حتى وإن كانت المنطقة المغاربية الأقرب لإفريقيا من بلدان كالصين وتركيا اللتين تتسابقان من أجل موطئ قدم بالقارة، فإنها تظل بعيدة عنها ليكون المغرب الخيط الرفيع الذي يبقي على حبل الود مع البلدان جنوب الصحراء. كان من الممكن أن تشكل المؤهلات العديدة والمتنوعة للبلدان المغاربية، مسنودة بالعامل التاريخي، دافعا لعودة الارتباط مع جيرانها في الجنوب بعد جلاء الاستعمار عن القارة، إلا أنها فضلت سلوك طريق آخر قوامه مبادرات فردية ووضع سياسات ظلت حبيسة ردهات وزارات بلدان بالمنطقة من دون إنجازات. ويبدو المغرب "بلد المرحلة" بتفرده بربط ماضيه بحاضره وتجديد الصلة مع عمقه الإفريقي الذي يعود إلى عهد المرابطين من خلال تجارة القوافل حتى السودان وفق جغرافية القارة آنذاك، وذلك بسياسة جديدة ترتكز على التعاون جنوب-جنوب، سياسة مبتكرة وأصيلة للتنمية في إفريقيا تقطع مع النماذج والتصورات التي كانت تأتي، منذ ستينيات القرن الماضي، من خارج القارة لتعيد إنتاج مفاهيم تنموية ماضوية أثبتت عجزها في مسايرة التطور الذي تشهده إفريقيا منذ بداية الألفية الجديدة. وطرح غياب التكامل بين البلدان المغاربية للنقاش بقوة خلال ندوة عقدت مؤخرا بتونس، تم خلالها بحث واقع وآفاق العلاقات بين منطقة المغرب العربي وبلدان جنوب الصحراء، حيث تساءل المتدخلون، وهم خبراء وباحثون مغاربة ووزراء تونسيون سابقون ، عن المانع من تحويل الاتحاد المغاربي من هيكل "من دون روح" إلى إطار مساعد يحقق تطلعات شعوب القارة بكاملها، من خلال النهل من تجربة المملكة المغربية التي بات ينظر إليها كقوة إقليمية لا تخطئها فراسة أي متتبع بفضل مجموعة من الاستراتيجيات أبرزها التعاون في المجالين الديني والاقتصادي، المساعدين على تحقيق الأمن، التحدي الأكبر للقارة حاليا. وبات تحقيق هذا التكامل ضرورة قصوى ، أكثر من أي وقت مضى ، في ظل الظرفية الحالية للمنطقة المغاربية أبرزها التحديات الأمنية بكامل شمال إفريقيا من البحر الأحمر إلى المحيط، ليطرح سؤال عريض إن كان هذا المعطى يغيب عن ساسة المنطقة وتعنت بعضهم في الاعتراف بتطور بلد عن آخر في السياسات الأمنية التي يستفاد منها في أوربا، والنموذج: التعاون المغربي مع عدد من بلدان شمال ضفة المتوسط. ويأتي غياب التكامل بين بلدان المنطقة المغاربية بينما تمر حدودها الجنوبية بتهديدات إرهابية ومختلف أشكال الجريمة لها امتدادات في العمق المغاربي لاسيما في ليبيا وتونس، لتكون المنطقة برمتها في عين الإعصار لا يمكن تلافيها إلا بسياسة أمنية جماعية. وتعتبر العلاقات المغربية - الجزائرية مربض الفرس في هذه السياسة، حيث إن تباعد البلدين في الأفكار والتصورات بسبب قضية الصحراء له نصيب وافر في تغييب التكامل مما يفرض - حسب باحث تدخل في الندوة - خروج أكاديميي المنطقة من "حيادهم السلبي" والجهر بالحقيقة ولا شيء آخر غير الحقيقة. وتتمثل الحقيقة في رأي هذا الأكاديمي الذي سبق أن نادى بها في محافل دولية سابقة، في أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب يعد الحل الوحيد لحلحلة مشكل الصحراء وتحقيق التقارب المفقود بين بلدان المنطقة. وتساءل متدخل آخر عما حققته البلدان المغاربية عندما كانت الجزائر تعيش بحبوحة مالية في إفريقيا، أغدقت بها على قادة بلدان إفريقية لأغراض معروفة، قبل أن ينخرط المغرب في تنميتها بمشاريع اقتصادية درت عليه 37 مليار درهم مع حلول 2014 بعد أن كانت لا تتجاوز 10 ملايير درهم في 2004، في حين وصلت الصادرات المغربية نحو بلدان القارة إلى 7، 11 مليار درهم سنة 2013 مقابل 2، 2 مليار درهم سنة 2003، وبتوطين بنكي وتعاون ديني سمح. هذا الحضور المغربي أطلق صرخة أخرى من داخل الندوة، لكن هذه المرة كانت صرخة مغلفة بسؤال، كيف لبلد كالمغرب أغنى القارة منذ عهود بعيدة "بشهادة التاريخ الذي لا يكذب"، ويعمل على ترقيتها في الحاضر، أن يكون مغيبا عن أكبر محفل بها، وهو الاتحاد الإفريقي. *و.م.ع