صباح الخير، كوكب الأرض. عذرا، فرغم تلويثنا لك مازلت حيا ترزق، تقاوم زلاتنا وتغفرها لنا وتقبل على الحياة من جديد. أي قوة خفية تملكها لكي تستمر في مداراتنا ومجاملتنا. لكن إلى متى ستظل تقاوم شرور ساكنيك وتهاونهم عمدا في الحفاظ عليك ؟ هاهنا في باريس يجتمع قادة العالم "لاتخاذ قرارات شجاعة" لمواقف غير شجاعة اتخذت تجاهك وذلك من أجل الحفاظ عليك والقضاء على كل الانبعاثات السامة التي تفرزها مصانعهم منذ الثورة الصناعية والمسؤولة عن الاختلالات التي يعاني منها نظامك البيئي. بل هناك - وبكرم زائد - من نادى بعدالة مناخية أي محاسبة وتغريم الدول الملوثة لك والتي تسببت بأضرار جسيمة لك وحرمت سكانك الكرام من التمتع بمناخ سليم منذ أكثر من قرنين ونيف. يبدو هذا التقديم كقصاصة إخبارية، أليس كذلك؟ لكن يبقى السؤال المؤرق لكل ساكنيك : هل هم جادون هذه المرة في كوب 21 ؟ أم سيكون مصيره كسابقيه منذ مؤتمر الأرض بريو 1992 الذي انبثقت عنه فكرة الكوب ( وتعني مؤتمر الأطراف حول البيئة) مرورا بكل مؤتمرات المناخ من برلين 1995م وكوب3 بكيوتو 1997م الذي يعد محطة أساسية في هذا المسار إلى كوب21 بباريس المحطة الراهنة... الكل يردد ويؤكد على أن مؤتمر باريس هذا سيكون استثنائيا وفارقا وسيشكل استحقاقا حاسما سيتحدد معه مستقبل الكوكب الهش الذي هو أنت أمام التغيرات المناخية. فهل سيحصل إجماع هذه المرة على أمر مصيري يهمك ؟ صراحة أعترف أن هذا المؤتمر يعتبر تحديا كبيرا يواجه المجموعة الدولية. وكسب رهانه أمر مشكوك فيه كما تدل القرائن على ذلك. هنا في باريس يبدو واضحا تضارب المصالح بين الدول، حيث يرى بعضها والأكثر تلويثا أن أي اتفاق صارم يحد من حرية تلويثها لك يعتبر لاغيا ؟؟؟ - أي ضحك على الذقون هذا ؟ وأي حقيقة مؤلمة هذه ؟ - ولذا فهي تطالب باتفاق مرن وغير ملزم لها - هكذا صراحة وبكل وقاحة - وألا يتابع المراقبون للبيئة مدى التزامها بتطبيق هذا الاتفاق مثل الصين وأستراليا والهند والبرازيل ووم أ. الكل يلقي باللائمة على الآخر. فالدول النامية وخصوصا الحديثة التصنيع، ترى أن التلوث الحالي ما هو إلا نتاج تاريخي لانبعاثات الدول المتقدمة بأوربا وو م أ واليابان بشكل تراكمي وتصاعدي منذ الثورة الصناعية، ومن تم فهي ليست مسؤولة عن كل هذا الكم من التلوث لأن تصنيعها حديث العهد. وعليه فإن إلزامها بتبعاته تعد مسألة غير عادلة. وحتى إذا تمت المصادقة على قوانين تخص ذلك فإنه والحالة هذه لابد من التمييز بين الدول الصناعية القديمة والدول الحديثة بالتصنيع. لكن المفارقة هو أن جل المؤتمرين والمراقبين يعرفون ما يدور في كواليس مؤتمر باريس، ومتيقنين بأنه بنقرة أو بجرة قلم، يمكن للدول الصناعية الكبرى عرقلة أي اتفاق يمس بمصالحها وبالتالي إفساد عرس هذا المؤتمر البيئي. وهو المؤتمر الذي نعرف أنه ينعقد في ظروف متوترة تطبع سماء العلاقات الدولية : مثل الإرهاب الذي ضرب بقوة في فرنسا وتركيا ولبنان وآخرها تونس. والتشنج الذي يسم العلاقات بين اللاعبين الكبيرين روسيا ووم أ خصوصا بعد إسقاط طائرة سوخوي الروسية من قبل الدفاع الجوي لتركيا. من هنا علينا أن نستنتج أنه ما زالت تطغى على مؤتمرات المناخ لغة القوة والغلبة والمصالح الضيقة شأنها شأن باقي الاتفاقيات الدولية التي تخوض في مصيرك أيها الكوكب الصامت وساكنتك. فمصير العالم - شئنا أم أبينا - يتحدد بقرارات واختيارات "الدول العظمى" التي تعطي الأولوية لمصالحها قبل كل شيء متجاهلة باقي الأطراف رغم أن التسمية الأخيرة (الأطراف) يشوبها بعض الغموض، شيئا ما من التمييز بين الأطراف المؤتمرة ونوعا من الإقصاء لأطراف معينة. وفي تماه مع ما جاء في خطاب الملك محمد السادس بمؤتمر المناخ بباريس أتساءل بدوري : ماذا عن الأجيال القادمة ؟ أيعقل أننا سنترك لهم هذا الكوكب بكل هذه الأعطاب ؟ أليس من مسؤولياتنا أن نترك لهم غابات ومحيطات وشواطئ نقية والتي تشكل أغلى رصيد تملكه البشرية ؟ ماذا لو فقد هذا الرصيد بسبب تقاعسنا كيف ستعيش هذه الأجيال المقبلة ؟ لم يعد هناك لأي مجال لمبررات ترتبط بأولويات كاذبة فهي لا تعدو أن تكون أعذار واهية. في الأخير علينا أن نتكتل معا نحن سكان هذه الأرض لتعبئة جهودنا لإنقاذها من شرورنا ومن إتلافنا لثرواتها هكذا هدرا...