لقد استبشر المغاربة خيرا حين تم تعيين لجنة ملكية لإعداد مشروع حول الجهوية الموسعة بالمغرب،رغم التحفظات المعلن عنها من بعض الأطراف حول تركيبة اللجنة التي لم تراعي تمثيلية مختلف المشارب والحساسيات الفكرية والسياسية والعلمية بالمغرب،إلا أن ذلك لم يمنع جل المتتبعين من التفاؤل بمستقبل عمل اللجنة .كما استبشر الجميع خيرا أيضا، بالخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 ،والذي جاء كاستجابة لجزء من مطالب الحركة الاحتجاجية ل 20 فبراير،حيث تضمن مجموعة من الخطوط العريضة حول الإصلاحات الدستورية النوعية،والتي من جملتها إدراج الجهوية في الوثيقة الدستورية. اٍلا أن أمالنا جميعا خابت في الحقيقة ،بل وصدمنا بالتقرير الذي رفعه عمر عزيمان رئيس اللجنة الاستشارية للجهوية إلى الملك محمد السادس،بعد ما يربو عن سنة من الاشتغال،حيث أن أول خلاصة يمكن الخروج بها بعد قراءة هذا التقرير المنجز في 76 صفحة، هو المقولة المغربية التي تقول"المندبة كبيرة والميت فار" والتي تقابلها في العربية الفصحى "تمخض جمالا وولد فأرا"،بالإضافة إلى وضوح سيطرة الهاجس الأمني والايديلوجي على التقرير.إذ أن التقرير رغم ديباجته الأنيقة والمنجزة بعناية ودقة فقهاء القانون والسياسة،والأفكار البراقة التي يتضمنها،ورغم سرده كذلك لبعض من المنظمات والهيأت التي قال بأنه تشاور معها،إلا أن عصارة التقرير وزبده وأهم نقطة فيه ،والتي أراها ممثلة في التقطيع الجهوي الذي تبناه من خلال 12 جهة،هو ما يمكن أن نستنتج منه ما يؤكد قولنا باستبعاد البعد التاريخي والمصلحة الوطنية في انجازه،وعدم الاستجابة لطموحات المغاربة ،وسأركز انتقادي بالأساس على نقطتين حساستين : 1-تقسيم الجهات، لم يخرج عن ما كان سائدا دائما بالمغرب في تقسيم العمالات والأقاليم والجماعات ،من تقسيم معتمد على أدوات ثلاث وهي "خريطة المغرب على الورق"، والمسطرة، والقلم، انطلاقا من المكاتب الفخمة والمكيفة بالرباط،فتقسيم اللجنة لم يراعي بالإطلاق الخصوصيات الثقافية والارتباطات التاريخية للجهات والكنفدراليات القبلية، التي لها تاريخ مشترك، وروابط عميقة، وخصوصيات لغوية وثقافية وأنتروبولوجية متماثلة.فمثلا تم تقسيم قبائل سوس الكبير على أربع جهات وهي ما سمي ب"جهة سوس-ماسة"،"جهة كلميم واد نون"،"جهة درعة تافيلالت"،"جهة مراكش-أسفي"،وجل القبائل المكونة لهذه الجهات لها أولا خصوصية لغوية مشتركة متجلية في المكون الأمازيغي "تسوسيت" ،وثانيا لها عمق تاريخي مشترك منذ الأزل-يكفي مراجعة كتابات ابن خلدون للتأكد من ذلك- كان أخرها التحالفات القبلية التاريخية في مجابهة الاستعمار، وهذه القبائل موزعة على أقاليم أسا زاك،كلميم،اٍفني،تيزنيت،طاطا،أشتوكن أيت بها،اٍنزكان،أكادير،تارودانت،الصويرة،الحوز،شيشاوة،مراكش، ورزازات،زاكورة،كما تم إذابتها وتعويمها مع قبائل ومجموعات ثقافية أخرى غير منسجمة معها بشكل كبير (أي انسجام بين قبيلة اٍوريكن الأمازيغية بنواحي مراكش مع قبيلة الرحمانة مثلا رغم اقحامهما في نفس الجهة)،نفس الشيء قامت به اللجنة فيما سمي ب "جهة الرباطالقنيطرة"، وما سمي "جهة الريف والشرق"... 2- تحكم الهاجس الأمني والأيديولوجي في تسميات الجهات ،حيث تم طمس التسميات التاريخية للجهات المغربية مثل تامسنا،والشاوية،والحوز،وسايس،زيان،وتادلة والصحراء وزمور وورديغة ودكالة وغيرها وسميت الجهات بأسماء المدن كأننا لا نتوفر على رصيد تاريخي في هذا الصدد .فباستثناء جهات الريف وسوس ودرعة تافيلالت التي سميت تقريبا بأسمائها، حيث خافت اللجنة من تحركات سياسية قوية لحركات الحكم الذاتي المعروفة بهذه الجهات الثلاث بالضبط،وتم الاحتفاظ بتسمياتها التاريخية ،رغم التشويه الذي قامت به اللجنة لهذه التسميات التاريخية،فقد أضيفت كلمة "الشرق" إلى جهة الريف، علما أن المنطقة الشرقية جزء لا يتجزأ من الريف الكبير،كما تمت إضافة كلمة "ماسة" إلى جهة سوس مع العلم أن الجهة لم تسمى قط هكذا، وأن "ماسة" أو بالأحرى "ماست" ما هي قبيلة سوسية ضمن عشرات القبائل بالجهة، ولا داعي لإضافة اسمها إلى الجهة فلا معنى لذلك،والمدلول الوحيد لذلك في نظري هو محاولة اللجنة تعويم التسميات وتشويهها. في الأخير ،أرى أنه بدون استحضار روح الوطنية والمسؤولية التاريخية وبدون استحضار تطلعات الشعب المغربي ومختلف مكوناته،فلا معنى لقوانين ومشاريع تهدف إلى تجاوز مراحل سياسية معينة، وتأجيل الحلول العميقة والحقيقة للإشكالات الكبرى. *باحث سياسي