معَ دُنوّ أجل وفادة البنوك "الإسلامية" على المغرب، يُطرحُ سؤال: "هلْ ثمّة فرْق بيْن هذه البنوك والبنوك التقليدية؟". والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أعادَ هذا السؤال إلى الواجهة، حينَ دعا، قبل أسبوع، إلى النّأي بالدين عن الأبناك الإسلامية (الأبناك التشاركية وفق تعريف البنك المركزي)، وقال إنّ هذه الأبناك "هي البيزنس والربح، لهذا اخترنا تسميتها مصارف تشاركية وليس مصارفَ إسلامية". غير أنّ هُناك من لا يوافق الجواهري في رأيه هذا، ومنهم الخبير المالي، عمر الكتاني، الذي يرَى أنَّ المصارف الإسلامية تختلفُ عن البنوك التقليدية جذريّا، "لأنّ الأصل في المصارف الإسلامية هو أنّ معاملاتها ذات طابع استثماري واجتماعي، وتحمل صفة إسلامية لأنّ المطلوب منها هو أنْ تكونَ مصارف تنموية، وتلعبَ دورا أساسيا في الاستثمار، وتخْدمَ المجتمعَ قبْل خدمة مُلّاكها"، يقول الكتاني في حديث لهسبريس. وعلى الرغم من أنَّ المصارفَ الإسلامية، من الناحية التقنية وفي الممارسة التجارية، تشبه البنوك التقليدية، إلا أنَّ الكتاني يقولُ إنّ ميزةَ البنوك الإسلامية هيَ أنّها "لا تستغلُّ ودائع المجتمع بحثا عن مصلحتها"، وتعليقا على تصريح والي بنك المغرب الذي نفى فيه وجود فرْق بين الأبناك التشاركية والأبناك التقليدية، قال الكتاني: "عندما يجهلُ المرْءُ شيئا لا يجب أنْ يتحدّث فيه، والسيد الجواهري ليس مُلمّا بالاقتصاد الإسلامي ليصرّح بمثل هذا الكلام". الكتّاني عادَ إلى الحقبة الأولى للإسلام لاستخراج عناصرَ يعزّز بها صواب رأيه، قائلا إنَّ الاقتصادَ الإسلامي استطاعَ، بعد 200 سنة من نشوء الإسلام، تغطية نصف الكرة الأرضية، وكانَ سابقا للاقتصاد الغربيّ، وكانَ منبعا استمدّتْ منه المدرسة الكلاسيكية الليبرالية الغربيّة قواعدَ المعاملات المالية، واستطرد مبرزا أن "المشكل هو جهلُ المثقفين الذين درسوا في المدرسة الغربية التي تنكّرتْ لكل الأسُس التي أرْساها الاقتصاد الإسلامي". وبخصوص ما إنْ كانت المصارفُ الإسلامية ستقدرُ على الاشتغال في المغربِ وفْقَ الضوابط الشرعية التي تأسست عليها، خاصّة وأنّ المغربَ ارتأى إزاحة صفة "الإسلامية" عنها، واستبدلها ب"التشاركية"، قالَ الكتاني إنّ ذلك يقتضي أنْ يكون مخططو التوجّهات المالية للدولة مقتنعين بأنّ دوْرَ المصارف الإسلامية، المُزمع حصولها على التراخيص ابتداء من سنة 2016، هو تنمويّ. الخبير المالي أضاف: "لا نُريدُ أن تكون البنوك الإسلامية صورة طبق الأصل للبنوك التقليدية، بل بنوكا لتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة، على أنْ يُخصّص جُزء من ودائع الزبناء للتمويل المصغّر"، وفي حين يبدو أنّ بنك المغرب سيقفُ على مسافة واحدةٍ من المؤسسات المالية، التقليدية والتشاركية، قالَ الكتاني إنَّ الدولة لا يجبُ أن تكونَ محايدة، إذا كانتْ راغبةً في أنْ تلعب المصارف الإسلامية دوْرها كمؤسسات للاستثمار والتنمية، "لأنّ اللوبي البنكي التقليدي أقوى من الدولة"، يقول المتحدث. ونبّه الكتاني إلى أنَّ المصارف الإسلامية إذا زاغتْ عنْ القواعد المؤسَّسة عليها، كأنْ تكتفيَ بالمعاملات التجارية الصغيرة مثل شراء السلع الاستهلاكية وإعادة بيْعها بدَل الانشغال بالاستثمار والتنمية، فإن ذلك سيجعلها أقربَ إلى البنوك التجارية، بلْ إنّه يرى أنَّ هذه المصارف إذا ابتعدت عن تنمية المجتمع، من خلال عمليات تجارية في صالح المقاولات الصغرى والمتوسطة واستثمار أموالها في شراء السيارات الفاخرة والسكن الفاخر وإعادة بيعها، "فهي ليست بنوكا إسلامية". وجوابا عن سؤالٍ حول شكوى الزبناء من ارتفاع نسبة الفوائد المُطبّقة من طرف المصارف الإسلامية، قالَ الكتاني إنّ من حقّ هذه المصارف أن تسعى إلى كسْب أرباح، "ولكنّها أرباح فرديّة ومجتمعية في آن، لأنّها لا تتعاملُ بعقلية التاجر، الذي لا يهمّه سوى ما سيربحه هو"، إلا أنه شدّد على أنّ نسبة الفوائد التي تطبّقها يجبُ ألا تكون أعلى من النسبة المطبقة من طرف البنوك التقليدية، "وإذا لاحظ المواطنُ أنّ كلفة المعاملات أغلى، فعليه أنْ يعرفَ أنّ المؤسسة التي يتعامل معها ليست إسلامية، لأنّ الإسلام ليس شعارا، بلْ هُو معاملة، قوامها منفعة الآخر، وإذا لم تنفع هذه المصارف المجتمع فهي ليست إسلامية"، يقول الخبير المالي.