انخفاض النمو بشكل كبير، وتراجع أداء القطاعات الصناعية الأساسية، وتسجيل البطالة أعلى مستوياتها، تلك هي أهم عناوين الوضع الاقتصادي الفنلندي الذي عرف سنة أخرى من الركود الاقتصادي، إلى درجة وصف البلاد ب"الرجل المريض" الجديد في أوروبا. وتواجه فنلندا، التي تعيش ركودا اقتصاديا خانقا منذ سنة 2012، مجموعة من الصعوبات في قطاعات حيوية، ما أدى بوزير المالية، الكسندر ستاب، إلى وصف بلاده ب"الرجل المريض الجديد في القارة العجوز". وسجلت البلاد خلال 2015، وللسنة الرابعة على التوالي، ركودا اقتصاديا انعكس على الناتج المحلي الإجمالي، الذي من المتوقع أن يتراجع، وفق بيانات للبنك المركزي، بنسبة 0.1 في المائة بنهاية السنة الجارية. المعطى يمثل ضربة كبيرة لمداخيل هذا البلد الأوروبي الذي دافع طويلا عن نموذج اقتصادي يمزج بين الابتكار والحماية الاجتماعية والقدرة التنافسية، إلا أن أركانه بدأت في التفكك والانهيار. ويرجع ذلك أولا إلى أن شركة "نوكيا"، التي تشكل لوحدها ربع ثروة البلاد، ضلت طريقها بشكل واضح في سوق الهواتف الذكية التي ستصبح المهيمنة على الأسواق المتخصصة في تكنولوجيا المستقبل. أما ثاني عوامل تفكك النموذج الاقتصادي الفنلندي فيكمن في تدهور صناعة الورق بفعل تراجع مجال الطباعة، والأسوأ من ذلك أن روسيا، الزبون الأول للبلاد، تأثر بشكل كبير جراء العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي، ما انعكس على أداء الاقتصاد الفنلندي. وفي مواجهة احتمال توقف هذه المحركات الاقتصادية التقليدية، تقترح العديد من التقارير، الصادرة عن مؤسسات مالية وطنية ودولية، القيام بإصلاحات هيكلية عميقة تهم، على الخصوص، القطاع العام وقانون الشغل والنظام الاجتماعي لساكنة هذا البلد، التي تبلغ 5.5 مليون نسمة. وهذا بالضبط ما تحاول حكومة وسط اليمين الجديدة، المنتخبة في أبريل الماضي، تنفيذه من خلال برنامج طموح يهدف إلى إنشاء اقتصاد قوي ومتين. وقد حددت الحكومة، المؤلفة من وسط اليمين، والليبراليين المحافظين، هدف التقليص من تكلفة العمالة بنسبة 5 في المائة، إلى غاية 2019، وهو المشكل الذي كان يؤرق العديد من الحكومات المتعاقبة. إنه هدف يمكن تحقيقه على الورق، لكن منتقدي هذا الإصلاح يرون ذلك قد لا يشكل عاملا هاما في حل المشاكل الاقتصادية للبلاد، ولا حتى تخفيض معدل البطالة الذي بلغ، خلال السنة الجارية، نحو 10 في المائة، وهو أعلى معدل في ظرف 15 عاما. وبحسب الأرقام المقدمة من "يوروستات"، فإن العامل الفنلندي أكثر تكلفة بنحو 20 في المائة مقارنة مع المعدل المتوسط في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك فإن محاولات رئيس الوزراء، يوحا سيبيلا، الرامية إلى مراجعة سلسلة التعويضات الاجتماعية، مثل خفض مدة العطل والأجور، قد أدت إلى احتجاجات وإضرابات واسعة النطاق. وللإقناع بخياراته الاقتصادية الاجتماعية المؤلمة، حذر سيبيلا من أن البلاد قد تواجه مصيرا مماثلا لليونان، بينما كشف الإصلاح الطموح لنفقات الرعاية الصحية الخلافات الكامنة داخل الحكومة الائتلافية، التي كانت على وشك التفكك في نونبر الماضي. ويرى العديد من المراقبين أن هامش المناورة لدى يوحا سيبيلا يبقى ضيقا، إذ يجب إقناع جميع الشركاء في الائتلاف بضرورة تطبيق إصلاحات هيكلية لدفع عجلة النمو، وفي نفس الوقت الحيلولة دون احتجاج النقابات. وبحسب أوساط إعلامية، فإن العديد من خبراء الاقتصاد يحذرون من التنشيط الاقتصادي غير المنضبط، والتخوف السائد من النضالات الاجتماعية، في الوقت الذي يجد المسؤولون السياسيون صعوبة في تقديم حلول للحفاظ على السلم الاجتماعي، معتبرين أن الجميع سيمنى بالخسارة، سواء تعلق الأمر بالنخبة السياسية أو النقابات، أو أرباب العمل. *و.م.ع