هذا العنوان يستمد جذوره الأصلية من عنوان آخر لمقال رأي، وهو" البيرة حرام وفلوسها حلال " الذي يعود لصاحبه رشيد نيني مدير جريدة الأخبار المغربية، بتاريخ 16/11/2015 أعجبني هذا المقال لأنه يوضح بكل صراحة بعض الحقائق الثابتة حول واقع الخمور ببلادنا، وكيفية تعامل حكومتنا التي يقودها زعيم إسلامي مع ملف أم الخبائث( الخمر)، لكن ما أعجبني أكثر، وجعلني أفكر في كتابة هذه السطور، هو تلك المفارقة الصريحة التي أوردها نيني في عمود رأيه، قائلا : "إذا كان القانون المغربي متساهلا مع شركات إنتاج الخمور، فإن هناك اليوم في فرنسا، وإسبانيا حملات شرسة ضد هذه الشركات، خصوصا تلك التي لا تحترم قوانين الاستهلاك المتشددة. كما أن هناك عقوبات صارمة تترصد الأسواق الممتازة، ومحلات بيع الخمور والملاهي، والمطاعم إذا ماغامرت ببيع المشروبات الروحية للقاصرين، أو مستعملي الطريق..." غايتنا من إيراد هذه المفارقة ليس البيان، أو التوضيح فحسب، لأن بعض هذه الأمور واضحة وضوح الشمس في كبد النهار عند البعض، بقدر ما حاولنا التفاعل معها، للتنبيه إلى ما يجب أن يكون؛ للعمل به حتى لا يقع مجتمعنا في ما لا تحمد عقباه مستقبلا، وحتى لا تكون عاقبتنا الخسارة الفادحة، فنجني الندم بسكوت مضمر في الحين قبل موعد حصاده المنتظر؛ فتكون مصيبتنا فعلا أكبر مما كنا نتصور! تبعا لتلك المفارقة، المؤلمة أبعادها، وكنتيجة حتمية لها نجد أن "المغاربة يشربون في السنة الواحدة ما معدله 131 مليون لترا من الخمور بكل أنواعها، بمعدل 4 لترات فاصلة 3: 4.3 لترا في السنة لكل مواطن، وهي نسبة تفوق بكثير معدل الاستهلاك السنوي للمغاربة من الحليب". هذه معلومات رسمية، جاءت في عمود نيني. أما الحقيقة فلا يمكن تصورها، لأنها مخيفة جدا، فألوان السكر في المغرب لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن حصرها، أو تصور ذلك، لأن بعض المغاربة يملكون قوة إبداعية في صناعة الخمور، إلى درجة أنهم يستطيعون أن يجعلوا منازلهم، وبيوتهم مصانع للإنتاج بآليات تقليدية وبدائية، أو مصانع للإنتاج والتوزيع معا، حتى صار ملء الخمر وتوزيعه في قارورات، وأكياس بلاستيكية مثل ملء الماء تماما، و ما خفي أعظم . الخطير في الأمر أن حكومتنا تعلم هذه الأمور، ولا تحرك ساكنا، أما حزبنا الإسلامي، فهو لا يرغب في إبداء مواقفه بجرأة تامة، رغم قيادته لزمام أمورنا، ناسيا أو متناسيا أن تحركاته الإيجابية أو السلبية تؤثر على حاضرنا ومستقبلنا جميعا، لكن يبدو أن هذا الحزب يملك آليات إخفاء آرائه بشكل لا يستطيع الكل أن يحس بهذا الأمر، ما عدا الذين يترقبون الفرج السياسي( رافعو المطالب إلى الحكومة). لم أضع في حسابي أن زعماء حزب العدالة والتنمية، سيستغلون مواقعهم الحالية، للاختباء وراء السياسة، دون البحث عن حلول حقيقة لأزماتنا المتعددة، سيما في قطاع الشغل، وتحسين أوضاع