وصف السياسي الهولندي من أصل مغربي محمد الرباع مشاركة المغاربة في الانتخابات الجهوية (الإقليمية) في هولندا يوم الأربعاء الماضي بأنها "لا بأس بها" وأنها تظهر وعيا متناميا لدى المغاربة والمسلمين عموما. كما أظهرت نتائجها من ناحية أخرى تراجع زخم الحزب من أجل الحرية 'الشعبوي‘ لزعيمه خيرت فيلدرز مقارنة مع الانتخابات السابقة. "هذا تطور مهم"، يؤكد الرباع في لقاء مع إذاعة هولندا العالمية. تراجع في الثاني من شهر مارس الجاري كان الهولنديون على موعد مع الانتخابات الجهوية. في الأحوال العادية لا تثير هذه الانتخابات حماسة كبيرة لدى المواطن للإدلاء بصوته، إلا أن المعادلة اختلفت هذه المرة مع وجود حكومة أقلية يمينية يدعمها حزب يصفه البعض بأنه متطرف، تمتلك أغلبية ضئيلة جداً في مجلس النواب (الغرفة الثانية من البرلمان)، وكانت تأمل تعزيز موقفها بالحصول على أغلبية في مجلس الشيوخ (الغرفة الأولى). يُذكر أن أعضاء مجلس الشيوخ لا يتم انتخابهم من قبل الشعب مباشرة، وإنما عن طريق مجلس الأقاليم، وهو ما يعطي للانتخابات الجهوية أهمية أيضاً على صعيد السياسة الوطنية. بيد أن التحدي السياسي الأكبر للهولنديين من أصل أجنبي هو حجم ووزن الحزب من أجل الحرية في الساحة السياسية الهولندية. فمنذ انطلاقة هذا الحزب الذي يوصف بالشعبوية وتسديد نظره على ما يسميه "خطر" الإسلام والمسلمين، حقق نتائج انتخابية باهرة سواء خلال الانتخابات الأوربية أو خلال الانتخابات البلدية والبرلمانية الأخيرة.
تأتي هذه الانتخابات الجهوية لتكون محكا لمدى قوة زحف هذا الحزب سياسيا. زعيمه خيرت فيلدرز لم يخف عشية الانتخابات رغبته في اكتساح الغرفة الأولى، وبالتالي توفير الدعم الكافي لحكومة الأقلية لتنفيذ برامجها التي يرى فيها كثير من المسلمين تهديدا حقيقيا لوجودهم في هذا البلد. محمد الرباع سياسي هولندي من أصل مغربي يقرأ نتائج هذه الانتخابات بمنظار المتفائل، لاسيما ما تعلق منها بالحزب من أجل الحرية. فهو يلاحظ تباطؤا في نمو هذا الحزب بل تراجعا وأن الهولنديين لم يعودوا يصوتون لصالحه بالكثافة السابقة المعهودة. "هناك تطورات يمكن أن نستنتج منها وضعية بعض الأحزاب، ولاسيما الأحزاب التي تمس بالوضعية القانونية والحقوقية للمغاربة والعرب والمسلمين في هولندا. فنحن نرى أن الحزب من أجل الحرية العنصري يتراجع ويضعف من حيث عدد المصوتين له منذ الانتخابات الأوربية والانتخابات البرلمانية الأخيرة. وهذا تطور مهم في ما يخص مستقبل هذا الحزب في الساحة الهولندية وفي ما يخص وضعية المهاجرين بصفة عامة والمسلمين والمغاربة بصفة خاصة". عرقلة ليس واضحا تماما ما إذا كان الائتلاف الحاكم سيحصل على الأغلبية في الغرفة الأولى، فنتائج الاقتراع متقاربة كما أن انتخاب مستشاري الغرفة الأولى سيتم بصفة نهائية خلال شهر مايو القادم، وقبل ذلك تدخل الأحزاب في سلسلة من المباحثات والتحالفات والاستقطابات وخاصة داخل الأحزاب الجهوية، مما سيؤثر على التوازنات داخل الغرفة الأولى. "ما بين نتائج الاقتراع ونتائج انتخاب مستشاري الغرفة الأولى كان هناك فرق خمسة مقاعد"، يوضح السيد الرباع متحدثا عن الانتخابات الجهوية ما قبل الأخيرة. ويرى الرباع الذي كان أول برلماني هولندي من أصل مغربي عن حزب اليسار الأخضر أواسط التسعينات، أن عدم حصول الائتلاف على الأغلبية المطلوبة سيعرقل بالتأكيد مشاريع قوانين الحكومة الحالية المشكلة من الحزب الليبرالي (في في دي) والحزب المسيحي الديمقراطي. "نظرا لأن الحكومة الحالية يمينية متطرفة في ما يخص وضعية المسلمين والمهاجرين ويمينية في ما يخص السياسية الاجتماعية والاقتصادية، فكون الأغلبية في الغرفة الأولى في المستقبل ستؤول للمعارضة يتسبب في مشاكل للحكومة التي سيتعذر عليها تنفيذ القوانين غير المصادق عليها من قبل الغرفة الأولى". تحركات خلال الأسابيع التي سبقت الانتخابات شهدت الساحة الهولندية تحركات واسعة في المساجد والأندية وما إلى ذلك، قامت بها جمعيات ومؤسسات يسهر عليها أبناء الجاليات. كما نشطت شخصيات لها حضورها السياسي والاجتماعي بهدف حث المواطنين الهولنديين من أصل أجنبي على التصويت بكثافة. فهل سيكون لمشاركة هؤلاء أثر على المشهد؟ هذا ما يؤكده السيد الرباع: "في الأشهر الماضية كانت هناك تحركات عديدة من طرف ممثلين عن المنظمات المغربية والتركية والإسلامية في سبيل دفع المسلمين للتصويت على أحزاب المعارضة، وخاصة أحزاب اليسار التي باستطاعتها إيقاف المشاريع اليمينية للحكومة الحالية. ليست لدي إحصائيات دقيقة ولكن يظهر أن المهاجرين بصفة عامة والمغاربة بصفة خاصة شاركوا في هذه الانتخابات بمستوى لا بأس به". على الرغم من تراجع عدد المصوتين لصالح الحزب من أجل الحرية مقارنة مع الانتخابات الأوربية والبرلمانية الأخيرة، فإنه انطلق من لا شيء ليحصد 10 مقاعد من أصل 75 مقعدا في الغرفة الأولى حسب التقديرات الحالية. كما إنه أصبح أكبر الأحزاب في بعض الأقاليم مثل إقليم ليمبورخ (جنوب) مزيحا الحزب المسيحي الديمقراطي من الصدارة. وحقق نتائج جيدة في إقليمي برابنت وزيلاند (جنوب). وعلق خيرت فيلدرز على نتائج الانتخابات يوم الأربعاء أن حزبه لا يمكن الآن استبعاده عن الساحة السياسية في هولندا. *بالاتفاق مع إذاعة هولندا العالمية