أمام موجهة حراك الشارع العربي ومطالبه في الحرية وتقاسم الخيرات والسلطات، ركز البعض – وبتلخيص - على الاستثناء المغربي واستبعد إمكانية حراك شبيه بما حصل ويحصل في أقطار شقيقة. وساق للبرهان على مقولته كون المغرب يقوده منذ سنوات "طاقم من الشباب" القريب من المغاربة المتفهم لهمومهم استبق قطار الإصلاحات وأن ما تبقى من مطالب هو قيد التحقيق أو الدرس وبالتالي فلا حاجة لتحرك الشارع المغربي إضافة لما يترب عن تحرك الشارع من انفلات أمني وتخريب وضحايا وتأخير في وتيرة الإصلاحات وتصدعات قد تستغلها جهات تستهدف الوحدة الترابية للوطن. غير أن متابعة ونظرة سريعة لما حصل من تغيير وإصلاح في السنوات الأخيرة تظهر بأن دار لقمان على حالها أو ربما ساءت في بعض الحالات باستثناء وضعية بعض المنتفعين من "الشباب المودرن" الذين تزايد غناهم بشكل غريب وهم قلة لا تعد مقارنة بالغالبية الساحقة من المغاربة، وما تم من إصلاحات أو سمي كذلك لم يمس في عمومه وجوهره إلا بعض المظاهر التزويقية أو الموجهة للبروبجوندا الخارجية، ولا زالت المشاكل التي ورثها "الطاقم الشاب" حاضرة كما هي بل تراكمت وتفاقمت كالفساد الاجتماعي وبطالة الخرجين وغيرهم من الشباب، والاغتناء المشبوه، وفشل المنظومة التعليمية والصحية، وتدهور دور المؤسسات المدنية والإعلامية، وتقلص الأداء الدبلوماسي واستغلال السلطة والمحسوبية والدعارة السياسية والقائمة طويلة. وهي مشاكل ومطالب إصلاح ليست ببسيطة ومعزولة كما قال البعض، فالمشاكل متجذرة وتمس المنظومة بكاملها في أسسها؛ ولا تتخلف الوضعية المغربية في هذا المضمار عن الحالة التونسية والمصرية وغيرهما فحتى أخطبوط حزب الدولة الذي كنا نتخيل أن المغرب أصبح بحكم التجربة التاريخية القريبة العهد محصنا منه، حاضر يطمس بظله وبعيوبه وويلاته كل بصيص أمل. وبذلك تكون قد تساوت الحالة المغربية مع الحالات الأخرى في كل جوانبها وأسوئها بالخصوص. ولأن سلسلة المشاكل تمس المنظومة في أسسها فلم تعد تنفع الحلول الترقيعية أو الشكلية أو وعود الإصلاح الذي يأتي ولا يأتي وما أكثر ما سمعنا عن الإصلاحات والمشاريع "الثورية" في الحقبة الأخيرة، وحان الأوان ربما استفادة من الدرس التونسي، للتحلي بالشجاعة والوضوح في مواجهة الحقائق ومقارعة مشاكل تراكم بعضها منذ الاستقلال كتوضيح العلاقة بين الحاكم والمحكوم وعصرنة المؤسسات التي تعود للقرون الوسطى في شكلها ومضمونها وإرساء قواعد مواطنة تامة ودولة قانون أسوة بما تعيشه البلدان المتحضرة إضافة لخطط إصلاح هيكلية فعالة تعطي لجميع المواطنين سواسية حقهم في الأمل والعيش الكريم وتعيد إليهم كرامتهم وترسخ فيهم عقيدة الانتماء للوطن الواحد كمواطنين لهم حقوق وعليهم بالطبع واجبات كمواطنين ينعمون بحرية التعبير والاختيار. فبدون هذه الإصلاحات الضرورية والحتمية وليس الوعود العرقوبية التي يقصد منها امتصاص نقمة وتذمر جزء كبير من المغاربة أو "المهازل المسرحية" التي ينقلها التلفزيون المغربي على مدار الوقت يمكن تنويم الناس أو تفادي ما يؤسف له. ونلاحظ أن الجميع بما فيهم المسئولون عن الوضعية لا يجادلون ضرورة الإصلاحات فكبار المسئولين هم من حملة لواء الإصلاح بل ثوريون كما يقولون في المجالس الخاصة شرط أن يكون التغيير بلا تظاهر ولا تجمع ولا مطالب، يعني على غرار الدستور الممنوح ابتكر أصحابنا الإصلاحات الممنوحة؛ ولكن أي إصلاح وكيف؟ هذا إذا وجدت عند بعضهم حقا رغبة في الإصلاح وهو أمر مشكوك فيه لكثرة ما كرروا منذ سنوات هذه الاسطوانة المشروخة. وما تظاهرت الناس، مهما كان عددها، وخرجت في عموم المغرب تحت وابل المطر حبا في التظاهر أو تقليدا أعمى لما يجري في العالم العربي كما يحلو للبعض أن يصف ذلك أو حبا مرضيا في زرواطة قوى الأمن بل خرجت كتحد لوضعها لأن حالة انتظار الإصلاحات طالت وبلغ السيل الزبى أو كاد وتجاوزت أقلية "الشباب الموديرن" في جشعهم وتسلطهم الحدود وما تركوا للبقية إلا فتاتا أو أقل من ذلك بكثير. قد تفشل أو تمنع المظاهرات الحالية المطالبة بالحقوق وبالإصلاحات وقد ينجح أصحاب الأمر والذين أوصلوا البلد لما عليه بمختلف وسائلهم من الترغيب والترهيب والتمييع في تطويقها واستنزافها أو إفراغها من محتواها ولكن ذلك لا يعني بتاتا أن المشاكل قد حلت بل سيزيد هذا الاختيار الجهنمي الوضع احتقانا والنقمة تجدرا، يعني خيبة لآمال التغيير شبيهة بما حدث قبل عشر سنوات و هروبا إلى الأمام وإلى مجهول لا يبشر بخير لمغربنا السعيد.