ما فتئ رئيسُ الحكومة، عبد الإله بنكيران، يدعو وزراءَ حكومته إلى ضبْط نفقات القطاعات التي يسيّرونها، وحصرها في الحدِّ الأدنى، "مع التأسيس لمبدأ الاستغلال المشترك والمتضامن بين القطاعات للإمكانيات المتوفرة، خاصة في ما يتعلق بنفقات استغلال حظيرة سيارات الدولة"، كما وردَ في الرسالة التأطيرية الحاملة للأهداف الكبرى لمشروع قانون مالية سنة 2014. لكنَّ استغلالَ سيّارات الدولة لم ينتظمْ، رغم "الرسالة التأطيرية" لرئيس الحكومة، ورُغمَ الحديث الذي راجَ في الصحافة خلال السنة الماضية، عن كون بنكيران سيُصدر مرسوما يقنّن استعمالِ السيارات العمومية، وإجبار سائقيها على الإدلاء بمعومات حوْل الوجهة التي يقصدونها، والمهمّة التي سيقومون بها... ورُغْمَ أنَّ الهدفَ من تخصيصِ سيارات حُكومية للموظفين هُوَ تسهيلُ أداء مهامّهم، في إطارِ عملهم الإداري، وليس استعمالها لأغراض شخصيّة؛ ورغم أنّ الحكومة الحالية رفعت شعار التدبير العقلاني للمال العام، إلّا أنَّ المغاربة ما زالوا يرون سيارات الدولة تُستعملُ خارجَ أوقات العمل، وأيّام العطلة، للتنقل إلى الأسواق وإلى المنتجعات وغيرها... مع ما تُكبّد هذه الفوضى في استعمال سيارات الدولة من خسائر مالية كبيرة للخزينة. لا توجدُ أرقام دقيقة حوْلَ عدد السيارات الحكوميّة الموضوعة رهنَ إشارة الموظفين في المغرب، لكنَّ الأرقام المُتداولة تشيرُ إلى أنّ حظيرةَ سيارات الدولة تقاربُ 115 ألف سيارة؛ والمثيرُ في الأمر هُوَ أنَّ هذا العددَ العائل من السيارات الحكومية لا يوجدُ حتّى في دُولٍ غنيّة، لا يُمْكن مقارنتها مع المغرب، سواء من حيث القُوّة الاقتصادية، أو الكثافة السكانية، مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية واليابان. ويظهرُ أنّ رئيسَ الحكومة، عبد الإله بنكيران، قد رفع "الراية البيضاء" أمامَ ترشيد النفقات المتعلقة باستعمال سيارات الدولة، وهُوَ في السنة الأخيرة من ولايته الحكومية، إذْ خفتَ الحديثُ عن هذا الموضوع، وبدَا أنَّ صفحته طُويتْ، علما أنّ هناكَ من المسؤولين منْ يجمَعُ بينَ امتلاك سيّارة الخدمة والاستفادة، في آن، من تعويضات التنقل، والتي تصل إلى 3000 درهم للمدراء المركزيين، و 2000 درهم لرؤساء الأقسام، و1250 درهما لرؤساء المصالح. في شهر مارس من السنة الحالية، بعثت الشبكة المغربية لحماية المال العام مذكّرةً إلى الحكومة، ممثلة في وزارتيْ العدل والداخلية، تتضمّن إجراءاتٍ لوضع حدٍّ لاستعمال سيارات الدولة في غيرِ الأغراض المخصّصة لها، ويتعلّق الإجراءُ الأوّل بمراقبة استعمال هذه السيارات خارجَ أوقات العمل، وإجبار سائقيها على إثبات المهمّة التي سيقومون بها، من طرف أعوان الأمن وعناصر الدرك. "هذا الإجراءُ البسيط سيُفْضي إلى حصْر استعمال سيارات الدولة في أوقات الخدمة فقط، وهُوَ إجراءٌ فعّال ولنْ يكلّف خزينة الدولة شيئا"، يقول محمد المسكاوي، رئيسُ الجمعية، في حديث لهسبريس، مشيرا إلى أنَّ "سيّارات الدولة تكلف المغربَ أموالا طائلة، منها 54 مليارَ سنتيم سنويا كميزانية للوقود، و30 مليارا كفواتير للإصلاح، في حين تصل تكلفة تأمين حظيرة سيارات الدولة إلى 90 مليارا". الإجراء الثاني، الذي تضمّنته مذكرة الشبكة المغربية لحماية المال العامّ، الموجّهة إلى الحكومة، يتعلقُ بإحياء مشروع كانت قدْ طرحته حكومة عبد الرحمان اليوسفي، ويقضي ببيع جُزء من حظيرة سيارات الدولة، وتوفيرِ بدائلَ لنقل الموظفين. وأوضح السكتاوي، في هذا الصدد، أنَّ "ثمّة حلّا، وهُوَ تخصيص حافلات متوسطة لنقل الموظفين"، مضيفا أنَّ "هذين الإجراءيْن كفيلان بتجنيبِ خزينة الدولة الخسائرَ المالية الثقيلة التي تتكبّدها حاليا"، "لكن يتّضحُ أنّ الحكومةَ لا إرادة لها لتنظيم هذا المجال"، يقول السكتاوي.