مما لاشك فيه أن الاحتفال بقدوم سنة ميلادية جديدة إحساس يعيشه ويتقاسمه الأفراد والجماعات سواء داخل الوطن أو خارجه،كما يتقاسمه المسؤولون بغض النظر عن مدى صدقية تحملهم لهذه المسؤولية، ومعهم المواطنون أيضا دون النبش في صحة وطنيتهم، ودون الخوض في النوايا والخفايا، وبعيدا عن صخب قاعات الإحتفال وفي خضم استعراض وسائل الإعلام لملخص السنة الماضية، خصوصا اللقطات واللحظات الوردية التي تعزف على وتر مقولة "العام زين"، نود استعراض ولو بشكل موجز استعراض بعض اللحظات المفجعة والأليمة توخيا تحقيق نوع من التوازن في ذوق استقبال السنة الجديدة 2016 وذلك بإدخال بعض "الملوحة والحموضة" على حلوى "رأس السنة" التي بدون شك ستكون متشبعة "بالحلاوة" أكثر من اللازم . لقد يلعب الرأسمال اللامادي دورا مهما في التأسيس لمفهوم "تقييم التنمية والرقي والإزدهار" التي تجعل المفاضلة بين بلد لآخر والتي أصبحت أساس تصنيف الدول بين "متقدمة" و "متخلفة"، وبغض النظر عن مشتملات ومكونات الرأسمال اللامادي، فإننا ارتأينا الحديث عن المسؤولية والمواطنة لماذا؟ إن المسؤولية في التدبير تنقسم إلى قسمين مسؤولية "مفوضة" و مسؤولية " شبه مكتسبة"، فالأولى تتم عن طريق الانتخابات محلية كانت أو تشريعية، وهي مستمدة مشروعيتها من المواطن أو الناخب، بينما الثانية تستمد مصدرها إما من خلال النجاح في إحدى المباراة أو الإمتحانات أو من خلال التعيين في إحدى المناصب وبالتالي فإن مشروعيتها مستمدة من الجهاز الإداري ، وبغض النظر عن اختلاف مصادر المشروعية بين المسؤوليتين إلا أنهما يتقاطعان أو يلتقيان في نقطة واحدة وهي " الإخلال بالمسؤولية "، كيف ذلك ؟ إن المنتخب مسؤول أمام الناخبين على المستوى المحلي في إطار تدبير الشأن المحلي، وعلى المستوى الوطني باعتباره نائبا ممثلا للأمة أو بالأحرى للشعب، في نطاق تدبير الشأن العام، وهو ما ينطبق على الموظف والمسؤول الذي يتلقى أجرته نتيجة عمل يقوم به لفائدة الصالح العام وللوطن بناء على وثيقة رسمية تؤكد هذا الإرتباط الذي يبرر تلقي هذه الأجرة من خزينة الدولة ، إلا أن واقع الممارسة ومقياس المنجزات يعكس أن المسؤولية توضع في "مؤخرة" اهتمام المنتخب وممثل الأمة حتى أضحى عدم تقدير المسؤولية أمرا مألوفا وهو ما خلق نوع من "المواطنة منزوعة المسؤولية" Citoyenneté-light responsabilité ، الأمر نفسه ينطبق على الإدارة المغربية التي مازالت تعرف "ظاهرة" انزياح المسؤولية عن الوظيفة أو المهمة، إنها علامات نهاية الوطن؟ وذلك بفقدان الثوابت اللامرئية والتي تعتبر بمثابة الحبل السري الذي تربط المواطن بوطنه. مما لاشك فيه أن تدبير الشأن العام الوطني والمحلي خلال سنة 2015 بل منذ دستور 2011 إلى يومنا هذا وبالرغم من تنصيص الوثيقة الدستورية على مجموعة من المبادئ والأسس لتعزيز وتأصيل مفهومي "المسؤولية" و "المواطنة"، مازال مدبروه لم يستوعبوا ما معنى آن تكون مسؤولا مواطنا، وباستقراء بعض الأعمال التطبيقية للمسؤولية خصوصا لدى من انتخبهم الشعب لتمثيله ولتدبير شؤونه من برلمانيين ووزراء وما أصبح يصدر منهم من أخطاء ومن تصرفات صبيانية يدفع إلى التساؤل حول ما الجدوى من حكومة سياسية منبثقة من أحزاب لا يحسنون تنشئة وتربية مناضليهم فما بالك بتدبير الشأن العام . لقد عرفت المسؤولية والمواطنة في زمن حكومة دستور2011، نكوصا على مستوى التجسيد وذلك بتسجيل وإحصاء نسبة قياسية من حوادث دبح المسؤولية والمواطنة ، وهو ما تجسده التصريحات والفضائح الصادرة تباعا عن الوزراء ، والتي خلقت ضجة إعلامية داخل وخارج الوطن، مما يعيد طرح سؤال حول مدى أهلية أحزابنا السياسية لتدبير الشأن العام ؟ وهل يحق الحديث عن المفهوم الوظيفي للحزب في مغرب ما بعد دستور 2011 ، خصوصا إذا سلمنا بالاستحالة المطلقة لهذه الأحزاب السياسية عن إستعادة عافيتها النضالية والسياسية ومجاراتها لمضامين الدستور الحالي . وفي الختام، نودع سنة 2015 ومعها الحكومة الحالية على أمل أن يحظى الوطن والمواطن بحكومة مسؤولة ومواطنة وعلى إيقاع أغنية الفنان التونسي لطفي بوشناق الذي شدد على ضرورة الحرص على الوطن مقابل التخلي عن الكراسي والمكاسب لمن لا يقدر المسؤولية ولا يسعى لزرع المواطنة ، وذلك بقوله : وهل هنالك أعظم من الوطن .. وما أحلاه من وطن . *باحث في القانون العام والعلوم السياسية