الشغيلة، وبدون لف أو دوران، فرئيس حكومتنا يريد أن يجعلنا فقراء، لذلك فهو يعرقل جل الاحتجاجات عبر الاقتطاعات غير المشروعة، و التي يسعى إلى تنفيذها، مستندا في ذلك إلى تأويلاته لبنود الدستور، التي ستنقلب عليه يوما ما، بحكم تعارضه مع مصالح المجتمع المغلوب على أمره. كما أن حكومتنا التي تدعي معرفتها لواقعنا تسعى إلى استفزاز الطاقات العلمية للبلاد، لا لشيء، ربما مثلا لأن الأطباء الذين يتخرجون اليوم في المعاهد " مازالوا براهش"، في اعتقادهم، وكيف يمكن لهم أن يتخرجوا ... وهم مازالوا صغارا؟ إنهم يستحقون عقوبة ما يسمى بالخدمة المدنية. هذه الخطيئة تنسب لوزير الصحة عن طريق وزير الحكومة حتى لا نبخس الناس أفكارهم، واقتراحاتهم، وخططهم. أما الأساتذة المتدربون فهم لا يستحقون التخرج لأن أحلامهم البسيطة يجب هتكها لإزعاجهم، وهذا ما يستحقونه، فبعد محن الحصول على الشواهد، واجتياز مباراة الولوج إلى مراكز التكوين هاهم يهددون بالطرد، والتكرار... لذلك فمن مطالبهم زيادة على حقهم في التخرج، والعمل بشكل مشروع، طرد بلمختار من وزارته، الذي لم يختره الشعب، وهذا ما يستحقه لو أن الديمقراطية في بلادنا هي أعز ما يطلب. أما ملف ما يسمى بدكاترة المغرب فحدث ولا حرج، فبكل بساطة فرئيس حكومتنا وأتباعه لا يطيقون الحديث عنه، ربما لأن لديهم عقدة مع شهادة الدكتورة، ماعدا شهادات أبناء حزبهم، فهم يعترفون بها لأنها دعامة من دعامات آفاق حزبهم، لذلك نجد أن أبناء حزبهم يتسلقون في سلالم الوزارات بدون حرج، وكأن أبواب الجنة فتحت لهم. أما معظم الدكاترة الذين تم إقبارهم في قطاع التعليم المدرسي فهم لا يستحقون في اعتقادهم الدفاع عن حقوقهم، ناسين أن هذه الطاقات تستطيع أن تصنع ما لا يقدرون على صنعه، لو أتيحت لها الفرصة بشكل ديمقراطي مع التشجيع، لذلك نجد أن فئة من الدكاترة اختارت مغادرة البلاد للبحث عن بدائل حقيقية، وهذا ما يزعجنا كلما أثرنا هذه القضية. يبدو أن الحق مع زعماء حكومة بن كيران لأنهم يحسبون أنفسهم موظفين لدى الدولة، وينظرون إلى أمام أقدامهم، ناسين أن يوما ما ستنتهي مهمتهم، و ستنتهي فعلا في يوم من الأيام، والله أعلم بخاتمتهم. صحيح أن أعمالهم ستبقى شاهدة على حضورهم إذا كانت في خدمتنا، ومستقبلنا، أما إذا كانت غير ذلك، فلن تزيدنا سوى بعد عن حزبهم بعد نيل الخسارة، والحسرة، مما سيدفع الجميع إلى البحث عن بدائل أخرى لتعويض ما لحق بهم من سوء، و جور. اعتادت هذه الحكومة أن تقول بأن الشعب يختار ما يشاء بحكم الحرية الفردية التي يتمتع بها، شريطة عدم المساس بحرية الآخرين، فهم يرون مثلا أن معظم المغاربة اختاروا مهرجان موازين، لذلك يجب احترام اختيارهم، كما أن فئة منهم كما ينظرون اختارت شرب الخمر بإرادتها، لذلك فهي مسؤولة عن عواقب ما ستؤول إليه أمورهم، لأنها تعلم ما يضرها، وما ينفعها، فباسم الحرية الفردية سيترك حزبنا الإسلامي بعض أفراد مجتمعنا يعانقون الموت، أو يهددون حياتهم ومصالحهم. "البيرة حرام وفلوسها حرام " إنها الحقيقة التي نؤمن بها، أما عند حزب العدالة والتنمية المغربي فهي أكذوبة لأن "البيرة حرام وفلوسها حلال"،فنجاح هذا الحزب مرتبط بجمع الفلوس بأي طريقة، لحل أزمات سياسات الحكومة التي لا نعلم الوجهة التي تتخذها في الحاضر والمستقبل...