صدرت في الأيام الأخيرة للكاتب المغربي الهولندي، ذي الأصول الريفية الأمازيغية، محمد بن زكور، رواية جديدة باللغة الهولندية تحمل عنوان "سيأتي الملك"، عن دار النشر دوخوس. الرواية ذات بعد اجتماعي صرف، أما أحداثها فتدور في منطقة الريف شمال المغرب، وخاصة في مدينة أزغنغان وضواحيها، والتي وصفها الكاتب بالأماكن المنسية والمتسخة والقذرة، في إشارة منه إلى ما تعرفه من تهميش ممنهج. تتناول الرواية قصة شاب مغربي، متعلم ومثقف، يدعى مبدع، قرر أن يغادر هولندا، وأن يولي وجهه شطر البلد الأصل، ملبيا نداء أمه التي طالما حلمت بأن يحظى ابنها بالزواج من فتاة تتقن ما تستهويه من وجبات، وعلى دراية بالعادات والتقاليد المغربية العريقة. قرر مبدع العودة إلى الريف للبحث عن شريكة حياته، وعن حبه الأزلي، التي تقاسمه جملة خصائص ومميزات: كونها تتقد انتعاشا برائحة الوطن، ولعبت تحت أشعة الشمس الإفريقية الذهبية، وكونها أيضا رضعت حليب أم مغربية، كالذي رضعه هو. والرواية هي قصة شاب مغربي ولد بالمغرب، وتجذرت أصوله فيه، لكن أغصانه كبرت وترعرعت في قطر أوربي بارد وصغير، ألا وهو هولندا. ورغم أن الفتى كان بإمكانه أن يتزوج من الفتيات الهولنديات الشقراوات، اللائي لا يرى فيهن نقصا أو عيبا، فهن في نظره جميلات، وذوات مستوى دراسي لا بأس به، ومكانة اجتماعية واقتصادية معتبرة، لكنه أبى إلا أن يعود إلى أصله للبحث عن شريكة حياته، في ظل حضن الوطن الدافئ. قرر مبدع الاستقرار في بيت والده، الذي بناه من عرق جبينه، من جراء عمله في إحدى الشركات في هولندا، وهو القابع في قرية أولاد علي، إحدى قرى مدينة أزغنغان.. هناك قرر أن يستهل مغامرة البحث عن شريكة حياته، وأن يخوض معاركه الدنكشوطية للعثور عليها، بناء على مطالب أمه، واستنادا إلى شروطها. استسهل مبدع الأمر في البداية، وظن أن القضية كلها ستكلفه أياما معدودات لا غير؛ لما لا وهو العائد من أوربا مثقلا بأكياس من المال والجاه والحسب والنسب، فهو من أسرة معروفة، شهد لها الجميع بالحظوة والمكانة المتميزة. شاءت الأقدار أن يتعرف مبدع على "بغلة" الجارة فاظمة، وأن يخوض معها سجالات سفسطائية في شتى الموضوعات والمجالات؛ وكانت "البغلة" تشاركه كثيرا من النزوات الإنسانية، كشغفها الكبير بأكل الحلوى ذات المذاق النعناعي، بهدف إنعاش فمها، كي تكتسب الجرأة أكثر للحديث مع الفتى مبدع في قضايا الدين والاجتماع والثقافة والسياسة. استغرق الحبك السردي للرواية 377 صفحة، كي يدرك الفتى مبدع أن رحلته كانت مجرد وهم وسراب، وأن "البغلة" خدوج كانت على وعي تام بمجريات الأمور، وبحقيقة الحياة وصعوباتها، لما وصفت رحلة بحثه هذه بالعملية المجنونة، كونه ربط الحب بالزواج. وتعكس الرواية بعمق قضية مركزية، تكمن في مسألة الصراع بين عوالم التقاليد، والخضوع لأساليب الماضي وسردياته، وبين عوالم الحداثة والتمدن، وما تفرزه من نظم قيم ونماذج حياة، كحرية الفرد في تقرير مصير حياته، وحقه في اختيار شريكة حياته، والفردانية والاستقلالية في أخذ القرار دون الرجوع إلى مرجعيات أخرى. ويرى الكاتب أن الحسم في موضوع الحب والزواج كفيل بأن يجنب كثيرا من الأسر داخل منظومة المجموعات الإثنية في أوربا عامة، وهولندا على وجه الخصوص، الكثير من الويلات، وتاريخا كاملا من الآلام والأحزان. وبخصوص عنوان الرواية "سيأتي الملك"، يبدو من الصعب جدا التكهن بكنه وحقيقة هذا العنوان ومغزاه بالنظر إلى متن الرواية، لكن السارد ركز على قضية مجيء الملك إلى المدينة، أي مدينة أزغنغان التي بها أحد قصوره، المطل على الشارع الرئيسي للمدينة. نجح الكاتب في أن يسمو بفكرة مجيء الملك إلى جعلها أقرب إلى المجاز من الحقيقة، فزيارة الملك في المخيال الجمعي عند عامة الناس، وخاصة لدى الأطفال، ترتبط بالطابع الأسطوري لشخصية الملك. إصرار مبدع على معرفة وقت مجيء الملك ومتابعته للأشغال المصاحبة لهذه الزيارة، جعلت منه شخصية مشاركة في صناعة المشهد إلى نهاية الرواية، وذلك بالبحث عن الحظوة التي يريد أن يفوز بها لدى الملك، تشريفا وتكريما له على ما بذله من جهود جبارة في دفع أبناء البلدة إلى جمع الأكياس البلاستيكية المترامية على جنبات الطريق، ومساهمته في تنمية المنطقة التي عاد إليها لكي يبحث عن شريكة حياته، وفي الوقت ذاته حاول نقد الممارسات اليومية التي تصاحب هذه الزيارة من طرف السلطات المحلية، وبذلك يكون قد فضح أيضا واقع الزيف والحرمان الذي تعرفه المنطقة.