انطوى عام 2015 على وقع أحداث طبعت الاقتصاد الوطني أثرث في جاذبيته وتنافسيته، وحل عام 2016 بما يحمله من انتظارات ومخاوف وبرامج وأوراش يستبشر بها البعض ويتوجس منها آخرون، كونها تمثل تحديا حقيقيا له. فبحجم هذه البرامج والأوراش وأهميتها، يبقى نجاحها مرهونا بشروط تنزيلها والظروف السياسية والاقتصادية المتحكمة في ذلك. مجموعة من الرهانات تطرح أمام الاقتصاد الوطني خلال 2016، وهو يعيش حالة من الركود ميزته خلال السنة الماضية وتنذر بسنة اقتصادية واجتماعية صعبة، نورد أهمها بعد جرد أهم ما ميز هذا الاقتصاد خلال 2015. مميزات الاقتصاد الوطني خلال 2015 عام فلاحي ضعيف بسبب شح الأمطار: خاصة مع اعتماد الاقتصاد المغربي على الفلاحة (أكثر من 15% من الناتج الوطني وأزيد من 40% من اليد العاملة) واعتماد هذه الأخيرة على التقلبات المطرية بشكل كبير، وما نسبة النمو %2 المتوقعة لسنة 2016، مقابل 4,4% السنة الماضية، إلا دليل على ذلك، وهي نسبة نمو من المتوقع أن تتم مراجعتها لاحقا. احتجاجات شعبية: كان أهمها احتجاجات سكان طنجة ضد شركة أمانديس، إضراب الأطباء الداخليين والأطباء المقيمين وإضراب طلبة المراكز الجهوية للتربية والتكوين وما يمثله ذلك من تحد لأهم القطاعات البنيوية: الصحة والتعليم. استمرار الحكومة في سياسات تحرير الأسعار: وما رافق ذلك من مس بالقدرة الشرائية للمواطنين (الزيادة في أسعار الكهرباء، الماء، السكر، الزيت، الحليب...) توجت بالتحرير الكامل لأسعار النفط ومشتقاته. احتدام أزمة التقاعد: وغياب رؤية منصفة لطي ملف شائك عمر لعقود، مع إثارة ملف تقاعد الوزراء والنواب وما يمثله ذلك من تحد لمحاولات مناهضة ريع اقتصادي ينخر الاقتصاد الوطني. احتدام البطالة: والعجز عن خلق فرص الشغل، فقد ارتفع معدل البطالة خلال 2015، بحسب المندوبية السامية للتخطيط، من 9,6% السنة الماضية، إلى 10,1%؛ أي بزيادة تقدر ب 66000 عاطل (52000 منهم بالمجال الحضري) فيما تراجع عدد المناصب المحدثة من 58000 منصب السنة الماضية، إلى 41000 منصب شغل. استمرار تدني أسعار النفط والغاز: وما مثله ذلك من فرص جدية لتحقيق نسب نمو مهمة لمجموعة من القطاعات الإنتاجية (كالنقل واللوجستيك والحديد والصلب والاسمنت ...) والأرباح التي كان بالإمكان استثمارها وطنيا بتحديث هذه القطاعات وإنعاش الشغل والتخفيف من العجز التجاري، كما تم استثمارها في تمرير التحرير الكامل لأسعار النفط ومشتقاته بتزامن هذا لأخير مع الحد الأدنى لأسعار المحروقات في الأسواق العالمية، الشيء الذي لم يؤثر بشكل كبير على السوق الداخلي. في أفق 2016 ينتظر أن تشكل 2016 تحديا مهما للاقتصاد الوطني، وذلك لأنها ستشهد الدخول الفعلي لمجموعة من البرامج والأوراش، والتي رسمت لها أهداف تنموية كبرى وتمثل رافعة تنموية، غير أن هذه الأوراش برغم جاذبيتها، تبقى مرهونة بشروط تنزيلها والظروف المواكبة لها، وهي تحديات نوردها حسب أهميتها كما يلي: حوار اجتماعي على المحك: يعتبر مشروع برنامج إصلاح صناديق التقاعد الشعرة التي قصمت ظهر حوار اجتماعي كان بمثابة حوار طرشان من طرف الحكومة التي تصر على عنتريتها لإغلاق هذا الملف بصفة نهائية، وبين مركزيات