يعد البنك الدولي، كل سنة، تصنيفا تحت اسم "ممارسة أنشطة الأعمال | DOING BUSINESS"، يقارن فيه المنظومة القانونية التي تخضع لها المقاولات الصغرى والمتوسطة في 189 دولة. وقد احتل المغرب، في التقرير الأخير لسنة 2015، المرتبة 71، وبذلك فقد ثلاث مراتب مقارنة مع تصنيف سنة 2014. من بين الاقتصاديات العشر الأولى التي تتوفر على أفضل القوانين المتعلقة بالعمليات التجارية، توجد كل من إسلاندا الجديدة، كندا، ماسيدوانيا (جمهورية يوغوسلافيا سابقا)، أرمينيا، جورجيا، سنغفورة، أستراليا، هاكانغ، كركزستان والبرتغال. إن ما يثير الانتباه في هذا التصنيف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تعد تصنع رجال الأعمال. وقد وضع التقرير الصادر برسم سنة 2016 عن المؤسسة الأمريكية "المؤشر العالمي لريادة الأعمال" (THE GLOBAL ENTREPRENEURSHIP INDEX) المغرب في الصف 78 عالميا من بين 132 دولة من حيث الدول الأكثر جاذبية للاستثمارات، وفي المرتبة 12 من بين 15 دولة على المستوى الجهوي. إحداث المقاولة يجب أن يصبح مجرد إجراء بسيط يعبر عدد المقاولات الجديدة التي يتم إحداثها عن مستوى ودرجة ديناميكية المشاريع الاقتصادية في البلاد. فقد بلغ عدد الشركات التي تم إنشاؤها بشكل قانوني سنة 2014 بالمغرب 32.837 مقاولة، وهو ما يمثل 2% من مجموع الشركات القائمة. للإشارة فإن هذه النسبة تبلغ 21% بلوكسمبورغ، 11% ببريطانيا، 8% بسنغافورة و7% بإفريقيا الجنوبية ب217.624 إحداثا. يعتبر إنشاء المقاولات بالمغرب مكلفا جدا ويستغرق وقتا طويلا، يصل في غالب الأحيان إلى أكثر من 11 يوما؛ فبالرغم من وجود المراكز الجهوية للاستثمار، لازال إحداث المقاولة يخضع لتدابير جد معقدة. وعليه، يجب أن تتحول عملية إنشاء المقاولة إلى مجرد إجراء بسيط، سريع وطبيعي؛ وهو الأمر الذي يتطلب القيام بإصلاحات واقعية وبسيطة تسرع من إحداث المقاولات وتطورها، كما تستجيب للحاجة الحقيقية من الخدمات التي تتجاوب بشكل فعال، مع التحديات والمشاكل التي تواجه المقاولات الناشئة. يكمن دور هذه المقاربة الجديدة في وضع بدائل مبسطة لإنشاء المقاولة، كما هو معمول به في العديد من الدول، إذ يتطلب أن يرتكز هذا الإصلاح على تنمية ثقافة المقاولة عبر: إدراج مادة "تدبير المقاولة" ضمن المواد الأساسية في المناهج التعليمية بالمستويات التعليمية الثلاث: الإعدادي والثانوي والجامعي. إخضاع كل التلاميذ والطلبة لتداريب ميدانية، إجبارية وقصيرة الأمد داخل المقاولات والإدارات، الشيء الذي سيساهم في تحسسيهم بالواقع الاقتصادي وفي تبسيط مهنة ريادة الأعمال. كما يجب أن يؤدي هذا الإصلاح إلى تبسيط تدابير وشروط إنشاء المقاولات. ومن أجل ذلك، أصبح من اللازم: تقليص مدة إنشاء المقاولة إلى 24 ساعة (كما هو الحال بالفعل في بريطانيا حيث تم تخفيض هذه المدة من 5 أيام إلى 24 ساعة. من الممكن كذلك أن ندرج، وبسرعة فائقة، أي شركة في ولاية "DELAWARE" الأمريكية خلال ساعة واحدة فقط). تحديد تكاليف إنشاء المقاولة في 1000 درهم مغربي (لا يتعدى متوسط تكلفة إنشاء شركة محدودة بأوروبا 100 أورو). تعميم الأداء الإلكتروني واستعمال التكنولوجيات الحديثة عند القيام بكل التدابير والإجراءات. تحديد الوثائق والعقود المطلوبة لإنشاء المقاولة (القانون الأساسي للشركات والمعلومات المتعلقة بالشركاء والمساهمين). تيسير العلاقة بين المقاولة والدولة. اعتماد إجراءات مبسطة أثناء حل الشركات وعند إفلاسها. المرونة كآلية لتطوير ديناميكية ريادة الأعمال للإطار القانوني والمالي تأثير مباشر على قرارات رجال الأعمال والمستثمرين عند إنشاء المقاولات أو السعي نحو التموقع في بلد معين؛ وذلك بالنظر إلى حساسيتهم الكبيرة تجاه محيط الأعمال الذي يتوفر على ترسانة قانونية حديثة، بسيطة ومرنة. ولتحقيق هذا الهدف أصبح من اللازم على المغرب أن يلائم ويكيف إطاره القانوني مع هذه النظرة. ولذلك، أصبح