أضحت الخرجات الإعلامية للسياسيين المغاربة، خاصة المتلفزة منها، تخلق مجموعة من النقاشات، بالأخص على مواقع التواصل الاجتماعي التي تجعل من تصريحاتهم كرة ثلج تكبر أكثر فأكثر، لتتحول في مدة وجيزة إلى نقاش اجتماعي واسع. ولعل ما أثير حول تصريح شرفات أفيلال، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء، خلال استضافتها في برامج حواري على القناة الأولى، بكون معاشات البرلمانين مجرد "جوج فرانك"، تأكيد على أن تصريحات السياسيين أصبحت تجد تفاعلا كبيرا، إلى درجة أن أفيلال اعتذرت واعتبرت أن النقاش أخرج من سياقه وتحول إلى نقاش "شعبوي". وقد تلته مطالبة واسعة بإلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء. وما إن بدأ غبار "جوج فرنك" بالزوال، حتى خرجت حكيمة الحيطي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالبيئة، بتصريح يفيد بأنها تشتغل لمدة 22 ساعة في اليوم. إطلالة الحيطي خلال برنامج "90 دقيقة للإقناع" الذي يبث على قناة "ميدي 1 تيفي"، حاولت من خلالها إقناع المشاهدين بأن "وزراء الحركة الشعبية يشتغلون بإخلاص رغم الفضائح التي ارتبطت بأسمائهم"، لكن مدة اشتغالها "غير النطقية"، بحسب مجموعة من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، جعلت منها مادة للتداول على الإنترنيت. وقبل النقاش الذي أثير حول "جوج فرنك" و"22 ساعة"، سبق وأن أعطى حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، وعدا بالاستقالة من منصبه إذا لم يتصدّر الاستقلاليون نتائج انتخابات 4 شتنبر ، وذلك خلال استضافته في برنامج "ضيف الأولى"، لكن مباشرة بعد إعلان النتائج التي بوأت حزب "الميزان" المركز الثاني، بلع شباط لسانه ولم يدل بأي تصريح حول الموضوع، الأمر الذي أثار سخرية العديدين، خاصة على الشبكة العنكبوتية. الصدى الكبير الذي تتركه التصريحات المتلفزة للسياسيين، فطنت له القيادات الحزبية، خاصة وأن المرحلة هي مرحلة الاستعداد للانتخابات التشريعية، وهذا ما يفسر قرار رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار القاضي بمنع منصف بلخياط، القيادي في حزب "الحمامة"، من المشاركة في برنامج "ضيف الأولى"، رغم أنه كان هنالك توافق مبدئي بين القائمين على البرنامج ومنصف بلخياط لحضور اللقاء، الأمر الذي عللته القيادة التجمّعيَّة ب"عدم رغبة الحزب في استنفاد الحصّة المخصّصة قانونيا لبروزه على التلفزيون"، بحسب التبرير الذي أعطي لمنشط البرنامج محمد التيجني. وعلى العكس مما أثارته تصريحات كل من أفيلال والحيطي وكذلك شباط، فإن نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، استطاعت أن تحصد العديد من النقط لصالحها ولصالح حزبها، حينما حلت ضيفة على الإعلامي يوسف البلهيسي في "90 دقيقة للإقناع". منيب ومن خلال مواقفها من العديد من قضايا المجتمع، استطاعت أن تكسب ود الكثير من المتابعين، وقد بدا ذلك جليا من خلال التعليقات التي تلت الحلقة، سواء على المواقع الإخبارية أو على مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبر عبد الوهاب الرامي، الخبير في قضايا الإعلام، أنه في الآونة الأخيرة أصبح هنالك نوع من التعقب المتزايد لعثرات السياسيين في البرامج الحوارية، وخاصة منها السياسية المتلفزة، بحكم مجموعة من العوامل؛ لعل أبرزها الظرفية السياسية التي يمر منها المغرب، والمتمثلة في الخروج من استحقاقات انتخابية والإقبال على استحقاقات أخرى، ما يجعل هذه الفترة تتميز بحمى التسابق للوصول إلى سدة الحكم، "وبالتالي فالأكيد أن المواطنين يتتبعون هذا الأمر لاهتمامهم بمن سيكون في سدة الحكم"، بحسب المتحدث نفسه . الرامي، وخلال تصريحه لهسبريس، أشار إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تقوم على رجع الصدى لما يبث على التلفاز، "فهذه المواقع يقوم فيها المواطنون بما يمكن أن نسميه بالمحاسبة الشعبية الافتراضية، وهذا ما يفسر تعقبهم لكل ما يقوله السياسيون"، يورد الرامي. الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال أضاف أن المواطن "أصبح متعطشا للغة الحقيقة، بحكم لغة الخشب التي طبعت الخطاب السياسي لسنوات"، وهذا ما شكل "قاعدة افتراضية على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي لمحاسبة السياسيين، ويكون لها فيما بعد انعكاس على مستوى الصحافة والرأي العام" . كما أن الاهتمام المتزايد بالسياسة اليوم، والذي ساهمت فيه الحركات الاحتجاجية التي بطبيعتها ترفع الحس السياسي، إضافة إلى ما يمر به العالم، يدفع المواطنين، بحسب الرامي دائما، إلى المشاركة في النقاشات السياسية "فإن لم تكن فعلية، فهي مشاركة افتراضية على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي". من جهته يرى عبد اللطيف بن صفية، أستاذ باحث في علم الاجتماع الإعلامي، أن النقاش الذي يواكب الخرجات الإعلامية المتلفزة للسياسيين هو أمر طبيعي جدا، "فقد انتقلت متابعة مستجدات وتداعيات الاتصال السياسي في الفضاء العمومي من الصالونات والنوادي الخاصة والمقاهي إلى فضاءات افتراضية وواقعية أوسع. وانتقل بالتالي الرأي السياسي وغيره من رأي نخبوي معين إلى رأي جماهيري" . الخبير في قضايا الاتصال أضاف أن الرأي الجماهيري أفرز تعددا تنوعت معه سجالات النقاش والتخاطب، وهذا بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، التي "وهبت للفرد الاجتماعي، كما للفاعل الاجتماعي، رأيا وحضورا ومشاركة سياسية لم يعهدها. فالآراء التي كانت في السابق محصورة ويعبر عنها في دوائر الاهتمام فقط، ويتم تداولها العمومي أحيانا ببعض من التأخير والاقتضاب والانتقاء في وسائل الإعلام التقليدية"، بتعبير بن صفية. وأكد بن صفية أن الرأي الجماهيري أصبح آنيا وتفاعليا وعابرا للحدود، وغير ملزم بأي شكل من أشكال اللباقة في التعبير إلى حد الانزلاق اللاأخلاقي في حالات عدة. الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال ختم تصريحه لهسبريس بالقول إن تداول الرأي والتعليق حول الخرجات الإعلامية للشخصيات السياسية عبر شبكات التواصل الاجتماعي جعل من التصريح السياسي والخطاب السياسي مادة ترفيهية بامتياز، وهو جانب فرجوي يعد من صميم وظائف وأدوار وسائل الإعلام التقليدية والجديدة على السواء. *صحفي متدرب