بعد المؤتمر الأخير لجبهة البوليساريو، وتشكيل ما يسمى "حكومة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، والتي حملت في طياتها إبعاد "الرجل القوي" في الجبهة، محمد الأمين البوهالي، عن الإشراف على وزارة الدفاع، كشف موقع "موند أفريك" بعض تفاصيل هذه الخطوة، ويد المخابرات الجزائرية في ذلك. واستنادا إلى ما نشره الموقع الفرنسي، فإن الرئيس الجديد لجهاز المخابرات الجزائرية، عثمان طرطاق، هو من يتكلف بملف جبهة البوليساريو في الجزائر، حيث كان انعقاد المؤتمر الرابع عشر للجبهة في ولاية الداخلة فرصة من أجل إبعاد البوهالي بطريقة سلسة، ومنحه "وزارة رمزية"، على حد تعبير المنبر الفرنسي، كوزارة البناء والإعمار، وذلك بعد أن أمضى في وزارة الدفاع أكثر من عشرين سنة، وتم تعويضه بعبد الله البلال. وبحسب مصادر وصفها "موند أفريك" ب"المطلعة"، فإن الجنرال الجزائري، عثمان طرطاق، يُعِدّ لوصول جيل جديد إلى قيادة الجبهة، وأول تغيير هو الاعتماد على عبد القادر الطالب عمر، من أجل إخراج الجبهة من الأزمة الهوياتية والتنظيمية التي تعيشها، خاصة مع توقف المفاوضات مع الرباط، فيما يطمح طرطاق إلى التفرغ من أجل مواجهة التحديات التي تواجهه مع اقتراح رحيل عبد العزيز بوتفليقة عن رئاسة قصر المرادية. عبد المجيد بلغزال، الخبير المتخصص في قضية الصحراء، شدد على أنه في ظل غياب للمعطيات الدقيقة تبقى مسألة "إبعاد" المخابرات الجزائرية للبوهالي مجرد تأويلات، أو تسريبات تستهدف اختبار بعض التوجهات في المنطقة. وتساءل بلغزال، في تصريح لهسبريس، هل تم إبعاد البوهالي أو رقيَّ، "فبغض النظر عن التصريحات المنسوبة له، والتي عبّر من خلالها على أنه يتمنى أن يبقى في الجيش عوض أن يمارس مهمة ذات طبيعة إدارية، فإن الإشكال المغيب في المسألة هو لماذا بالضبط تم إسناد الوزارة المكلفة بإعمار ما يسمى الأراضي المحررة (العازلة) لشخصية محسوبة على جناح الصقور وتحظى بإسناد من طرف الجزائر منذ مدة؟". المتحدث ذاته أورد أن الحاضنة الشعبية للبوهالي موجودة في التراب الجزائري، ودعم السلطات الجزائرية له معروف، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي انصبت الترشيحات على محمد الأمين البوهالي والقيادي إبراهيم الغالي لخلافة محمد عبد العزيز، فقد تم إبعادهما، متسائلا: "لماذا تم إبعاد شخص عسكري في هذا السياق الزمني الذي يعرف حالة من الركود، والمقبل على تحولات غير واضحة المعالم في ملف الصحراء على اعتبار أنها سنة حاسمة". "ما علاقة تعيين شخصية عسكرية بعملية الإعمار وبالتسريبات التي تخرج حول ما يعده روس من مداخل جديدة للحل وما تحضره الجزائر، وهل تعد لإحداث بنيات حقيقية لما يسمى في الدولة الصحراوية بالمناطق العازلة"، يقول بلغزال، مضيفا أن هناك مشروعا خفيا يستهدف خلق بنيات جديدة، ونقل جزء من المخيمات إلى هذه المناطق. وزاد الخبير في الشؤون الصحراوية أن قضية الإعمار كانت توصية أساسية في المؤتمر الرابع عشر، وإحداث بنيات حقيقية في الأراضي التي تسميها الجبهة ب"المحررة"، و"إذا ربطنا تعيين ولد البوهالي بما يتم صياغته في الخفاء في موضوع الصحراء بإحداث البنيات في الأراضي المحررة أو العازلة، فإنه لم يتم إبعاده وإنما يوجد مخطط لإرباك المنطقة في المستقبل، مما قد يغير المعادلة على الأرض ويرفع من منسوب التوتر". تقوية الطالب عمر؟ أما في ما يتعلق بمسألة تقوية الطالب عمر، على حساب الجناح القديم، فإن بلغزال نبه إلى وجود رهانين أساسيين للجزائر في علاقتها بالمخيمات، الأول مرتبط بالحلقة الصغيرة التي تحظى بدعم من الجيش الجزائري والمخابرات، وهذه الحلقة لا تتجاوز البوهالي والغالي وخديجة حمدي، بالإضافة إلى محمد عبد العزيز، والرهان على هذه الحلقة الصغيرة بالنسبة للجزائر جزء من الامتداد الموجود في تيندوف وبشّار، ويعد هذا الرهان استراتيجيا بالنسبة للجارة الشرقية، يضيف المتحدث ذاته، موضحا أن مسألة خلافة عبد العزيز لن تخرج عن الغالي أو البوهالي. أما الرهان الثاني، يضيف عبد المجيد بلغزال، فيتمثل في إدراك الجزائر، أن أهل الساحل من قبائل الركيبات أو أولاد دليم أو العروسيين، إما أنها عادت إلى المغرب أو توجد في "حالة شتات"، "وبالتالي فالرهان على الطالب عمر هو رسالة مشفرة لأهل الساحل، وإبراز أن بنية الجبهة مفتوحة على كل التشكيلات الاجتماعية للصحراويين. فيما يبقى التفسير الثاني، من جهة أخرى، هو التمسك بالطالب عمر لأنه من قبيلة أولاد دليم، والجزائر تلعب في صراعها مع المغرب على وضع منطقة واد الذهب، التي كانت تحت حكم موريتانيا، حيث "تعتبر هذه المنطقة خزانا لإدارة الصراع في حال حصول أي تقدم في الحل"، يوضح بلغزال.