من الضروري على المغرب أن يعمد إلى تكريس خطة حقيقية لتبسيط الأعمال لفائدة المقاولات، من قبيل تفعيله عددا من النصوص القانونية التي من شأنها أن تؤدي إلى تسريع بناء الأدوات اللازمة للتمويل ولتنظيم اقتصاد السوق. ولهذا الغرض: يقترح أن يحذف نهائيا شرط التوفر على الحد الأدنى للرأسمال عند إنشاء المقاولة. فمن شأن هذا الإجراء أن يؤدي إلى تخصيص مجمل أموال المقاولة لتطويرها. وبالنظر لكون صعوبة حصول المقاولات على التمويلات تشكل أهم العقبات التي تواجه إنشاءها وتحد من نموها ومن إطالة أمدها، يقترح تسهيل عملية الاقتراض بين المقاولات لتمكين المقاولات الصغيرة جدا والمقاولات الصغرى والمتوسطة التي تواجهها صعوبات كبيرة في التمويل البنكي من الاستفادة من التمويل اللازم. سيمكن جهاز الوساطة المالية هذا بعض المقاولات من تخصيص القروض للمقاولات التي تربطها بها معاملات تجارية. منح الإمكانية لفروع الشركات الأجنبية لمسك حساباتها باللغة الإنجليزية أو بالعملات الأجنبية (عملة الشركة الأم)، مع ضرورة إعداد النتيجة الضريبية بشكل مبسط بالدرهم المغربي في نهاية السنة المحاسبية. إدراج اسم "الشركة المحدودة"«LIMITED COMPANY LTD» كخيار بدل "الشركة ذات المسؤولية المحدودة". وسيخول هذا الإجراء لكل مقاول إمكانية أن يسجل مقاولته بالمغرب تحت مسمى «LTD».. فهذا الاسم معمول به بشكل كبير في العديد من الدول، وعلى الخصوص بالمملكة المتحدة منذ سنة 1855، وبسنغافورة، وكوريا الجنوبية، وكنداوالولاياتالمتحدةالأمريكية. تمكين المساهم من إنشاء شركات بدون هيكل قانوني، المعروف تحت اسم "TRUST"، والذي يفرق ما بين المالك والمستفيدين. (يتم تعريف "TRUST" كإجراء أحادي الجانب يقوم به الشخص الذي يسلم سلعة لشخص آخر يدعى "TRUSTEE"، كي يدبرها بصفته رجل أعمال لفائدة شخص ثالث مستفيد، قبل أن يسلمها لشخص رابع هو متعهد رأس المال عند انقضاء "TRUST"). هذا النوع من الهيكلة مسموح باستعماله في ولاية ديلوير "DELAWARE" الأمريكية، إذ ما يقرب من مليون شركة تتواجد بهذه الولاية، أكثر من نصفها أمريكية و 60% من الشركات المصنفة من قبل FORTUNE 500 هي الأخرى اختارت الاستقرار بولاية ديلوير، نظرا لتوفرها على بيئة خدماتية شاملة، وعلى قوانين حديثة ومرنة، وهيئة للتحكيم، وحكومة محلية وإدارة خاصة بالمقاولات المنتمية للولاية، موجهة خصيصا لخدمة الزبناء. فلا تعتبر هذه الهياكل مواقع للغش والتهرب الضريبيين بامتياز. وتستعمل الهيكلة المسماة "TRUST" من قبل مهنيين مختصين يصرون على استعمال السرية في كل المعاملات المالية المرتبطة بالأسهم والسندات، أو السيولة التي تم الحصول عليها في المعاملات الدولية القانونية. ولضمان سلطة التنفيذ، يرخص للمحامين والخبراء القانونيين القيام مقام المعينين.. إن استعمال هذا النوع من الخدمات يحول دون ظهور اسم المسؤول المسير ضمن اللوائح العمومية.. هذا النوع من الخدمات مرخص له بسنغافورة، حيث تتواجد فروع كبريات البنوك العالمية (BARCLAYS, HSBC, CIBC...). اعتماد إجراءات وهياكل للتحكيم تساعد على تسريع وتيرة تسوية المنازعات بين الشركات. فأكثر من 90% من العقود الدولية تتضمن مقتضيات تتعلق بالتحكيم. وتمكن إجراءات التحكيم هذه من تقليص عدد المنازعات التي ترفع أمام المحاكم، وتجنب بذلك تعقيد مسطرة المنازعات وطول أمدها. وعلى هذا الأساس، تصبح عملية التبسيط أداة من أدوات السياسة الاقتصادية في خدمة الشركات، تشجع على الاستثمار وتساهم في خلق فرص الشغل بتوفير الوضوح في الرؤية والأمن القانوني للشركات. كما تساعد على تحسين مهارات تنظيم المشاريع وتطوير ديناميكية ريادة الأعمال والمرونة في التدبير وتعزيز روح المبادرة داخل المملكة. * أستاذ باحث بمركز البحوث الأوروبية في مجال التمويل والإدارة بجامعة باريس دوفين مستشار مالي ومحقق بمديرية التحقيقات الوطنية والدولية بوزارة الاقتصاد والمالية بفرنسا