليم هذه اللغة ونشرها وتعميمها على أوسع نطاق، هذه اللغة السّاحرة الآسرة الرّخيمة،الرقيقة الانيقة التي يخرّ لها الجلمود ، والصّخر يسجد لطلاوتها ونعومتها...! فقال قائلهم ساردا ومعلّما وملقّنا بتلك النغمة الموسيقية الفقهية الموزونة المتوارثة المألوفة والمعروفة : beaucoup........وفى التعبير عن كثيرٍ قل cou ، والعُنق nezوالأنفُ ،tête الرّأسُ Les fêtes......... وفى المواسمِ والأعيادِ قلle prophète الإله ، والرّسولُ Dieu إلى آخر القصيدة الطويلة التي تنتفخ لقراءتها الأشداق،وتظهر لسماعها النواجدُ والأوداج ضحكاً وقهقهة...! الأعمدة الرّاسيات ، والسّواري الرّاسخات ذات الأسماء الرنّانة ، والجرْس الموسيقي المميّز ما فتئت تعمل على تمرير الإرث الساطع ، والتراث الناصع،حِكَماً وعلماً، وأدبا وشعراً، وفقهاً ولغة، وتاريخاً وفلسفة، وحساباً، وفلكا، وتوقيتاً،وصرفاً، ةتصريفاً، ونحواً،وغناءً، وطرباً،وطبخاً،ونفخاً، وسياسةً،وكياسةً، وذكاءً ،ودهاءً،وفخّاراً، ودثاراً،وصناعةوإبداعا،وعطرا،وزهرا،وبناء،وعمرانا،ووضعا،وتأليفا،وقزّا،وحريرا، وطرزا،ونسجا،وذهبا،وفضّة،ولجينا وعسجدا، وزمرّدا وديباجا...! إنّها ما زالت تدني وتقصي ، ما فتئت تنهال وتنثال بالجحود المجحف، ، بينها وبين الآخرين برزخ واسع، ويمّ شاسع، وبحر عميق لا قعر ولا قرارله ، إنّها ما برحت تؤجّج الموقد، فالصّقيع زمهرير، وتلقي الحطب فى أتون الكنّ والكانون، من حيث تدري ولا تدري..! . البقر السّمان والبقر الهزال..! الغنيّ يزداد غنىً..والفقير يزداد فقراً...القويّ السّمين يزداد قوّة وسمنة، والضعيف الهزيل يزداد ضعفاً وهزالاً ،مثلما كان عليه الحال فى الماضي السحيق فى "جاهلية" القوم مع المسمّى "هبنّقة " الذي كان يضرب به المثل فى الحمق والخبل والجنون فيقال"أحمق من هبنّقة "،الذي قيل فى حقّه إنّه من حمقه أنه عندما كان يعمل راعيا للبقر عند أحد الميسورين من بني يعربٍ ، كان يأخذ البقرَ السّمان إلى المراعي الخصبة حيث وفرة الأعشاب وكثرة الكلأ لترعى ، ويأخذ البقر الهزال إلى الأراضي القاحلة الجرداء من الأرض الكُلام ( بضمّ الكاف وهي الأرض التي لا تنبت شيئاً) ويسرحها هناك، وعندما يأتي صاحب البقر لمعاتبته وتأنيبه فيسأله أن لماذا يفعل ذلك...؟ كان يجيب : أتريدني أن أصلح ما أفسده الله، أوأن أفسد ما أصلحه الله، فالبقر السّمان تستطيع أن تأكل وهي ذات شهيّة طيّبة، لهذا أذهب بها حيث وفرة المراعي والكلأ ، وأمّا البقر الهزال فلا شهيّة لها وليس فى مقدورها أن تأكل لضعفها ووهنها، ولهذا أذهب بها إلى القفار القاحلة، والأرض الصلبة التي لا زرع ولا ذرع ولا كلأ فيها... وما إنفكّت هذه الحكمة سائرة قائمة مأثورة إلى اليوم، السّمين يزداد سمنة، والضعيف يزداد ضعفا... !. وكان هبنّقة من حمقه كثيراً ما ينسى نفسَه ، وللتغلّب على هذه الآفة توصّل إلى حلّ ناجع على طريقته حتى يتعرّف على نفسه بسهولة ويسر ولا ينسى نفسَه مرّة أخرى، فوضع خيطاً سميكاً من قنّب على عنقه علّق فيه عظْمةً صغيرة كان قد وجدها فى أحد المهامه، والقفار والمفاوز، وكان كلما إستيقظ من النّوم يبحث عن العظْمة المعلقة فى عنقه ويمسكها بيده وبها يدرك ويتأكّد أنّه هو، وحدث ذات يوم أن نام عند أخيه ، فقام أخوه فى جنح الليل ونزع عنه العظمةَ وعلّقها حول عنقه، وفى الصّباح عندما إستيقظ هبنّقة ولم يجد العظمة معلّقة عليه ذهب عند أخيه ليسأله، فلمّا رأى العظمة معلقة حول عنق أخيه أمسك بها وقال له مشدوهاً : يا أخي... أنت أنا، فمن أنا...؟ !!. ما بين الثّرى والثريّا هكذا حال الدّنيا يا صاح ، أيام تمرّ، وليال تنقضي، إنّهم ما فتئوا ينظرون من الأعالي شزراً إلى أسفل، إلى هؤلاء الذين سحقهم القدر، وهدّهم العوز، وأنهكتهم الخصاصة، يمشون عاصبي البطون مرملين من فرط حرقة الطّوى، الآخرون يناطحون عنان السّماء، يعانقون هيادب السّحاب ،يلامسون الثريّا،(إن كنت فى شرف مروم / فلا تقنع بما دون النجوم) ،و(إن كنت فى عدد العبيد فهمّتي / فوق الثريّا والسّماك الأعزل) ، وبنو طينتهم، وأبناء جلدتهم ملتصقون بأمّهم الأرض الثّرى ،(حسب الخليلين نأي الأرض بينهما / هذا عليها وذاك تحتها بالي) ،لاخوف عليهم ولا هم يحزنون، سقطتهم بلا رضوض ، وسقطة "الأعلون" مؤلمة كاسرة قاصمة للظّهر، إنكم لن تخرقوا الأرض ولن تبلغوا الجبالَ طولاً، فى القمم الشّامخات ، فى العلوّ الشاهق تشتدّ هبوب الريّاح،إنها هناك أكثرعتوّا وقوّة ، الزّوابع والتوابع بها لا تني ولا تنتهي، العواصف الهوجاء لا تتوقّف، فاخفضوا جناحَ الذلّ ، وطأطئوا الرؤوسَ، ولا تشرئبّوا بالأعناق... فما أظن أديم الأرض إلاّ من هذه الأجساد ، سيروا إن إسطعتم فى الهواء رويدا... لا إختيالا على رفات العباد، فربّ لحد قد صار لحداً مراراً ، ضاحكٍ لتزاحمِ الأضداد..... وكلّ بيت للهدم ما تبتني الورقاء والسيّد الرّفيع العِماد... ! فصل القول والمقال.. كلام يتناثر في الهواء ، تماما كما تناثر في القديم كلام من شيّدوا في أخيلتهم مدنا فاضلة ، وأقاموا فيها صروحا وقصورا، وظلّت العدالة فيها طائرا كسير الجناحين، يحلق بالكاد حولها، لا يُشمّ (بضمّ الياء) فيها سوى رائحة الظلم والعنت في كلّ مكان، اليوم لم يعد ثمة أناس من هذا النّوع، لقد أصبحوا في عرف الآخرين شبيهين بالمجّانين الذين يفنون أعمارهم في الأوهام والخيالات، والآهات،والترّهات، والمهاترات التي لا طائل تحتها.هؤلاء هم الذين يعانون أكثر من غيرهم من مختلف ضروب البؤس واليأس والعنت والتعاسة والنكد والبغض والحرمان ،لقد كسدت أسواق الفكر الخلاّق، ونشطت حركات التقاليع الرخيصة في دنيا الفنون والجنون والمجون من كل ضرب. البشرية غزا الشيبُ مفرقها ، وأضاعت عمرَها في ويلات الحروب والتقاتل،والتطاحن، والتشاكس، والتنابذ، والمواجهة، والعداوة، والبغضاء. نأسى ونتأسّى، ونلتاع حزناً وضنكاً.أيّها الباذخون المتخمون ، ثوبوا إلى رشدكم ، إرجعوا إلى أنفسكم،عودوا عن غيّكم ، فقد بلغ السّيل الزّبى ، وفاض الكأس، وطفح الكيل، وربّ عظيمة دافعت عنهم / وقد بلغت نفوسهم التراقي... ! فيما آلت إليه الحال الأحوال وفى الختام ،ولا ختام، ونحن فى ذيل فصل هذا المقال ، بعد أن عرضنا ما آلت إليه الأمور والأحوال، نعود لصدره لنتدبّر ونتأمّل فيما ورد من سبب فى إطلاق إسم " ذيل الطاووس" على هذا الصّقع الجميل النائي البعيد ، إذ يحكى أنّ رحّالة من أهله زار ذات مرّة بغدادَ التي كانت تسمّى إبّانئذ مدينة السلام ..! ، (واحسرتاه...ويا لسخرية الأقدار..) فى زمن لم تكن فيه القارة الأمريكية قد إكتشفت بعد قبل 1492، وكان الناس يعتقدون فى ذلك الأوان أنّ العالم ينتهي عند هذا السّاحل الأقصى، وفى إسبانيا بمنطقة جلّيقة أو غاليسيا مكان يُسمّى إلى يومنا هذا (فينيشتيرّي) ومعناه حيث تنتهي الأرض، ويقال إنّ الفاتح عقبة بن نافع دخل بحصانه فى مياه المحيط الأطلسي على الشواطئ المغربية حتى غطّتت مياهُ البحر قوائمَ فرسه ، وإستلّ سيفَه ورفعه إلى أعلى فى العنان مخاطباً المحيط الهادر قائلاً له : "والله لو كنت أعلم أنّ وراءك أرضاً لفتحتها بسيفي هذا "...! المهمّ أنّ رحّالتنا عندما كان ببغداد رمقته عيون الخليفة ( الذين هم فى لغة عصرنا المُخبرون أو الجواسيس..) الذي ما أن أبلغوه بوجوده بالمدينة حتّى أمرجنده بإحضاره إليه فوراً، فلمّا مثل الرحّالة بين يديّ الخليفة قال له متهكّماً وساخراً : يا مغربي قيل لي إنك قدمت من بلدٍ ناءٍ بعيد ، وقيل لي كذلك أنّ الدّنيا على شكل طائر كبير، ذيله المغرب الأقصى (مستهزئا ). فأجابه الرحّالة على الفور: أجل يا أمير المؤمنين هذا صحيح، ولكنّ الذين أخبروكم بذلك نسوا أن يقولوا لكم أنّ هذا الطائر هو الطاووس، وأنّ أجملَ ما فى الطاووس ذيله...! ** *عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- ( كولومبيا) . **تحريراً فى حيّ المزمّة - حاضرة أجدير- الحسيمة.