صدّقْ أو لا تُصدّقْ.. خطيبُ جُمُعة يَنزلِقُ لسانُهُ من «سَلا» إلى زلزالِ الريف.. ومن منبرِ مسجدٍ في مدينة «سَلا»، وجدَ تفسيرًا غريبًا للهزّات الأرضية التي ضربت عرضَ السواحلِ المغربية الإسبانية، واهتزّتْ لها الحسيمةُ والناضور ومَناطقُ أخرى من شمالِ المغرب.. قال الخطيب: «الرّيفيون أهلُ المخدّرات والموبقات، لهذا أرسل اللهُ عليهم الزّلزال»! ووصفَهُم «بأهل المخدّرات و المسكرات».. وأضاف: «الجفافُ عُقوبةٌ إلهية».. وهذا التّفسيرُ اللاّمعقُول واللاّديني، في خُطبةِ جُمُعة، يُوجّهُ إلى الناس رسالةً غيْبيةً غريبةً تتحاملُ، بعُنْفِها اللّفظي، على كرامةِ مُواطنين، وتخرقُ حقُوقَ الإنسان، وتُحرّضُ على التّطرّف، وتُبرّرُ ما قد يتحوّلُ إلى إرهاب... وإلى هذا نتساءلُ عن معنى وُجودِ السلطةِ الدينية في المغرب، وهي وزارةُ الأوقاف، باعتبارها مظلّةً لمساجدِ المملكة.. هل وزارةُ الأوقاف على علم بما يحدثُ في مساجدَ هنا وهناك من خطاباتٍ تحريضيةٍ تعنيفية، وأيضا تحريفية للوقائع؟ أين هي وزارةٌ من المفروض أنها تتعاملُ مع الناس على أساس حقّ المواطَنة، لا على أساسٍ عِرْقي أو ديني أو جنسي أو غيرِ هذه من المواصفات التي ينصُّ عليها الإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه الأممُالمتحدة عام 1948، ومنها المملكةُ المغربية.. أين وزيرُ الأوقاف الذي طالب بقانونٍ دولي يُجرّم ازدراءَ الأديان، أمام مُؤتمر مراكش الذي انعقد تحتَ عُنوان «حقوقُ الأقلّيات في المجتمعات الإسلامية»؟ من المفروض أن تستدعي وزارةُ الأوقاف هذا الخطيب، وتسأله عن الخلفياتِ الدينية التي اعتمدها في جعل الزلزال عقوبةً إلهية.. البيّنةُ على من ادّعَي.. والفقيهُ ادّعَى أن الزلزال عقوبة إلهية، فما دليلُه؟ وزارةُ الأوقاف كانت مُشاركةً في مؤتمر مراكش حول «حقوق الأقليات»، وسَعَتْ إلى إعطاءِ صورة إيجابيةٍ عن المغرب في انفتاحه على العالم، وفي إبراز أهمية هذا الانفتاح، محلّيا ووطنيا ودوليا.. هذه الصورةُ جيّدة.. ولكن في نفس الوقت، وعلى أرض الواقع، نجدُ انفلاتاتٍ هنا وهناك.. هل وزارةُ الأوقاف تُواكبُ الثقافةَ الانفتاحيةَ المغربية؟ أم لا علمَ لها بما يحدثُ من بعضِ المنابر؟ هل يُعقلُ أن تَستغلَّ بعضُ العقليات مساجدَ البلاد لتمريرِ خطاباتٍ تطرّفيةٍ عُنصُرية؟ المطلوبُ إعمالُ القانون الوطني.. ومع القانون، يجبُ الاشتغال على مستوى التكوينِ والتأطيرِ داخلَ المؤسساتِ الدينية في بلدنا، لكي يتخرّجَ عندنا مزيدٌ من المتفَقّهين، وأن تنعكس هذه المعرفةُ على أرضِ الواقع، لا أن تبقى مُجردَ كلام.. وعلى وزارة الأوقاف أن تُدرك أن دورها يجبُ أن يصلَ إلى تفسيرِ الغَيْبيّات بطريقةٍ تُواكبُ العصر، وتخدمُ حقوقَ الإنسان، على أساس العقل.. ونتساءلُ أيضًا: هل لدى المؤسسات، التابعة لوزارة الأوقاف، مناهج تدريسية لعُلُوم العصر؟ أم هي تقتصرُ فقط على تفسير الغيْبيّات، بمزاجِ هذا الخطيبِ أو ذاك؟ لو كان خطيبُ مدينة «سَلا» عارفًا بحقيقةِ الكوارث الطبيعية لأدرك أن ما حدث بشمال المغرب، وجنوب إسبانيا، يندرجُ في إطار الكوارث الطبيعية.. إنها طبيعية.. تأتي بشكل طبيعي، وليست عقُوبةً ضدّ أحد.. لو كان يعرفُ هذا، وبالدليل العلمي، ما سمح للسانِه بالإساءةِ والتحريض على بناتِ وأبناءِ الرّيف.. إنهُ يُكرّرُ ما سبق لرئيس الحكومة أن فاه به ضدّ بناتِ وأبناءِ «سُوس»، وهو يتكلمُ عن التغذية.. رئيسُ الحكومة متأثرٌ هو الآخرُ بثقافةٍ غيرِ سويّة، فانزلقَ إلى الإساءة ل«سُوس»، وما أدراكَ ما «سُوس»: أرضٌ طيّبة، مِعطاء، وطنية، عالمة، ولها الفضلُ في إنتاج كفاءات اقتصادية ذاتِ بُعدٍ وطني وعالمي.. هذه هي «سُوس».. ثم يأتي «فقيه» لا يفقه، ويربطُ الهزاتِ الأرضيةَ بالمخدّرات والمسكرات والموبقات.. قد فاتَ الأوان.. كلامُ السوء قد خرج من اللسان، ولم تعُد هناك إمكانيةٌ لإرجاعه إلى داخلِ اللسان.. يقول أحدُ الحُكماء: «الكلمةُ مِلْكٌ لك ما دامت في فمك، فإنْ أخرَجْتَها من فمِك صارتْ ملكَ غيرِك...».. ومن حقّنا نحنُ أبناءُ كلّ رُقعةٍ من المملكة المغربية أن نُخاطبَ الدولة: لمَ لا تعتذر؟ أليس من واجبِ الدولةِ أن تعتذر على سُوءٍ وصلَ إلى مُواطنينَ عن سبقِ إصرار، من مُؤسسة تابعة لوزارة الأوقاف، ولسانٍ سليطٍ لا يتحكمُ في نفسه، وعُنوانُه: رئاسةُ الحكومة؟ لمَ لا تعتذرُ الدولة؟ هل الدولةُ فوقَ القانون؟ [email protected]