نقابية تطالب بضرورة معالجة هذا الملف ضمن إطار مطلبي شامل. ومما يحد من التفاؤل بمستقبل هذا الحوار ويصلب المواقف بعد الجولات المارطونية السابقة، أننا بصدد سنة انتخابية سيحاول كل طرف من خلالها تعزيز مكانته، سواء الحكومة، ومن داخلها، الحزب الأغلبي المشكل لها والذي يريد أن يظهر بمظهر الراغب في الإصلاح، أو المركزيات النقابية وما تمثله من امتداد سياسي والتي تريد أن تظهر بمظهر المدافع عن الأجير أمام الخطر الذي يهدد قدرته الشرائية. وبين هذا وذاك يظل الشارع المكان للتعبير عن هذه التجاذبات، وبالتالي عن حدة الأزمة الناتجة عن غياب الثقة بين الطرفين، الشيء الذي يرشح 2016 لأن تكون سنة الاحتجاجات والإضرابات بامتياز. تمويل إسلامي مرتقب: يفترض أن تشكل 2016 نقطة تحول في علاقة المغرب بالمالية الإسلامية، وذلك من خلال التجربة المغربية "الأبناك التشاركية"، والتي من المقرر أن ترى النور مع مطلع العام. تمويل إسلامي طال انتظاره منذ 2011، تاريخ تشكيل الحكومة من طرف الحزب ذي المرجعية الإسلامية والذي طالما طالب منذ أن كان معارضا بضرورة إنشاء أبناك إسلامية قائمة الذات. غير أن توقعاتنا لا تخرجه عن كونه إعادة استنساخ لتجربة المنتجات البديلة التي تم تداولها من طرف الأبناك الرسمية الثلاث ( البنك الشعبي، التجاري وفابنك والبنك المغربي للتجارة الخارجية) منذ 2007، والتي فشلت في تحقيق ما كان منتظرا منها بحكم الظروف الاقتصادية والسياسية التي واكبتها، وهي ظروف لا تزال حاضرة بقوة رغم "الرتوشات" التي ثم توضبيها في هذا المجال؛ من قانون بنكي جديد وفتح المجال لتلقي العروض وطلبات الترخيص من الأبناك الإسلامية الدولية، خاصة الخليجية منها. تجربة لن تنجح في تحقيق الأهداف الكبرى (وأهمها تحويل المغرب إلى قطب مالي عالمي، الرفع من الادخار البنكي ليشمل شريحة مهمة لازالت رافضة للتعامل مع الأبناك الربوية، إنعاش الاقتصاد الوطني بإنعاش الأنشطة المدرة للدخل عبر التموين التضامني...) ما لم تعطى لها الوسائل الضرورية لإنجاح تجربتها؛ وأهمها الاعتراف الكامل بكينونتها وهويتها الدينية التضامنية والحد من التنافسية التحكمية التي تفرضها الأبناك الرسمية... جهوية في نسختها المتقدمة: بعد الانتخابات الأخيرة، والتي أفرزت مجالس الجهات الاثني عشر، ينتظر أن تشكل 2016 الاختبار الفعلي لهذا الورش المفتوح ودوره الكبير في المساهمة المباشرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، كما حدده القانون التنظيمي، وذلك عبر تقوية جاذبية الجهات وإقامة المشاريع المهيكلة الكبرى وتعزيز روح المبادرة وتحرير الطاقات المحلية والاستثمار الأمثل للمؤهلات والموارد الذاتية لكل جهة. وهي أهداف لن يكتب لها النجاح إلا عبر رؤية إستراتيجية تبدأ بتفعيل الترسانة القانونية المرافقة، وتنتهي بإعادة النظر في توزيع السلطة والثروة. تلكم أهم التحديات المطروحة أمام الاقتصاد الوطني، وإن كان لا أحد يجادل في أهميتها إلا أنها تبقى مرهونة بمدى التعامل الايجابي الذي يبديه الفاعل الاقتصادي والسياسي معها، بعيدا عن الحسابات الشخصية والمصالح الحزبية الضيقة. * أستاذ الاقتصاد بجامعة السلطان مولاي سليمان، بني ملال