إلا من خلال كلماته التي لا تنتهي، والتي تسعى كما رأينا في الكثير من المناسبات إلى تصحيح أخطاء حكومته، وتعثرات الحكومات المغربية السابقة على حساب الطبقة الفقيرة والمتوسطة. لذا فلا تعولوا على الإصلاح بل استعدوا في كل حين لأننا سنتحول إلى كبش فداء، وفعلا هذا ما يحصل بين الفينة والأخرى شئنا أم أبينا، لذا نطلب من الله اللطف حتى تمر العاصفة السياسية لهذه الحكومة بسلام وأمان، إن كنا نملك القدرة على التحمل. لن نستغرب إذا رأينا أن هذا الموقف ينضاف إلى سلسلة مواقف حزب إسلامي يقود الحكومة المغربية، فهو موقف بطبيعة الحال بعيد كل البعد عن تعاليم الدين الإسلامي، ربما لأن هذا الأخير في اعتقاد زعمائه سيعوق مصالحهم التي لا يعلمها سوى الله، وفي الغالب فهي مصالح فردية تحت غطاء استعمال السلطة. ربما يكون مفهوم الدولة المدنية ذو البعد الحداثي المحض قد استولى على عقولهم، وقتل حتى خصوصيات الفكرة الإسلامية في منهجهم الذي لا يجد سلامته في زمن الصراع حول السلطة، فأصبح الابتعاد عن أحكام الدين الإسلامي ضرورة لا مفر منها. فيا سياسيينا إن لم تستطيعوا البوح بهذه الحقيقة، فعلى الأقل ارحموا أولاد الشعب، وقولوا إن الخمر من أسباب مصائبنا، فهو يضر بسلامة مجتمعنا. ولكي تساهموا في إنقاذ الأرواح حاربوا شركاته، لأنها تقتل الأبرياء، وتخرب عقولهم، وصحتهم، كما تدمر حاضرهم،ومستقبلهم... ولا تقولوا إنه حرام، حتى لا تثيروا الانتباه، ولا تقولوا في خطاباتكم قال الله كذا...أو قال الرسول كذا... حتى لا يقال عنكم في النهاية إنكم تريدون تطبيق الشريعة الإسلامية، فتدخلوا في سجالات، ربما لن تترك مصالحكم تتحقق بالشكل المخطط. أين همّ الإصلاح، ووعوده التي تطير بالمبادئ والقيم والعدالة الاجتماعية لإنقاذ البشرية جمعاء؟. المستقبل قريب، وستكشف الأيام أن الشعب دائما هو ضحية ما نراه الآن، وليس هذا سرا، لذا نجد بعض أفراده يفضلون السكوت، باعتباره حكمة، أتت بعد جهد الرفض لما آلت إليه أمورنا، وإن كان هذا السلوك بكل صراحة في اعتقادهم ليس حلا، لأن لا حول ولا قوة لهم فقط، كما أن اختيارهم لهذا الوضع لم يأت طوعا بل جاء كرها بعد الاستسلام. وتبعا لهذا الوضع المأساوي فإننا نجد فئات عريضة أخرى من مجتمعنا لا تخرج عما أوردناه، وإن كانت لا تستطيع البوح بذلك، فإننا نجدها مع صعوبة وصف أحوالها المخيفة متمسكة بقول الباري عز وجل" إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" .