يموت فينا المُفكر والعالم، يبحث كُل واحد منا في أرشيفه عن ذكرى، صورة، توقيع، أو حتى ريح طيبة منه، يُشاركها على حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي، ويُعلق الجميع رحل المُفكر، كان مُفكرا، كان رائعا، ربطتني به صداقة عجيبة.. مصيرنا جميعا الرحيل إلى دار الفناء، لكن رحيل كُل واحد منا يخلتف عن رحيل الآخرين. فالمفكر حينما يرحل يترك بيننا أهم من تلك الصور التي جمعتنا به ذات سمر أو لقاء، إنه يُخلف بيننا فكرا ونظريات لا تُقدر بحجم "اللايكات" أو التعاليق التي نحصل عليها من مُشاركتنا ل"سلفي" جمعنا به.. جميل أن نتقاسم مع الآخرين ذكرياتنا، لكن الأهم من ذلك برأيي، هو تقاسم فكر من رحلوا عنا من عُظماء، نُناقش كُتبهم ومُؤلفاتهم، لأن الكاتب والمُفكر يوجد في كُتبه وليس في ذكرياتنا معه.. ماتت المرنيسي مُنذ أسابيع، وسبقها إلى دار الفناء المهدي المنجرة وعابد الجابري وعبد السلام ياسين وأيضا فريد الأنصاري، وقبلهم جميعا ماركس ولينين وشيغيفارا، رحلوا بأجسادهم، نعم، لكن مُؤلفاتهم ونظرياتهم لازلت تنبض بحياتهم، اتفقنا معها أو اختلفنا.. لن أتحدث عن أولئك الذين يركبون على الأمواج، وحينما يرحل أحد العُظماء، يبحث عن صورته وينشرها مع تعزية وأسف كأنه كان لا يُفارق كُتبه، ولا يُفوت واحدة من مُحاضراته. فهؤلاء نكرة تبحث عن الشهرة، ولا يستحقون تضييع الوقت لمُناقشتهم.. عوض أن نتباكى على ذهابهم، وعوض أن ننشغل بمُشاركة صورنا معهم وأغلبنا لم يقرأ ولو حرفا واحدا لهم، تعالوا جميعا نُناقش كُتبهم، تعالوا نُزيل الغبار عن ما قالوا في عدد من القضايا التي نعيشها، فإن كان إكرام الميت دفنه، فإكرام المُفكر والعالم إخراج نظرياته إلى العالم، وبث الحياة في جسده المعنوي، جسده الفكري، الذي لا يموت أبدا.. لا تنجروا وراء العواطف الجياشة، المحمودة طبعا، لكنها ليست كافية لوحدها، لأن من أحب شخصا ووجد في كلامه منطقا وإقناعا، لا يكفي التعاطف معه ونشر صوره، بل الواجب هُو نشر فكره ومُناقشته مع الآخرين، وإن كان صائبا نعمل به ونُطبقه في حياتنا اليومية.. *صحافي https://www.facebook.com/anass.radouane